الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 240/أناشيد صوفية

مجلة الرسالة/العدد 240/أناشيد صوفية

مجلة الرسالة - العدد 240
أناشيد صوفية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 07 - 02 - 1938


جيتانجالي

للشاعر الفيلسوف طاغور

بقلم الأستاذ كامل محمود حبيب

- 97 -

سأزينك بالرايات والأكاليل علامة غلبتك علي؛ فما كان في قوتي أن أدفع عن نفسي الهزيمة

لا ريب، فكبريائي قد عُصف بها، وحياتي تصدعت عن آلام مبرحّة، وقلبي الخاوي تفجر عن لحن موسيقى كأنه اليراع المثقب، وهذه الأحجار الصماء ستحور عبرات

لا ريب في أن أوراق زهرة اللوتس لن تظل متماسكة أبد الدهر؛ وأن رحيقها المكنون سيبدو في وقت مّا

ومن خلال السماء الزرقاء ستحدق عين فيّ ثم تناديني في صمت، فأنفض عني كل شيء. . . كل ما أملك. . . ثم أتقبل القضاء المحتوم عند قدميك

- 98 -

حين ألقي بالدفة من يميني ألقي بها لأنه يكون قد آن لك أن تديرها أنت، وسيتم كل ما تريد في لحظات، وعبثاً هذا الجهاد

إذن ألق السَّلم - يا قلبي - وأصبر في صمت على ما مُنيت به من إخفاق، وثق بأنه من حسن حظك أن تستقر هادئاً في مكانك. . . مكانك الذي حللت

إن مصابيحي تنطفئ عند كل هبة نسيم، وإني لأنسى ذلك حين أنطلق أضيئها

غير أني سأكون - في هذه المرة - حازماً، فأظل في غسق الظلماء، أنشر فراشي على الأرض؛ وإذا طاب لك هذا - يا سيدي - فتعال إليّ في صمت، واتخذ لك مجلساً بازائي

- 99 -

لقد اندفعت إلى أعماق بحر الأشباح عليِّ أجد الدرة الكاملة التي لا شكل له لن أبحر - بعد - على قاربي المحطم من مرفأ إلى مرفأ؛ فما أطول الأيام حين أقضيها بين أمواج تتقاذفني!

والآن، فأنا أستشعر في نفسي الشوق إلى أن أغتمر في الخلود.

سأندفع إلى مجلس السمر، حيث اللجة ما لها من قرار، وحيث الموسيقى تتصاعد مختلطة في غير نغم. . . سأندفع إلى هناك وبين يديّ قيثار حياتي

سأوقع عليها ألحان الأبدية، وحين آتي على آخر لحن ألقي بها عند قدمي السكون

- 100 -

لقد أفنيت عمري أفتش عنك بأغانيّ. إنها هي التي قذفت بي من باب إلى باب، ومن خلال نبراتها لمست كل ما حولي، فانكشف أمام عينيّ العالم، فأحسست به

إنها أغانيّ هي التي علّمتني كل دروس الحياة، وهي التي كشفت لي عن مسالك غامضة، وحسرت لي عن كواكب تتألق في أفق قلبي

وهي قادتني إلى مفاوز في عالم من السرور والألم معاً؛ وأخيراً، ماذا عسى أن يكون باب هذا القصر الذي دفعتني هي إليه والليل ناشر أستاره، فوقفت بإزائه وقد تمت رحلتي؟

- 101 -

إنني أباهي صحابتي بمعرفتك، وهم يلمسون شعاعك في كل ما أعمل فيندفعون إليّ يسألون: (من عسى أن يكون؟) فما أدري بماذا أجيب. . . ثم أقول: (حقاً، إنني لا أستطيع قولاً) فيتهكمون عليّ بكلمات لذاعة ثم ينصرفون عني في ازدراء، وأنت جالس هناك تبسم

وصغتُ أحاديثي عنك في أناشيد يتدفق في ثناياها السر الدقيق من قلبي، فاندفعوا إليّ يسألون: (خبّرنا عن معاني حديثك) فما استطعت حديثاً. . . ثم قلت: (من عساه أن يعرف؟) فابتسموا في تهكم ثم انصرفوا عني في ازدراء جامح، وأنت جالس هناك تبسم

- 102 -

في تحية واحدة إليك - يا إلهي - دع كل حواسي تنطلق فتلمس هذا الكون عند قدميك

وكما تتعلق سحائب يوليه وقد أثقلتها القطرات المكفوفة، دع قلبي ينحن عند بابك في تحية واحدة إليك واجعل أغانيّ تنتظم كل الألحان المتضاربة في تيار واحد ثم تتدفق إلى خضم السكون لتكون تحية واحدة إليك

وكما ينطلق سرب من الكراكي وقد أهمته الغربة. . . كما ينطلق في دأب ونشاط - صباح مساء - ليبلغ أعشاشه على قنن الجبال، دع حياتي تتخذ طريقها إلى مستقرها الأبدي لتكون تحية واحدة إليك

(تمت)

كامل محمود حبيب