مجلة الرسالة/العدد 218/السينما والعلوم
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 218 السينما والعلوم [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 06 - 09 - 1937 |
لم يقف نشاط الفن السينمائي عند إخراج الروايات والقطع التاريخية
والأجتماعية، ولكنه أتجه في العصر الخير أيضاً إلى الناحية العملية
فأخرجت عدة شرائط مصورة عن حياة الحيوان والنبات وعن كثير
من الصناعات الدقيقة، والآن تخطو السينما خطوة أخرى في هذه
الناحية، فقد بدأت منذ حين تخرج لنا سير أقطاب العلم في شرائط
مصورة تمثل حياتهم واكتشافاتهم العلمية، وكان أول شريط من هذا
النوع شريطاً يمثل حياة الطبيب العلامة الفرنسي لوي باستور الذي
أكتشف عدداً كبيراً من الجراثيم، وساعدت تجاربه واكتشافاته العملية
على تقدم الطب تقدماً عظيماً، وكان نجاح هذا الشريط عظيماً، إذ يقدم
عن حياة باستور صورة مطابقة مؤثرة. وتلا ذلك إخراج شريط آخر
عن حياة فلورانس نيتنجيل المصلحة الإنسانية، ومنظمة المستشفيات
الشهيرة. والآن تفكر إحدى الشركات الأمريكية السينمائية في إخراج
شريط علمي جديد يمثل حياة العلامة والمخترع السويدي الشهير ألفريد
نوبل؛ ونوبل كما هو معروف مخترع الدينامت الحديث، ولكنه أشتهر
بمأثرة إنسانية أخرى هي وقفه أمواله الطائلة على منح جوائز نوبل
الشهيرة للآداب والعلوم والأعمال السلمية، وهي تعتبر أعظم الجوائز
الدولية في هذا الميدان، ولم يعرف حتى اليوم من هو الممثل الذي
سيقوم بدور المخترع الشهير، ولكن الشركة التي تعنى بإخراج هذا
الشريط وهي شركة كولومبيا ستبذل كل جهودها لتحقق لهذا الشريط
العلمي الجديد نجاحاً باهراً. وهكذا تعاون السينما في تاريخ بصورة عملية شائقة.
عيد مدينة برلين
أحتفل في برلين في أواخر أغسطس بالعيد المئوي السابع لقيام مدينة برلين العاصمة الألمانية؛ وأقترن الاحتفال الرسمي بعدة حفلات موسيقية فخمة في بهو قصر برلين، وأقيم قداس موسيقي في كنيسة كلوستر بإشراف الموسيقي الأشهر أدوين فيشر؛ وكان من أهم المظاهر التي لفتت الأنظار إلى هذا العيد نماذج بديعة عرضتها شركة (أوربا الوسطى) في ميدان بوتسدام تمثل تاريخ خطط برلين من نشأتها إلى يومنا
رسالة النقد
كتاب إحياء النحو
للأديب السيد عبد الهادي
نشر الأستاذ أحمد أحمد بدوي، في مجلة الرسالة، نقداً لكتاب إحياء النحو للأستاذ الجليل إبراهيم مصطفى، ولقد قرأته بإمعان وتدبر كما أقرأ غيره من البحوث التي تتعلق بعلم النحو وخاصة في الأشهر القليلة الأخيرة التي قامت فيها ضجة حول الضعف في اللغة العربية وأسبابه وعلاجه، وقد كان النحو محوراً في هذه البحوث كلها، فقد جعل كل من الباحثين النحو في صورة خاصة سبباً من أسباب الضعف في العربية وجعله في صورة أخرى، أوجز في بيانها، سبباً من أسباب التقوية في العربية أي أن الباحثين المحدثين أجمعوا على تعبير نحوي قديم، هو النحو في الكلام كالملح في الطعام يفسده ويصلحه، فكان طبيعياً أن أقرأ أنا وأمثالي نقد الأستاذ بدوي لإحياء النحو لأنه نقد للمنهج الجديد الذي نريد أن نأخذ به نفوسنا والنشء كذلك في معرفة قواعد اللغة العربية وهذه هي ناحية الأهمية في هذا النقد بغض النظر عن علم المؤلف وجلال قدره فهذا أمر يعرفه الكل
وقد أستهل الأستاذ نقده بأن نحو اللغة العربية ثقيل عسير يحتاج إلى كثير من التهذيب والتبويب ليصبح سهل المأخذ قريباً إلى النفوس محبباً إليها درسه وفهم قواعده وأصوله، ولي على ذلك اعتراض ثانوي ذلك أن الأستاذ يريد أن يهذب النحو ويبوبه ليفهم بذلك قواعد النحو، فأوجد بذلك شيئاً أسمه النحو وشيئاً أسمه قواعد النحو، وهذه نتيجة خاطئة سببها على ما أظن الأسلوب الإنشائي الذي لا يعني بتجديد المقصود من كل عبارة ومن كل لفظ، وإنما يعني برصف بعض جمل منمقة تؤدي معنى عاماَ لا تحده خطوط أربعة، وهذا إن جاز في بعض أنواع الكتابة فهو غير جائز في النقد. وتفصيل القول في هذا أن هناك مسائل ككون الفاعل مرفوعاً وأسم إن منصوباً والتالي لمن مجروراً؛ هذه المسائل وأمثالها هي قواعد اللغة العربية ولا سبيل لتغييرها أو تبديلها، ولم يقصد أحد من الباحثين المعاصرين بإصلاح النحو إصلاح هذه القواعد - هذه القواعد تحتاج إلى ما يحصرها وينظمها ويقيم الدليل على صحتها، وذلك هو علم النحو أو هو النحو بحذف كلمة علم لأنها مفهمومة ولا بد من تقديرها عندما نقول النحو - والنحو هو محل بحث الباحثين، وتجديد المجددين، وليست قواعد اللغة محلاً لذلك، وإذن ليس هناك شيء أسمه قواعد النحو كما خيل للأستاذ - وإلا فليقل لنا الأستاذ ما هي قواعد النحو التي يقصدها
ثم عقب الأستاذ على ذلك بذكر النتائج التي توصل إليها متألماً بعد القراءة، وأولى هذه النتائج أن الكتاب ليس فيه شيء جديد ومعنى ذلك أنه نقل من القديم لا أكثر ولا أقل ففيم النقد إذن، وفيم ذكر النتائج الأربع الباقية إذا لم يكن هناك جديد؟ المتفق عليه أن الشيء إذا كان صورة مما سبقه فليس محلاً للنقد أبداً
والنتيجة الثانية أن الكتاب لم يحدث في دراسة النحو أو كتبه أو قواعده أي تغيير أو تبديل. ويلاحظ هنا أن الأستاذ لا يزال يصر على استعمال (قواعد النحو) وأس فرق بين النتيجة الأولى والثانية؟ أليست الثانية تفسيراً للأولى؟ فهلا أضاف الأستاذ إحدى النتيجتين إلى الأخرى لأنهما في معنى واحد، والأستاذ لا يجهل أن نتيجة واحدة قد تكون خيراً من عشر نتائج وهو لا يجهل كذلك أن العدد في الليمون
والنتيجة الثالثة أن ما في الكتاب ليس إلا تعليلات كتعليلات النحاة، وأظن هذا أيضا داخلاُ تحت عدم الجدة التي لحظها الأستاذ في النتيجة الأولى
والنتيجة الرابعة أن المؤلف أدعى على النحاة قضايا غير ممحصة ولننتظر ما يقول الأستاذ في ذلك ونعقب عليه في حينه
وأما النتيجة الخامسة فهي أن المؤلف في الأبواب القليلة التي أراد ضم بعضها إلى بعض يزيد النحو عسراً لا سهولة وفهماً على أنه لم ينجح في هذا الضم. هذه هي النتيجة الخامسة والأستاذ يعترف فيها صراحة أن المؤلف قد أحدث حدثاً جديداً، زاد النحو عسراً، وهو أمر يستحق النقد الذي ينشر في الرسالة على دفعتين ومع ذلك يقول الأستاذ في النتيجة الأولى إن الكتاب ليس فيه شيء جديد، هذا تناقض لا يصح أن يكون نتيجة الغفلة الفكرية وإنما هو نتيجة غفلة الذاكرة فحسب، ألست معي أيها القارئ الكريم في إقرار هذا التناقض الغريب؟
ثم أخذ الأستاذ في مناقشة ما ورد في الكتاب فأبتدأ بتعريف النحو ولم يرض عن التعريف الذي ارتضاه المؤلف ليوسع دائرة النحو فقد قصره النحاة على معرفة أواخر الكلمات إعراباً وبناء، وأراد المؤلف أن يكون النحو قانون تأليف الكلام وبيان ما يجب أن تكون عليه الكلمة في الجملة والجملة مع الجمل حتى تنسق العبارة ويمكن أن تؤدي معناها. لم يرض الناقد عن هذا التعريف لعلم النحو، ولكن القارئ يدهش إذا علم أن الناقد عاد ودافع عن هذا التعريف وأثبت أنه الصواب من حيث لا يريد حيث قال: (فليس صحيحاً إذن أن ندعي على النحاة أنهم قصروا بحثهم على أواخر الكلمات بل هم قد تعرضوا كثيراً وكثيراً جداً أكثر مما توهم المؤلف الفاضل إلى بيان وضع الكلمة من الكلمة والجملة من الجملة. . .) وضرب الناقد مثلاً لذلك باب الفاعل في كتاب أوضح المسالك لأبن هشام
وإذا كان المؤلف قد آمن بأن هذه المباحث من مباحث النحو التي توسع فيها النحاة والتي خصوها بعناية تعدل أضعاف عنايتهم بحركات أواخر الكلمات فكيف استقام عنده تعريفهم للنحو بأنه علم يعرف به أحوال أواخر الكلمات أعراباً وبناء؟ وإذن يكون تعريف النحو كما عرفه النحاة قاصراً عن غايته بشهادة الناقد نفسه لأنهم قد تعرضوا لمباحث كثيرة غير حلكت الأواخر كما يقول الناقد ولكنهم جعلوا التعريف قاصراً على معرفة أواخر الكلمات أعراباً وبناء - وإذا كنا قد اكتفينا بنقد الأستاذ بدوي من مقاله نفسه مسلين بصحة ما قاله بالحرف الواحد فهل لنا أن نستوضحه بعض الشيء ونسأله: هل صحيح أن النحاة وفوا المباحث النحوية التي هي غير حركات الأعراب حقها إحصاء وتبويباً؟ فأين إذن الباب الذي بحث النفي؟ وأين الباب الذب بحث التوكيد؟ وأين الباب الذي بحث التذكير والتأنيث، وأين أمثال هذه الأبواب التي هي العمدة في تركيب الجمل وفهم خواصها؟ نعم ذكرت بعض هذه المباحث مفرقة في الأبواب المختلفة، وقد أعترف المؤلف بذلك، ولكنه دعا إلى جمعها وتكميلها وتنظيمها حتى تفيد فائدتها المرجوة، ترى أليس تعريف المؤلف هو التعريف الصواب الشامل؟
وأخيراً رمي الناقد بقضية لم يقم عليها برهاناً إلا الثقة الغالية التي يأمل أن يجدها من القراء، فقد أدعى أن المؤلف لم يشر إلى علاقة الكلمة بالكلمة بل قصر الكتاب على حكم آخر الكلمات ولم يعن بغيرها. كيف لم يشر المؤلف إلى علاقة الكلمة بالكلمة مع أن الكتاب كله في علاقة الكلمة بأختها؟ ألا ترى أن المؤلف قد أرجع لحركات المختلفة إلى معان مختلفة، وأن الكلمة تأخذ حركة خاصة إذا كان لها مركز خاص في الجملة وعلاقة خاصة بغيرها من الكلمات وبتغير هذا المركز وهذه العلاقة تتغير الحركة؟ أليس ذلك هو المبدأ الذي ينادي به المؤلف والذي أستغرق الكتاب من أوله إلى آخره؟ أو ليس بحثاً في علاقة الكلمة لا لكلمة والكلمة بالجملة. هذه مغالطة ظاهرة وحاشا لله أن تكون سوء فهم أو قصد
ثم أنتقل الأستاذ إلى نقد الكتاب في فلسفة العامل فذكر أن المؤلف لم يذكر رأيه صراحة في العامل، والمسألة يكفي فيها التلميح عن التصريح لأنها واضحة جلية، فالمؤلف يرى أنه ليس هناك شيء أمسه العامل يرفع وينصب ويجر وإنما يفعل ذلك المتكلم تبعاً لمركز الكلمة في الجملة وعلاقتها بأخواتها، وأظن أن الدفاع عن نظرية العامل لا يجدي شيئاً وقد تهدمت تماماَ وملها الناس وأصبح المشتغلون بالنحو لا يملكون أنفسهم من الضحك حيث يقدرون العامل في مثل زيداً رأيته حيث يقولون رأيت زيداً رأيته على أنه في كثير من الأحوال تكون الجملة واضحة فإذا حاول تقدير عامي لكلمة فيها تعقدت كما في قولنا (أحقاً ما تقول؟)
وأنتقل الأستاذ بعد ذلك لمعاني الأعراب، وهو ينقد رأي المؤلف في أن الفتحة ليست علامة إعراب، وإنما هي الحركة المستحبة عند العرب وشأنها شأن السكون في اللغة العامية.
ينقد الأستاذ هذا الرأي لأنه في نظره يجعل كل الأسماء المفتوحة الآخر لا يعني بها العربي ولا يهتم بها، مع أنها تعبر عن معان هامة في الجملة قد لا تفهم إلا بها؛ وقد أقام الأستاذ الدليل على ذلك. ونحن لا نخالفه في أن من الكلمات المفتوحة ما يدل على معان هامة في الجملة لا تفهم إلا بها، ولكننا نسأل الأستاذ: من أين له هذا الفهم. من أين أتى له أن المؤلف قصد أن المعاني التي تدل عليها الأسماء المفتوحة الآخر معان لا يعتني بها العربي وليست ذات خطر في الكلام؟. لا يزال كتاب (إحياء النحو) بين أيدينا فيستطيع الأستاذ أن يقرأه مرة ثانية ليقتنع بأن المؤلف لم يقصد بتاتاً إلى ما فهمه؛ ولقد قرأت الكتاب وأجهدت نفسي في الفهم لأجد ما يشير إلى ذلك تصريحاً أو تلميحاً فلم أجد. فليدلنا الأستاذ على الموضع الذي فهم منه هذا الفهم فأنا نكون له شاكرين
ولقد وضح المؤلف هذه المسألة وبينها تماماً حين عقد مشابهة بين الفتحة في اللغة العربية وبين السكون في اللغة العامية حتى لا يدع مجالاً لفهم خاطئ وحتى يقرب المسالة من الأذهان، فهل يستطيع الأستاذ أن يفهم أن المؤلف قصد أن الكلمات الساكنة الآخر في اللغة العامية، وكل كلمات اللغة العامية ساكنة الآخر، تؤدي معاني ثانوية يمكن الاستغناء عنها. وبم إذن تؤدي المعاني الهامة، ما دام الأستاذ قد حكم على المشبه، وهو الفتحة في اللغة العربية، بأنه في رأي المؤلف، لا يأتي إلا مع كلمات معانيها لا يعتني ولا يهتم بها فإنه سيفعل ذلك مع المشبه به، وهو السكون في اللغة العامية، أي أن اللغة العامية تصبح في رأي المؤلف خالية من المعاني الهامة قاصرة على المعاني الثانوية التي لا يضير تركها ولا ينفع ذكرها. تل هي النتيجة التي يريد أن يخرج بها الناقد وهي أبعد ما تكون عن العقل السقيم بله العقل السليم.
أن تكون الفتحة في العربية كالسكون في العامية ليس معناه أن الكلمات المفتوحة ليست مهمة ولا تعني بها اللغة، بل إن العلاقة بين هذين المعنيين منعدمة تماماً، غنما ذلك لأنها الأصل في الحركات ولا يعدل عنها إلا لغرض هو الإسناد أو الإضافة؛ ولم يقل أحد إن معنى الإسناد أهم من المعاني التي تؤديها الكلمات المفتوحة الآخر. ترى عند النحويين دائماً شيئاً أسمه الأصل وما عاده الفرع ولكنهم لا يجعلون أحدهما أهم من الآخر، فهم يقولون الأصل في المضارع الرفع والأصل في الأسماء الأعراب الخ، وليست فروع هذه الأصول بأهم منها بل لم يلتفت أحد مطلقاً إلى وجود أهمية أو عدمها في هذا التقسيم. إن بناء أهمية وعدمها على أصل وفرع في النحو فكرة خاطئة ومنطق فاسد.
والأستاذ لا يؤمن بأن الفتحة أخف الحركات، فأيها إذن أخف؟ وما رأي الأستاذ في هذه الأدلة الكثيرة التي أوردها المؤلف؟ وهلا تعرض لواحد منها فنقضه؟ لم يفعل الأستاذ ذلك.
النقد الصحيح أن يتعرض الناقد للأدلة وينقضها الواحد بعد الآخر حتى تكون حجته دامغة ودليله قاطعاً؛ وإذا لم يفعل الأستاذ ذلك فقد كفانا مؤونة الرد عليه.
(يتبع)
السيد عبد العادي
بالدراسة العليا بكلية الآداب