الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 229/مقالات إسماعيلية

مجلة الرسالة/العدد 229/مقالات إسماعيلية

بتاريخ: 22 - 11 - 1937


لأستاذ جليل

- 2 -

في معرفة العقل

ومنها حدثني الحسن الموصلي عن علي بن محمد نازل سَوْرة والعباس بن محمد بن الحسين جميعاً عن محمد بن سنان الزاهدي قال: سألت لمولانا (علينا سلامه) عن أول صفات الأزل، فقال لي: العقل، فقلت: وما العقل يا مولاي؟ فقال: أنا. وما علمت أن بي يعقل العاقل، وبي ينظر الناظر، وبي يسمع السامع، وبي يبطش الباطش، وبي يتحرك الساكن، وبي يذاق الطيب، وبي يشم الروائح الطبية، وبي يحس الحواس، وبي أفاضوا الناس؟ فقال له محمد بن سنان فكيف منزلتك من الباري الأزلي؟ فقال له كمنزلة العلم من العالم لم ينفصل منه ولا هو سواه. واعلم يا محمد، أن الأزل أطلع من ذاته نوراً لم يفصله منه، ولا غاب عنه، ثم سماه عقلا، وخاطبه به، فقال له: من أنا؟ أجابه أنت وأنا منك، فقال له أدبر يعني اظهر كالمنفصل مني، فظهر ثم قال له: أقبل يعني غب فيّ واتصل بي، فاتصل فقال له به وخاطبه منه: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً قبلك إلا أنا إذ أنا معدنك، ولا خلق أبداً أحب إليّ منك، لأنك مني بديت، وأنا بك ظهرت. منك نطقت، وبك أدعو، وأنت إشارتي ونودي في سمواتي وارضي، بك آخذ حقي من خلقي، وبك أجازي من عرفني وأقرّ بي، فأنت الواحد إذ لا مثل لك، وأنا الأحد لأني متحد بك. لست حين اطلع بك حركاتي وغيبتك سكوني وأنا العلي الحميد والسلام

- 3 -

فصل في معرفة الإنسان

قال الله (تعالى): (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) اعلم أن الإنسان هو النفس خلقت قبل الجسم زماناً طويلا، فلما ظهرت النفس بصورة الجسم ذكرت وعرفت حتى تعقل منه المعقولات أي تعرف إمام العصر والزمان؛ فإذا عرفت ارتقت إلى عالمها النوراني كما قال الله (عز وجل) (ثم ننجّي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جِثِياً) والجثو هو المعاد فيها. وإذا لم تعرف إمام العصر والزمان تتردد في عالم الكون والفساد على الأجساد ومحل الآلام حتى تعرف إمام زمانها وتدخل تحت طاعته؛ فإذا عرفت خلصت ونجت وارتقت، وإذا لم تعرف لا تزال تتردد حتى تعرف بعد المدد والدهور الطوال. قال بعض العارفين لولده: احرص يا بنيّ أن تخلِّصها في هيكل واحد ولا في هيكل ثان والسلام

- 4 -

(فصل) اعلم (يا أخي) إن النفوس المنكرة لا تزال تتردد في عالم الكون والفساد والنشوء والبلى حتى تعقل منه المعقولات أعني معرفة إمام العصر والزمان. والسلام على من اتبع الهدى، وخشي عواقب الهوى، وأطاع الملك الأعلى، وأمر بالتقوى، وكان من الفائزين، والسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

- 5 -

(فصل) اعلم أن الجن ثلاث طبقات: الجن الغواصة، والجن الطيارة، والجن المرَدَة. أما بعد فإن الجن الغواصة هم الحكماء الغواصون في العلوم الحقيقية، والجن الطيارة هم الحجج والدعاة الذين يطيرون في علومهم من مكان إلى مكان، والجن المردة فهم أهل الظاهر المرقبون السمع العاندون للحق في كل عصر وزمان، فاعلم ذلك. قال عليّ (علينا سلامه): من عاند الحق هان، ومن تهاون في الدين انهان. وقال أيضاً: من استغنى بعقله ضلّ، ومن عجب بعلمه زل، ومن استعان بغير الله ذل، والسلام

- 6 -

(فصل) اعلم أن دعائم الإسلام سبع، وعند أهل الظاهر خمس، وهي الصوم والصلاة والحج والزكاة والجهاد في سبيل الله (تعالى) والولاية والإمامة، أنكر أهل الظاهر الولاية والإمامة

قال النبي عليه الصلاة والسلام في حق عليّ يوم الغدير: (من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من نكره، وأدرْ الحق معه حيث دار) هذا في الولاية؛ وقال النبي في الإمامة: (من مات ولم يعرف إمام زمانه معرفة جلية فقد مات ميتة جاهلية، والجاهل كافر والكافر في النار) والسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

- 7 -

(فصل) النبي (صلعم): (تسلمت من خمس وسلمت إلى خمس، وبيني وبين ربي خمس). (الجواب): فالخمس الذي تسلم النبي منهم، فهم بحيرا الراهب وميسرة وزيد بن عمرو وعمرو بن نفيل وخديجة بنت خويلد؛ والخمس الذي سلم إليهم، فهم الأساس، والداعي، والحجة، والإمام، والوصي؛ والخمس الذين بينه وبين الله (عز وجل) فهم العقل، والنفس، والجد، والفتح، والخيال، وقوله: أنا وأهل بيتي خمس، فهم محمد، وعليّ والحسن، والحسين وفاطمة، عليهم السلام أجمعين، والحمد لله رب العالمين

- 8 -

(فصل) اعلم يا أخي أن العقل نور إلهي مشرق على ظهر العالم فيقبل كل شيء من الأشياء التي تحته تحيي قواه، فلما الإنسان أقرب بنسبه إلى العقل قبل من الفيض أكثر من جميع الموجودات، والنور هو العلم، والعلم هو العقل الإنساني والسلام

- 9 -

(فصل) اعلم يا أخي أن جهنم هي البعد من الله، وهي مركز الأرض ومحل الأجسام عالم الكون والفساد؛ والجنة هي القرب من الله وهي عالم القدس ومحل النفوس والأنوار، وعرضها كعرض السموات والأرض كما قال الله تعالى: (وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) والحمد لله رب العالمين