مجلة الرسالة/العدد 230/في مستهل الشتاء
→ نكبة السيل في سورية | مجلة الرسالة - العدد 230 في مستهل الشتاء [[مؤلف:|]] |
رسَالة العلم ← |
بتاريخ: 29 - 11 - 1937 |
زهرة تتغنى
للأديب أحمد فتحي مرسي
الرَّوْضُ مَعْقُودُ اللَّهَا هَاجِدٌ ... قَدْ صَوَّحَ النَّاضِرُ مِنْ زَهْرِهْ
والرِّيحُ فِي الآفَاقِ عَصَّافَةٌ ... وَالطَّيْرُ قَدْ عاَدَ إلى وَكْرِهْ
يَا وَيْلتَا! ماذا أَصَابَ الضُّحَى ... حَتَى غَدَا كالَّليْلِ فِي قُرِّهْ
لاَ الرَّوْضُ مَمْطُورُ الثَّرَى زَاهِرٌ ... كَلاَّ. . وَلاَ الأَمْوَاهُ فِي نَهْرِهْ
وَالغُصْنُ ذَاوٍ فِي الرُّبَى ذَابِلٌ ... قَدْ صَلُبَ الريَّانُ مِنْ خَصْرِهْ
يَلُوحُ كالْمَذْعُورِ فِي رَجْفِهِ ... مُنْتَفِضَ الأَطْرَافِ مِنْ ذُعْرِهْ
يَنْفُضُ فِي الرَّوْضِ وُرَيْقَاتِهِ ... والذَّاوِيَ اليَابِسَ مِنْ نَوْرِهْ
كَطَائِرٍ يَنْفُضُ عَنْ رِيشِهِ ... مَا خَلَّفَ الوَابِلُ مِنْ قَطْرِهْ
أُنَقِّلُ الطَّرْفَ فَمَا إنْ أَرَى ... إِلاَّ هَشِيمَ الرَّوْضِ فِي قَفْرِهْ
هذِي الرِّيَاحُ النُّكْبُ مِنْ عَصْفِهَا ... قَدْ بِتُّ كالثَّامِلِ فِي سُكْرِهْ
وَذَا نَسِيمُ الَّليْلِ فِي هَبِّهُ ... يَهْصِرُ بِي مَا شَاَء مِنْ هَصْرِهْ
قَدْ خَدَّشَ الخَدَّ بأَنْفَاسِهِ ... وَأطْفَأَ المُؤتجَّ مِنْ جَمْرِهْ
فَي بَسْمَةِ الصُّبْح وَفِي صَمْتِهِ ... وَفِي البَهِيِّ النَّضْرِ مِنْ فَجْرِهْ
وُلِدْتُ فِي الأَفْنَانِ مُخْضَلَّةً ... فَضَمَّنِي الغُصْنُ إلى صَدْرِهْ
رَخِيَّةُ الصَفْحَةِ لَوْ مَسَّها ... ثَغْرُ امْرِئٍ ذَابَتْ عَلَى ثَغْرِهْ
أَجْرَى عَلَى خَدِّي النَّدَى قَطْرَهُ ... وَأَسْبَلَ المُنْهَلَّ مِنْ خَمْرِهْ
مَنْزِلَتِي فِي الرَّوْضِ مِنْ زَهْرِهِ ... مَنْزِلَةُ الْوُسْطَى عَلَى نَحْرِهْ
تُخَايِلُ الأَفْنَانُ بِي فِي الرُّبَى ... وَيَنْثَنِي غُضْنِيَ مِنْ فَخْرِهْ
حَتَّى إذا أَرْخَى الدُّجَى سُجْفَهُ ... وَلَفَّ هَذا الكَوْنَ فِي سِتْرِهْ
فَجِسْمِيَ الذَّاوِي عَلَى غُصْنِهِ ... لاَ تَأْتَلِي الأَنْسَامُ فِي نَثْرِهْ
وَشِيكةُ المَوْتِ وَلَمْ أَنْتَهِلً ... مِنْ رَوْعَةِ الكَوْنِ وَمِنْ سِحْرِهْ
ماذا عَلَى الأَقْدَارِ لَوْ صَابَرَتْ ... قَدْ يَجْتنِي الصَّابِرُ مِنْ صَبْرِهْ كأَنَّنِي حُلْمٌ لَطِيفُ الرُّؤَى ... قَدْ طَافَ بِالوَسْنَانِ فِي فِكْرِهْ
حَتَّى إذا وَلَّتْ سِنَاتُ الكَرَى ... لَمْ يَبْقَ فِي القَلْبِ سِوَى ذِكْرِهْ
أَيْنَ الرَّبِيعٌ الطَّلْقُ فِي حُسْنِهِ ... أَيْنَ الشَّذَا الْفَوَّاحُ مِنْ عِطْرِهْ
أَيْنَ السَّنَا اللَّمَاحُ مِنْ نُورِهِ ... أَيْنَ الفَمُ الوَضَّاحُ مِنْ بِشْرِهْ
كَمْ عِنْدَهُ مِنْ رَائِعٍ خَالِدٍ ... يَعْيَا اللِّسَانُ الطَّلْقُ فِي حَصْرِهْ
قَدْ مَرَّ بالرَّوْضِ قَرِيبَ المَدَى ... كَخُطْوَةِ العَجْلاَنِ فِي مَرِّهْ
وَشَيَّعَ المُبْتَلَّ مِنْ غُصْنِهِ ... وَوَدَّعَ المُخْضَلَّ مِنْ زَهْرِهْ
وّآذَنَ الدَّهْرَ بِهِجْرَانِهِ ... فَرَوَّعَ الأَفْنَانَ مِنْ هَجْرِهْ
وَالدَّهْرُ أَطْوَارٌ تَقَضَّى بِنَا ... مَا مَرَّ لا يَرْجِعُ مِنْ طَوْرِهْ
وَذَلِكَ العَيْشُ بِهِ مِعْبَرٌ ... تَفَاوَتُ الأَعْمَارُ فِي عَبْرِهْ
الصَّفْوُ وَالكَدْرُ سَوَاءٌ بِهِ ... وَعُسْرُهُ أَهْوَنُ مِنْ يُسْرِهْ
وَشَرُّهُ ماضٍ إلى خَيْرِهِ ... وَخَيْرُهُ غَادٍ عَلَى شَرِّهْ
كَمْ فِي حَياَتِي عِظَةً لِلوَرَى ... لَوْ نُبِّهَ الغِرُّ إلى أَمْرِهْ
كُفِّنْتُ فِي مَهْدِي ولمَّا أَزَلْ ... ذَكِيَّةَ الأذْيَالِ مِنْ طُهْرِهْ
فَلَحْظَةٌ عُمْرِي. وَكَمْ يَشْتَكِي الْ ... إنسان قُرْبَ المَوْتِ في عُمْرِهْ
شَكِيَّةُ الإنسان مَا تَنْتَهِي ... وَإنْ يَعِشْ دَهْراً عَلَى دَهْرِهْ
مَا أَغْدَرَ المَوْتَ بأَعْمَارِنَا ... وَأَغْفَلَ الإنسان عَنْ غَدْرِهْ
وَأَلعَبَ الجَدَّ بآمَالِنَا. . . ... وَأَقْرَبَ المَولُودَ مِنْ قَبْرِهْ
(القاهرة)
(فتحي)