مجلة الرسالة/العدد 232/أناشيد صوفية
→ في وجه الثورة على الأخلاق | مجلة الرسالة - العدد 232 أناشيد صوفية [[مؤلف:|]] |
الكميت بن زيد ← |
بتاريخ: 13 - 12 - 1937 |
جيتانجالي
للشاعر الفيلسوف طاغور
بقلم الأستاذ كامل محمود حبيب
- 26 -
لقد دلف إليّ وجلس إلى جانبي ولكني لم استيقظ. يا لتعس هذه النومة، ويا لشقاوتي!
جاء والليل ساج وفي يده قيثاره، فرن نغم لحنه العذب خلال أحلامي
يا اسفاه، اهكذا تضيع ليالي؟ آه، لماذا أُحرم - دائماً - النظر إليه وأنفاسه تداعبني في
نومي؟
- 27 -
النور؛ أوه، أين هو النور؟ أشعله بنار الرغبة المتأججة
ها هو المصباح ولكنه لا يضيء أبداً؛ انه مظلم كحظك يا قلبي! آه، إن الموت خير لك
إن البؤس يقرع بابك ليوحي إليك بان سيدك يقظان يناديك إلى ميعاد الهوى في غسق
الليل
السماء مثقلة بالغيوم والمطر ما يبرح يهطل مدراراً، وأنا لا اعرف ماذا يضطرب في
جوانحي، ولا اعي له معنى
إن وجهي يكفهر لومضات البرق، وقلبي يتلمس طريقه إلى حيث موسيقا الليل تناديه
النور؛ أوه، أين هو النور؟ أشعله بنار الرغبة المتأججة! السماء ترعد، والرياح تهب
هوجاء تملأ الفضاء، والليل قاتم كالصخرة السوداء؛ فلا تدع الظلام يخيم علينا وأشعل مصباح الهوى بنور حياتك
- 28 -
إن صلابة الرأي عقال يتألم قلبي حين أحاول أن أتخلص منه
إن الحرية هي كل ما ابتغي، وأنا استشعر الخجل حين أتمناه أنا أومن بان بين يديك الثراء العريض، وانك أنت صديقي الحميم، ولكني لا أجد في
نفسي الجرأة على أن أزيل كل ما يملأ حجرتي من بهرج
إن هذا السجف التي يسترني هو كفن من التراب والموت أنا ابغضه غير أني أضنى به
إن ديوني كثيرة وخطاياي أعظم، وعيوبي التي أخفيها في نفسي تثقلني؛ وحين انطلق
لأطلب إليك الإحسان تسيطر عليّ رعدة شديدة خشية إلا تتقبل صلاتي
- 29 -
إن في هذا البناء - جسمي - شبحاً يذرف الدمع في خلوته وأنا دائماً في شغل شاغل
أشيد حوله سوراً عالياً، وعلى مر الأيام أرتفع سمكه فعميت عن حقيقة وجودي وأنا في ظلامه القاتم
لقد أخذتني العزة بهذا السور الشامخ فاندفعت اطليه بالطين والرمل خشية أن تكون به
فرجة، ولكن ما بذلت من جهد أعماني عن حقيقة وجودي
- 30 -
ها أنا أتيت وحيداً لأفي بوعدي؛ ولكن من هذا الذي يتبعني في دجى الليل وسكونه؟
وعبثاً تحولت عن طريقي لأضلله
إنه يثير الغبار وهو يمشي الخيلاء وهو يردد قولي في صوت أجش
إنه روحي الضئيل - يا الهي - وهو لا يستشعر الخزي، وانا استحي ألج بابك برفقته
- 31 -
قلت: (يا أيها السجين؛ خبرني، من ذا الذي قيدك هنا؟)
قال: (هو سيدي، لقد ظننت إني أبذ كل إنسان على الأرض بما لدي من ثراء وقوة، وبين
يدي بيت المال وهو ينضم على كل ما يملك مليكي. وحين يغلبني النعاس انطرح على فراش كان في - يوم ما - سرير سيدي؛ وحين استيقظ أجد نفسي سجيناً في بيت المال)
قلت: (يا أيها السجين؛ خبرني، من ذا الذي صنع هذه السلسلة الصلبة؟)
قال: (بيدي الصناع ابتدعتها وخيل إلي أن قوتي الكامنة ستقبض على العالم كله وأظل أنا
طليقا في أمان، فقضيت عمراً من عمري أهين هذه السلسلة استعين بالنار والمقامع الحديدية الشديدة؛ فلما فرغت من عملي وتمت حلقاتها وجدت نفسي مقيداً بها)
- 32 -
لقد حاول أحبائي على الأرض جهدهم أن أعيش بين أيديهم في أمان؛ ولكن حبك أنت
يفوق حبهم. أنت يا من تكفل حريتي أنهم يلازمونني دائماً خيفة أن أنساهم، وها هي الأيام تمر سراعاً وأنت ما تزال تتستر خلف الحجب
وإذا لم أتوسل إليك في صلواتي، وإذا لم أحفظك في قلبي، فحبك لي ما يزال ينتظر حبي
لك
- 33 -
وحين يسفر وجه الصبح يفدون إلى داري رمزاً ويقولون (سننزل في هذه الغرفة الضيقة)
ثم يقولون (سنشد أزرك في عبادة ربك لننال فضل إحسانه) ثم قبعوا في ركن في هدوء
وتواضع
وفي هدأة الليل تدافعوا إلى هيكلي المقدس في صخب، يستلبون القرابين من محراب
الرب في شره
- 34 -
هب لي بعض نفسي فأذكرك كلك
هب لي بعض عزمي فاشعر بك في كل مكان، وانزع إليك في كل عملي وأحبوك بحبي
في كل آن
هب لي بعض نفسي فلا استخفي منك
هب لي بعض هذه الأغلال فأنا مقيد بمشيئتك، وما تريده فهو آت. . . هذه القيود هي
قيود حبك
- 35 -
حين يطمئن الفؤاد فلا يستولي عليه الذعر فيرتفع الرأس عالياً
حين تكون حرية الرأي،
حين لا يتصدع العالم شيعاً وتفرق بينه الحدود الضيقة، حين تنبعث الكلمات من أعماق الحقيقة، حين يمد التناحر الدائم ذراعيه صوب الكمال،
حين يهتدي الرأي الناضج إلى طريقة السوي فلا يضل في متاهات التقاليد البالية،
حين تجذب العقل إليك. . . إلى الفكرة والعمل الأبديين إلى سماء الحرية؛ انزع - يا
الهي - عن وطني سباته العميق
- 36 -
ها هي صلواتي إليك - يا الهي -: حبذ أصول العوز من قلبي؛
امنحني القدرة على أن احمل أفراحي وأتراحي معاً
امنحني القدرة على أن اخلق من حبي عملاً صالحاً
امنحني القدرة على إلا انهر فقيراً وألا أخرّ على ركبتي أمام غطرسة الجبار
امنحني القدرة على أن أسمو بعقلي فوق السخافات الأرضية
ثم امنحني القدرة على أن انزل في رضا عن كبريائي أمام مشيئتك
- 37 -
يتراءى لي كأن رحلتي قد انتهت عند الغابة، عند آخر نزوة من نزوات قوتي ... ها هو
الطريق قعد اغلق أمامي، ونفد زادي وآن لي أن استريح في سكون الظلام
ولكن يخيل إلي أن إرادتك لا تجد في النهاية، فحين تموت الكلمات الرثة على شفتي
يتفجر القلب بنغم عذب، وحين تنسد أمامي المسالك القديمة يتفتح أمامي عالم جديد فيه العجائب
- 38 -
إنني أهفو إليك، إليك وحدك - دع قلبي يرددها مرات ومرات في غير نهاية. إن
الوساوس التي تلح عليّ صباح مساء، لتصرفني عنك، إن هي إلا جوفاء خداعة
حين يتوارى الليل خلف سجوفه ينتظر بسمة الفجر، ترن في أعماق قلبي صيحة: إنني
أهفو إليك، إليك وحدك
حين تعدو العاصفة الهوجاء في طريقها تبتغي الهدوء فتبدد هي السكون في صولة ويأس.
. . في هذا الحين تعصف ثورتي الجامحة بحبك وهي ما تزال ترسل صيحاتها: إنني أهفو إليك، إليك وحدك
كامل محمود حبيب