مجلة الرسالة/العدد 227/سورية!
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 227 سورية! [[مؤلف:|]] |
المزاح البارد ← |
بتاريخ: 08 - 11 - 1937 |
للدكتور عبد الوهاب عزام
سورية الجميلة ذات الخمائل الوارفة، والجنات الناضرة، والمياه الثارّة!
سورية مراح الفؤاد، ونزهة الطرْف!
سورية الكادحة التي يجهد أهلها في السهل والجبل يُخرجون بالماء القليل شتى الثمرات، وينبتون به يانع الجنات، سوريةُ بَرَدى والعاصي!
سورية الصابرة التي وفرت الأيام نصيبها من النكبات والأزمات، المجاهدة التي تجادل عن نفسها، وتجاهد عن شرفها، دفاع البطل الأصْيَد الأعزل، يمضي بجنانه ويده يشق الأهوال إلى غايته، ويحطم الخطوب إلى طلبته، مجاهداً مثابراً، مرزّأً صابراً
سورية التي لم تجف فيها دماء الشهداء، ولم تنقطع سلسلة النوائب!
سورية التي تفيض بالذكَرة المجيدة، والسير الخالدة، وتمتّ بالرحم الواشجة، والقربى الواصلة، والجوار والذمام!
سورية الجميلة الحبيبة، الكادحة المجاهدة الصابرة، فجئها السيل كقطع الليل، ودهمها القضاء من السماء، فاستحالت جبالها أنهاراً، وسهولها بحاراً! طغى السيل بالناس والدواب، وجرف القرى والضياع، وذهب بالزروع والثمار
فهذه جثث الغرقى منثورة في السهول، وأنقاض الدور تغص بها الأودية، وتحت الماء والطين عتاد البائسين، وذخيرة المساكين، وما أبقت الأزمات، من ثياب وأقوات. فانظر إلى الشمل المبدّد، والأمل المخيّب، والهلع والفزع، والفاقة والجزع! انظر إلى الدموع الجارية، والنظرات الهالعة، والخدود الضارعة، والعقول الذاهلة، والقلوب الحائرة، واستمع زفرات الأحياء على الأموات! وبكاء الأولاد أو نحيب الآباء والأمهات! استمع فكم أنّة كليم، وآهة يتيم!
إن الشاعر المحزون الواله ليخيل إليه أن مجرى السيل خليق أن يكون مجرى الدمع؛ ويذكر قول أبي العلاء:
ليت دموعي بمنى سيّلت ... ليشرب الحُجاج من زمزمين
لك الله يا سورية! تركتك منذ قليل تعانين ما تعانين، وارتقبت أن تتطاير الأخبار بما نؤمل من انتعاشك، وما نرجو من نهوضك، فما راعنا إلا نبأ السيول الجارفة المدمرة. ولكن في صبرك وجهادك عزاء، وكل غمرة إلى انجلاء؛ وإن وراء هذا الظلام فجرا، وإن مع العسر يسرا
هذه سورية في نكبتها؛ فمن ندعو لنجدتها؟ إن ندعو العرب فأهل النجدة، وأولو الحمية، وحفَظة الجوار، ورُعاة العهد؛ في قلوبهم الراحمة لهؤلاء المنكوبين رجاء، وفي قرابتهم العاطفة عزاء، وفي أيديهم السخيّة ما يخفف البلاء. وهم للبائس خير وزر، وللاجئ أمنع عَصَر
وإن ندع المسلمين والنصارى فالدين يأمرهم بالتراحم ويحفزهم إلى المواساة؛ وإن لإخوانه فيهم لنُصراء رحماء يجيبون دعوة المضطر، ويمسحون دمعة المحزون، ويفرجون كربة المكروب، أن عليهم أن يمسحوا هذه القلوب الدامية، ويرفقوا بهذه الأكباد الواهية
بل أدعو البشر أجمعين والإنسانية كلها دعوة عامة شاملة، وأستنجد القلوب الرحيمة لا أستثني أحداً، أن تمد الأيدي الآسية إلى هذه الألوف التي يعوزها القوت واللباس والمأوى
يا معشر الكتاب والشعراء! كيف تقسو في هذه المحنة القلوب، وتجمد في هذه الكارثة الدموع، ويصمت في هذه الفاجعة البيان، ويخذُل القلم واللسان؟
إن ما بين دمشق إلى المعرة للسيل غارات، وللدمار آيات، وللشعر مقالاً، وللبيان مجالاً
دمشق العظيمة تستغيث، والمعرة الخالدة تستنجد؛ فيا أدباء العربية والإسلام! أحيوا الهمم واشحذوا العزائم. ويا أحباء أبي العلاء! هذا شيخ المعرة في بيانه، يستنجدكم لجيرانه:
يقول:
كيف لا يشرك المضيقين في النع ... مة قوم عليهم النعماء؟
ويقول:
من حاول الحزم في إسداء عارفة ... فليُلقها عند أهل الحاج والشُكر
ومن بغي الأجر محضاً فلينادِ لها ... برّا فقيراً وإن لاقاه بالنكر
فألقوا بمعروفكم هؤلاء الأبرار الشكرُ تجمعوا الحزم والخير في مكرمة. ولا تحقروا ما تسعفون به وإن قل. واستمعوا إليه يقول:
إذا طرق المسكين دارك فأحبُه ... قليلاً ولو مقدار حبة خردل ولا تحتقر شيئاً تساعفه به ... فربّ حصاة أيّدت ظهر مجدّل
عبد الوهاب عزام