مجلة الرسالة/العدد 220/رسالة العلم
→ من وحي جنائن دمشق | مجلة الرسالة - العدد 220 رسالة العلم [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 20 - 09 - 1937 |
مملكة النحل
عيشة النحل وتربيته الحديثة
بقلم جمال الكرداني
تتمة ما نشر في العدد الماضي
ومن العوامل التي تسبب خراب الخلية وتؤدي إلى دمارها ظاهرة تسمى بالتطريد، والتطريد هو هجر الملكة الخلية مع بعض الحاشية لتكوين مستعمرة أخرى، وذلك لضيق الخلية أو وجود منازع لها في الملك. ويحدث التطريد في الربيع أي في أوائل أبريل حيث تكون الخلايا قوية وآهلة فتحس الملكة بضيق المكان فتضطر للمهاجرة. وعندما ترى الملكة نخاريب (عيون) ملكية تتنبه إلى أنه سيخرج منها يوماً ما ملكات تنازعها الملك فتعمد للسعها داخل عيونها ويمنعها من ذلك الشغالة حديثة السن فيعز على الملكة ذلك وتؤثر الرحيل
عند ذلك ترسل الملكة بضع نحلات هي الكشافة للبحث عن محل لائق للهجرة، وهو عادة الأشجار والجدران العالية؛ ثم يخرج النحل الكبير في السن ويتجمع بالقرب من باب الخلية ويتماسك بواسطة الأرجل حتى تتكون كتلة تسمى بالطرد
وعند تمام اجتماع الطرد تخرج الملكة وتركب وسط هذا المتن ثم يطير الطرد قاصداً المكان الذي تهديه إليه الكشافة
ويسبق هذه الهجرة ظواهر يمكن النحال ملاحظتها، وهي انقطاع الملكة عن العمل وربما كان ذلك لانشغالها بفكرة الرحيل، ويلاحظ كذلك تجمهر النحل على أبواب الخلية. كذلك يوجد غالباً دوي غير عادي داخل الخلية. وفي استطاعة النحال منع التطريد إذا فطن له فيعمل على توسيع المكان بوضع براويز جديدة كلما لزم ذلك مع ملاحظة مسألة التهوية. ويجب أخذ البراويز التي بها بيوت ملكات أو قطع البيوت منها أولاً بأول حتى لا تفقس. وإذا كانت مهارة النحال فائقة فيمكنه عزل الملكة القديمة (الأصلية) في برواز سلكي يوضع في الخلية فيرى النحل ملكته ولكن لا يرى لها بيضاً على الأقراص فتذهب نزعته للتطريد. وإذا رأى النحال أن الملكة لا تستحق مثل هذا الحفظ يخرجها من الخلية ويميتها ويدخل ملكة جديدة، فيظن النحل أن التطريد قد تم، وأن هذه الملكة زعيمته الجديدة؛ ويمكن منع التطريد بتاتاً بقص أجنحة الملكة من جانب واحد
النحل والعسل
عرف النحل من قديم الزمن، وكانت الجماعات منه تسكن شقوق الصخور والتجاويف التي توجد في سوق الأشجار وعند تحقيق فائدته استأنسه الإنسان، ونقله قدماء المصريين إلى جانب بيوتهم، وكونوا له بيوتاً أرقى من الأولى، وهذه ما زالت ترتقي حتى كونت الحديثة
وتنجح تربية النحل في الحدائق والمزارع حيث تحاط الخلايا بأشجار تظللها، ويحسن أن تكون قصيرة متساقطة الأوراق مثل التفاح والخوخ والبرقوق، لأن الأشجار العالية تساعد على التطريد كما أن الخضرة الدائمة تمنع أشعة الشمس. ويستحسن تظليل الجهة الشرقية والجهة الجنوبية قليلاً لتسمح لأشعة الشمس بالوصول إلى الخلايا إذ أنها من العوامل المنشطة للنحل؛ ويقام عادة سياج في الجهتين الشمالية والغربية لمنع الأهوية الباردة عن الخلايا
وخلايا المناحل المصرية نوعان بلدية وأفرنكية؛ أما البلدية فعبارة عن اسطوانة من نوع طين القلل طولها 120 سم وقطرها 15 سم تسد بقرصين أحدهما به ثقب وتلتصق بجدران الداخلية إلا من أسفل أقراص الشمع ويبلغ عددها من 20 إلى 25 قرصاً
أما الأفرنكية فعبارة عن صندوق خشبي يتصل بقاعدته أربع قوائم قصيرة وغطاؤه محكم القفل سهل الفتح، ويرتكز على حافتي جانبين متقابلين من هذا الصندوق عشرة براويز مساحة السطح المحصور بين دائر كل برواز 35. 5 21. 5 سم2 وعرض حافته العليا 2. 5 سم وبين كل برواز والذي يليه مسافة قدرها 1. 5 سم. كما أن مستوى القاعدة ممتد من أحد جوانب الصندوق إلى الخارج مسافة 12 سم لوقوف النحل قبل دخوله الخلية أو طيرانه منها؛ ويخرج النحل من الخلية ويدخلها عن طريق فتحة عرضية في قاعدة وجه الصندوق من جهة الامتداد.
وأهم جزء من أجزاء الخلية سواء كانت بلدية أو أفرنكية هو القرص الشمعي، ويقوم النحل في الخلايا البلدية ببنائه كله؛ أما في الخلايا الأفرنكية فيثبت أساس شمعي على كل برواز ويكون عمل النحل هنا قاصراً على تعلية أضلاع الأشكال المسدسة المنقوشة على هذا الأساس الشمعي، وهذا الأساس يقلل من تعب النحل في بنائه من جهة ويجعله يبذل هذا المجهود في عمل عسل من جهة أخرى. وقد وجد أن المجهود اللازم لعمل أربعة أرطال من العسل يبذل في صنع رطل واحد من الشمع. وهذا الشمع يتكون من دخول العصير الذي تمتصه النحلة من الأزهار في غدد لها أسفل الجسم فيستحيل إلى شمع فإذا ملئت هذه الغدد فاض منها الشمع على شكل قشور تزيلها النحلة برجليها الخلفيتين، وباستعمال فمها ورجليها الأماميتين يمكنها بناء الأقراص أو تعلية الأساسات
ولون القرص الشمعي أبيض في الابتداء ويحفظ لونه إذا استعمل في تخزين العسل، أما إذا استعمل الأفراخ فأن لونه يسمر. ويمكن الاحتفاظ بالقرص صالحاً الاستعمال مدة حمس سنوات إذا اعتنى به ولم يكسر عند استخراج العسل.
وعند تمام بناء القرص تقوم الشغالة بجمع العسل وتخزينه وطريقة ذلك أن تمتص النحلة رحيق الأزهار وترسله إلى حوصلة خاصة موجودة بالجزء الأمامي من البطن حيث تحصل فيه تغيرات كيميائية وغيرها ويكتسب الطعم الخاص به، وبعد وضع العسل في العيون يتبخر ماؤه قليلا ثم تغطيه الخناث بغطاء من الشمع. ويخزن العسل في الجزء العلوي والجانبي من القرص، أما الجز الأوسط منه فتشغله الأفراخ.
ويقطف العسل مرة في السنة عادة في أغسطس أو سبتمبر، ولكن إذا كانت الخلايا قوية والنحل مجداً يقطف العسل مرتين في أغسطس وأكتوبر. ويلاحظ عند قطف العسل ترك ربع المقدار في الخلية ليكون غذاء للنحل في الشتاء. وفي الطريقة البلدية توضع الأقراص فوق بعضها في إناء من الفخار مثقوب من أسفل، فتراكم الأقراص يسبب سيل العسل وخروجه من الثقب إلى إناء معد لذلك. وهذه الطريقة طبعاً غير مرضية لما يشوبها من الأوساخ وغيرها وخصوصاً إذا استعملت الأيدي لتكملة العصر
أما في الطريقة الحديثة فنحصل على العسل بوضع البراويز المحتوية عليه في جهاز يسمى الفراز يديرها دورات سريعة، وبنظرية الطرد المركزي ينفصل العسل من البرواز ويسقط في اسطوانة محيطة بالجهاز، وعند ضمان نظافة الجهاز يكون العسل نقياً رائقاً حلواً شهياً.
وكلنا طبعاً لا نجهل لذة طعم العسل وحلو مذاقه وخصوصاً وقت طفولتنا كما أننا لا ننسى أنه يدخل في معظم الفطائر والمربات فيزيد طعمها حسناً.
ويستعمله الغربيون بدل السكر فيضعونه في أقداح الشاي وما شاكل ذلك. وكثيراً ما يدخل في العقاقير الطبية ليزيل شيئاً من مرارتها ويكسبها طعماً مقبولا. والعقاقير التي يلزم الإنسان منها مقادير صغيرة جداً ولا يتسنى للفرد أخذها بمقاديرها الحقيقية وهي على حالتها الراهنة، تمزج بالعسل بحساب معلوم ويتعاطى الإنسان منها مقادير تحتوي على هذه الكميات الضئيلة من العقاقير وقد قال الله تعالى (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس)
جمال الكرداني
بكلية الزراعة
تعليق
ورد في مقال (مملكة النحل) المنشور في العدد الماضي من الرسالة أن يرقات ذكور النحل تتغذى بخبز النحل مع جزء من الغذاء الملكي (اللبن) بعد ثلاثة الأيام الأولى، والحقيقة أن يرقان الذكور والشغالة بعد تغذيتها في الثلاثة الأيام الأولى بالغذاء اللبني تتغذى بغذاء نصف مهضوم من العسل وحب اللقاح (انظر مملكة النحل العدد الرابع من المجلد الثامن - أبريل 1937)
يوسف أحمد موسى
معاون أعمال فرع النحل بوزارة الزراعة