مجلة الرسالة/العدد 241/أقوام بادوا
→ صلاة شاعر! | مجلة الرسالة - العدد 241 أقوام بادوا [[مؤلف:|]] |
رسالة العلم ← |
بتاريخ: 14 - 02 - 1938 |
للأستاذ عبد الرحمن شكري
مفتاح القصيدة
جعلوا لطبع اللؤم كل قداسة ... وتحرزوا من سنة المختار
المختار هو النبي ﷺ، وكل من نبذ سنة الله ورسوله لابد أن يصير إلى ما هو موصوف في هذه القصيدة من الصفات؛ ونعني بالنبذ نبذ القلب وإن لم ينبذ اللسان، ولا نعني أحداً بالذات وإنما هي صفات يعرف كل منصف منها أنها شائعة حيث الاضمحلال والبوار
القصيدة
تركوا اللباب وشاقهم ما شانهم ... من بهرج في مطلب غرار
عاشوا عبيد كلامهم لم يدلفوا ... من خلفه لحقائق الأفكار
جعلوا حطام اللؤم أعلى مكسباً ... وأعز محمدة ليوم فخار
يخفون أوزار النفوس بمنطق ... فينم فاضح خافيَ الأوزار
حسبوا اغتياب الغائبين مطهِّرا ... لنفوسهم من خزية أو عار
كل يغار من الإِجادة جهده ... مثل النساء تغار كل مغار
يحكي عظيمهم الحقير سفالة ... متكثراً بدناءة الأنصار
يخشى البريء قضاءهم من خطة ... لم تُعْفِ ناساً من هوى الأصهار
العدل فيهم أجر كل مملِّق ... جعل النفاق عصابة الأبصار
كل يعاقب من يريد أليفه ... ضراً له لا الكره للأشرار
الكِذْب عجز فيهمُ وخساسة ... والصدق عبد مزدرًى متوارى
ندم المجيد على إجادةٍ قوله ... أو فعله من ضيعة وضرار
الضيم ما يجري اللئامُ مُجَوِّداً ... فيصون كلُّ عجزه لفخار
سبقٌ بمضمار الحياة يحوزه ... مُتَخَلِّفٌ بالغش في المضمار
وتفرقوا إلاَّ لدى التهويش والت ... ضليل فهو مؤلف الدُّعَّار
وتخالهم حشرات روث مالهم ... إلا به حظ من الإكثار وكأن كل إجادة قد دهورت ... من عقلهم في بؤرة الأوضار
فكأنما أذهانهم بالوعة ... أخفت نفيس الدر في الأغوار
كل يلوذ بإثْرَةٍ ويخالها ال ... إيثار بئس مزيف الإيثار
ففعاله ومقاله وسكوته ... للؤم لا فضلاً وحسن جوار
دأبوا على إخفاء حق مالهم ... في حجبه من مكسب ونضار
لؤم لعمرك لا مدى لصياله ... وضؤولة تحدو لسفل قرار
الطيش أغلب للتأمل فيهم ... حتى لدى العظماء والأخيار
سبق اللسان حصاتهم فكأنما ... سكر العقار لهم بغير عقار
رانت على مهجاتهم وقلوبهم ... وعلى الحجا والسمع والأبصار
شيم تُوَرَّثُ حقبة عن حقبة ... كتخلف الأَرجاس في الأَنهار
أو ما دهى أوصال جسم من ضنى ... يمضي ويترك باقي الآثار
جعلوا لطبع اللؤم كل قداسة ... وتحرزوا من سنة المختار
هات المُرَبِّي للكبار ولا تقل ... يا أين مُعْوِزَ رشده لصغار
هيهات يصلح نشء قوم لم يجد ... خُلق الكِبَار يضيء مثل منار
عدوى الضؤولة والخساسة فيهمُ ... عدوى الوباء تسير كل مسار
قوم إذا ابتدروا السباب رأيتهم ... يطلون موضع عُرِّهم بالقار
متعاظمين على نجاسة أنفس ... نتجت نتاج الدود في الأقذار
ستر الخسيس خساسة بخساسة ... في أنفس الأعوان والأنصار
متعظماً يبدو كريماً سامياً ... متحلياً بفضائل الأطهار
وترى الوقار ولا وقار وإنما ... اخفوا دعارة أنفس بوقار
ودعوا إلى الإصلاح دعوة مائق ... يسعى إلى الأرباح سعي تجار
هم يبتغون الجاه إنْ لم يبتغوا ... مالا بدعوة مصلح ثرثار
لم تَدْر وَحْيَ المصلحين حصاتهم ... فتشبثوا بزوائف الأفكار
صارت وسائل عيشهم ما غاله ... من طبع لؤم سائق لبوار
فقد الحياَء صغارُهم من ضيعة ... فغدوا كبار الفخر غير كبار صنعوا الأذى من غير ما سبب ولا ... يؤذي لغير القوت وحش ضاري
ضلت غرائز شرهم عن أصلها ... في صون عيش أو لدفع ضرار
فغدت دناءة أنفس وخساسة ... كيداً بلا كسب ولا أوطار
وحديثهم كالحك يهتك عزهم ... فأخو السفاهة منهم كأسٍ عاري
العدل ما وهب السمير سميره ... والرأي للأوشاب والأغمار
جرأت صعاليك على ما لم يكن ... في فهمهم فقضوا بغير تماري
فوضى لعمرك لا صلاح لشأنها ... كيف الصلاح لأمر هاوٍ هاري
عادوا الذكاء خساسة فكأنما ... نبذ الذبالة في الظلام الساري
إلا الدعاوي الباطلات فأنها ... عادت كعود مزيف الدينار
سل صفحة التاريخ كم قوم به ... أجراه مجرى الدهر في مضمار
أقوام أدهار مضت بعض لها ... ذكرى وبعض ما لها من داري
قد أبدلوا طبع السفال بأنفس ... من طبعها المتصاعد السوَّار
صاروا إذا غضبوا وإنْ سُرُّوا وإن ... درجوا لأمر ثالث بمدار
يتمرغون مجانة فنفوسهم ... وجسومهم كمزابل الأوزار
كتمرغ المفلوك دغدغ جلده ... عضة من البرغوث في الأقدار
وصموا الشباب ولم يكن من طبعه ... خلق اللئيم العاجز الغدار
إن الشباب مروءة وسذاجة ... وترفع ينبو عن الأوضار
تخذوا السفال مِجّنَّهُم ليصونهم ... من صولة الغلاَّب والمغوار
فغدا السفال سعادة ومسرّة ... عبث الخنى ومجانة الفجار
نبذوا الحياء وكيف ترجو أمة ... للنائبات مجانة العهار
قد قيل في فقد الحياء رجولة ... فقد الحياء أنوثة الدعار
طبع المجانة عم حتى خلته ... كيداً يحاك عليهم بسرار
أم وُرِّثُوهُ عن الجدود غنيمة ... يطفو الذليل بها على الأقدار
ويُذِلُّ من عنت وضيمها ... بسعادة المجان والفجار
وتكايدوا كيد العبيد ولم يكن ... كتنابذ بطبائع الأحرار واستمرءوا مرعى الغباوة والخنا ... إلْفَ السجون لطول عهد إسار
هزموا الدهور الغازيات بهزلهم ... فمضت وضلوا رهن عقر الدار
فإِذا الدهور جديدة غلاَّبة ... وإذا اللئام فريس الأدهار
درجوا على درج الحياة إلى الردى ... من بعد جهل راقهم وصغار
عبد الرحمن شكري