مجلة الرسالة/العدد 22/العالم النسائي
→ نوبل | مجلة الرسالة - العدد 22 العالم النسائي [[مؤلف:|]] |
ليلى الاخيلية ← |
بتاريخ: 04 - 12 - 1933 |
رسالة المرأة
للآنسة أسماء فهمي
درجة الشرف في الأدب
أختص الرجال بالنبؤة دون النساء، وعد الرجال ذلك الاختصاص بطبيعة الحال بابا للتفاوت بينه وبين المرأة ومبرراً للتعالي عليها، ولكن المرأة، وأن لم تنل هذا الشرف في الأديان السماوية فأنها في الأمم الوثنية القديمة كمصر واليونان قد بلغت من تقدير الإنسان حد التأليه فعبدها السنين الطوال. . وأقام لها أبدع الهياكل وأجمل التماثيل والنصب، فكانت مثلا المعبودة ايزيس التي عدها قدماء المصريين رمزا للفضائل النسوية من حنان وشجاعة وصبر ووفاء، تنافس الآلهة الآخرين بوفرة قرابينها وكثرة قاصديها. وكذلك عبد افروديت وفينوس ملايين البشر من إغريق ورومان، إذ كانتا رمزاً لصفة مرغوبة في المرأة وهي الجمال، منبع الوحي والإلهام. والعرب الذين لم يقيموا التماثيل للمرأة لا في جاهليتهم ولا في إسلامهم جعلوها حلية في صدر قصائدهم التي لهاما للهياكل المصرية من جلال وفخامة وما للتماثيل الإغريقية من خلود وجمال، فجرت العادة أن يترنم الشاعر باسم المرأة في مطلع قصيدته وإن لم يكن الموضع موضع غزل وهيام، وذلك اعتراف بليغ بما للمرأة من أثر في عبقريتهم وفنهم.
والعالم الحديث يقدر ما في المرأة من قوة الوحي والإلهام بطريقة لا تختلف كثيرا عن طريق الأقدمين. ففي الفن مثلا تستخدم المرأة للتعبير عن العواطف السامية والمعاني الرقيقة فنرى، وات الفنان القدير يمثل الأمل في غادة فتانة تجلس على سطح الكرة الأرضية تحت سماء لا يبزغ فيها غير نجمة واحدة ترسل قبسا ضئيلا من الضوء، تحاول أن تعزف نغما على قيثارة ليس بها غير وتر واحد. . كذلك تشان يمثل الربيع بما فيه من حيوية متدفقة، وأمل باسم، وجمال فاتن في (فلورا) الشهيرة ذات الحسن الرائع. والمثال المصري (مختار) في تمثال نهضة مصر، يمثل مصر الحديثة التي أخذت تلقى جانبا أغلال الخمول بفتاة قروية ممتلئة جمالا ونشاطا ولم نذهب بعيداً في ضرب الأمثلة وب أيدينا غلاف مجلة (الرسالة) ترى فيه المرأة حاملة شعلة الوعي والثقافة؟ على أن وحي المرأة ورسالتها لا يقتصران على عالم الفن وإنما يلعبان كذلك دورا خطيرا في الحياة العملية وخصوصا في أشد ظروف الحياة صعوبة وخطرا، فترى المرأة تصحب الجيوش إلى ميادين القتال لا لتضميد الجراح فحسب، بل لتقوية العزائم وبث روح الاستبسال والتضحية في النفوس أيضا.
ذلك هو المكان الرفيع الذي تشغله المرأة في الحياة فضلا عن وظيفة الأمومة التي تستدعي الإيحاء باستمرار إلى الأبناء، والمرأة الصمرية بصرف النظر عن وظيفتها الخاصة تحمل رسالة مزدوجة لبنات جنسها ولأبناء وطنها وهم في فترة التطور الحرجة.
وماذا عسى أن تكون هذه الرسالة التي تضطلع بأعبائها المرأة؟ أن الشهد لا يصنع إلا من رحيق الزهر، ونموذج الفن لا يوحي إلى النفس بالكمال إلا إذا بلغ نهاية الإجادة. . فمن الطبيعي إذن أن تكون رسالة المرأة هي حثها على أتباع ما يجعلها أهلا للوحي والإلهام بان تعمل على تجميل النفس قبل تجميل الوجه والثوب، فإذا لم تسم روح الفتاة وتعل همتها لا تصلح للقيام بمهمتها. فالفتاة العابثة المستهترة التي تكتفي بالقشور من ألف صنف للتمويه والتغرير. والفتاة التي لا تعيش لمثل أعلى بل لا تخرج عن عالمها المادي المحسوس وضروريات الحياة الأولية، لا يمكن ان ترفع إلى سماء الوحي لأن المادة المتغلغلة فيها تقعد بها عن النهوض والسمو.
ورسالة المرأة للرجل تنسجم مع رسالتها السالفة وتتفق مع أغراض وحيها، فتيار المادة في نفس الرجل ونفس المرأة قد طغى وأقام حجابا بينهما وبين المثل العليا. وأصبحنا في عصر قلما يصغي فيه لوحي غير وحي المنفعة الذاتية، ونتج عن ذلك ضعف روح الاستبسال من أجل الوطن والمبدأ والعقيدة، وصرنا نفر من المقاومة إذا أبصرنا الخصم أكثر منا عددا وأعظم عدة، فكأن الغرض مجرد الانتصار لا تأدية الواجب وإراحة الضمير بصرف النظر عن النتائج. فرسالة المرأة في هذه الحال هي الحث على العودة إلى تعاليم الفروسية، لأن أهم ما يفتقر إليه الرجال حقا هو تلك الروح السامية التي أكسبت العصور الوسطى جل مالها من جلال ووقار. فقد كان الفارس يخوض المخاطر ويركب الأهوال في سبيل عقيدته ووطنه، وكان يضع الشرف والكرامة فوق الحياة نفسها، ويرتبط بالعهد ارتباطه بدينه. وليس معنى الرجوع إلى ذلك العصر هو أمحاء تلك الفضائل في عصرنا، فالواقع أن تلك الصفات تسود اليوم أكثر بلاد العرب، وهي مصدر ما يعتز به من إباء وكبرياء واستقلال وحرية.
وهناك غرض آخر لاختيار ذلك العصر، فقد كان على رغم خشونته وقسوته مدينا بالكثير من فضائله إلى وحي المرأة. إذ قضت التقاليد أن يتطلع كل فارس إلى سيدة شريفة يتوسم فيها العظمة والنبل فيعمل على كسب إعجابها بأن يخوض الغمار باحثا عن المجد مدفوعا بروحها مترنما بذكرها.
فإذا كانت المرأة قد قامت بمثل هذا الدور برغم انحطاط مركزها وفي عصور امتازت بقسوتها وبأن الكلمة العليا فيها كانت للسيف، فهل تعجز المرأة الراقية في عهد الاستقرار والأمن عن أن تلهم أشبال السلم هي التي على ضعفها قد ألهمت أسود الحرب؟