مجلة الرسالة/العدد 232/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 232 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 13 - 12 - 1937 |
قصة معمل الذهب
القصة الثالثة عشرة من القصص المدرسية
للأساتذة: سعيد العريان، أمين دويدار، محمود زهران
للأستاذ أبو الفتوح محمد التوانسي
عنوان القصة الجديدة من القصص المدرسية وهي أولى المجموعة الثالثة من هذا القصص الرفيع، فماذا يوحي هذا العنوان الطريف العجيب الذي يثير الرغبة ويهيج الشوق؟
لا شك عندي أن الطفل سيسر حين يطالع قصته، وسيغرق في الضحك حين يعلم أمر الأب توت مع الشقي حابي، وسيدفعه هذا وذاك إلى إدراك جمال القصة، وقريب من أذهان الطفولة تلك الأسمار الشائعة التي لا يزال يرويها عامة القصاص في القرية من حكايات العفاريت التي يتخللها كثير من صور المسخ والتقمص. وفي اعتقادي أن هذا أثر عريق من آثار مصر القديمة في عهدها الأسطوري لا زال عالقاً بالأذهان، رغم تقادم الحقب وامتداد الزمن؛ فالشراب الذي يحيل الحيوان الناطق إلى حيوان نكير الصوت شبيه بالكيمياء الذهبية، وتلك خرافة قديمة
وما زالت الخرافة عند الشعوب منشأ الفلسفات والأديان؛ فالقصة التي تصوغ الحقيقة الواقعة في أسلوب خرافي هي أدنى إلى منازع الطفولة، وقصة معمل الذهب تقوم على فكرة من هذه الفكر التي تنتهي حتما إلى غرض تهذيبي، وإذا فماذا يفهم الطفل من قصته الجديدة؟ سيعرف بلا ريب أن السرقة التي حرمتها الأديان لا تليق بكرامته، لأن مصيره ربما كان كمصير اللص حابي ومن لف لفه.
فإذا انتقلنا من هذا العرض الموجز ألفينا في القصة أسلوباً قصصياً بارعاً، نسج برده طبع قصصي، فهو يملك سمع الطفل ويحرك فيه شهوة القراءة، ثم يمنحه زاداً لغوياً نافعاً ويسوقه في رفق إلى تذوق التعابير الصحيحة التي هي الغاية من تعليم اللغة. فقصة معمل الذهب وشقيقاتها السابقات طريق سهل واضح المسالك إلى تعليم الإنشاء العربي. وما تزال طريقة هذا الفن في مدارسنا في حاجة إلى التجويد، وإن تكن قد بلغت منزلة مشكورة من الإجادة الفنية في حسن الاختيار والتصرف والشرح. والأمر في قبضة المعلم الحازم الذي يولد من القصة موضوعات شائقة في الإنشاء. وما أحب هذا النوع من الكتابة الفنية لدى الأطفال والناشئين من تلاميذنا! ومما يرفع من شأن القصص المدرسية في جملتها وعنايتها الصادقة بتصحيح التراكيب والمفردات التي كان يظن أنها في فسولة العامية، وليس هذا بالأمر الهين فهو مما يحتاج إلى جهود متضافرة، واطلاع شامل، وخبرة تامة بأساليب اللغة العامية أما الخيال في هذه القصة وفيما سبقها فبعيد مداه، ليس له أفق محدود، وهذا العنصر من عناصر القصة متى أجاده المؤلف وواتاه فيه الطبع أكسب القصة سحراً وتأثيراً.
هذا وقد بلغ التحليل النفسي الغاية في دقة الوصف، وأثر ذلك واضح في تصوير بطلي القصة الأب توت، ذلك الحكيم الكيماوي، وحابي الأثيم الذي كم ذاق صنوفاً من الشقاء. وقد أصاب مؤلفو القصص المدرسية في هذه الناحية توفيقاً كبيراً يدل على قدرة عجيبة في فهم طبائع الأشخاص، ودراسة ممحصة لأحوال البيئة المصرية، تجد ذلك في العرض الدقيق في سائر القصص للعادات والتقاليد والأوضاع الاجتماعية في بيئتنا، مع صدق في اللهجة، وجمال في الفن وبساطة في التعبير، وابتكار متجدد، فتلك جريدة التلميذ الملحقة بقصتنا الجديدة نوع مستحدث ومستطرف يرمي إلى غرس الملكات الأدبية في نفوس الناشئين
وكل ذلك مما يجعل القصص المدرسية مورداً عذباً لدراسة عقلية نافعة، ومثلا عليا للتلميذ تحببه إلى الفضيلة وتعمل على رفع مستواه الخلقي، وتشحذ من عزيمته، وتقوي من استقلاله الفكري
وبعد فماذا في تلك القصص؟ إنها مجهود أدبي في أدب الطفل يسير في طريق تحقيق الغاية من إيجاد الأدب القومي الذي يجمع بين الموروث عند العرب في الثقافة اللغوية، وبين موضوعات البيئة التي نعيش فيها.
فإلى من يهتمون باللغة القومية في العهد الجديد من المسئولين وغيرهم نوجه الحديث، فإن في تشجيع ذلك المجهود شداً لأزر الفصحى في المدارس
(الجيزة)
أبو الفتوح محمد التوانسي