الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 217/رسالة الشعر

مجلة الرسالة/العدد 217/رسالة الشعر

بتاريخ: 30 - 08 - 1937


في استانلي

للأستاذ محمود غنيم

كلُّ شيء في الصيف يشكو الخمودا ... وأرى البحرَ وحدَهُ في نشاطِ

قذف البحرُ درَّهُ المنضودّا ... أرأيت الجُمانَ فوق الشاطِي؟

يا خليليَّ أين أين الرداءُ؟ ... أنا مالي بكلِّ ذاكَ يَدَانِ

ذاكَ ماءُ أمْ هذه كهرباءُ ... أمْ لهذا الخليجِ تيَّارانِ؟

أنا أخشى عوارىَ الأجسادِ ... لست أخشى العُباَبَ والإعصارَا

يصرَعُ الموجَ ساعدي وفؤادِي ... خائرٌ واهنٌ أمامَ العذارَى

رفعوا في الزوابع الأعلاماَ ... يُنْذِرون الأنامَ بالأخطارِ

نكَّسوها ثم ارفعوها إذا ماَ ... لاح سربٌ من الأوانسِ عارِ

أَعَوارٍ تلك الدُّمَى أم كواسى ... بلباس يفصَّل الأجسامَا؟

لا وقاه اللهُ البلى من لباسِ ... إنه كان واشياَ نمامَا

صاح ماذا رأيتُ حولَ الماءِ ... أهوَ سِرْبٌ من الحمائِمِ ظَامِ؟

طيَّبَ اللهُ خاطرَ الصحراءِ ... أصبح البحرُ مرتع الآزامِ

ها هنا لؤلؤٌ بغير محارِ ... سابحٌ باحثٌ عن الغوَّاصِ

وظباءٌ لم تَدْرِ معنى النفِّارِ ... تَضَعُ السهمَ في يد القنَّاصِ

أُنظر الشمسَ والهوى والهواَء ... كيف راحت تنسابُ في الأجسام

إن للشمس والهواءِ شفاَء ... لا يساوي ما للهوى من سقامِ

رُبَّ ثغرٍ يداعبُ الأمواجاَ ... ينثُر الماَء كاللُّجين المُذابِ

تشتهيه النفوسُ ملحاً أُجاَجاَ ... خارجاً من بين الثنايا العِذابِ

رُبَّ قين غاصتا في الماءِ ... كلُجينٍ ينسابُ وسْط لجينِ

بدتا آيتينِ في الإغراءِ ... وهما فيه نصفُ عاريتين

إن فوق الرمال غيداً نياماً ... كالأفاعي: لينٌ بغير عظامِ

ليس سُمًّا لهابُها بل مُداماَ ... هو بُرْءُ السقيمِ، ريُّ الظَّامِ قال جاري: ألا تكونُ رزِيناَ؟ ... قلت: لا تلحني: فقدتك جارَا

وتلفتُّ يَسْرَةً ويمينا ... قال: ماذا أضعت؟ قلت: الوقارَا

أيها المشتكي من الإقلالِ ... مَتعِّ النفس بالجمال مَتَاعَا

لم يُبيحوا لنا شُيُوعَ المالِ ... وأباحوا لنا الجمال مُشاَعاَ

صاح قل لي: ما بال تلك الصدورِ ... كَشفْهُا لا يحِلُّ للأحداقِ؟

ليتهم حرَّموا ذواتِ الشُّعورِ ... فهْي عندي مثل القذى في المآقيِ

لا تَضيقوا بالمعصم المكشوفِ ... وتقولوا: خيرُ الجمال المصونُ

ما غَنَاءُ الشَّذَى بغير أنوفِ؟ ... قيمةُ الحسنِ أن تراه العيونُ

لا تقولوا: قد غاض ماءُ الحياءِ ... واقرءوا الآيَ في وجوه الحسانِ

رُبَّ عضوٍ من هذه الأعضاءِ ... نَمَّ عن سرِّ قدرة الرحمن

أيها الآسفُ الحزينُ الباكِي ... إِبكِ ما شئتَ ضيعةَ الأخلاقِ

قِفْ إِن أسْطَعْتَ دورةَ الأفلاكِ ... أو فَكلْ أمرَ الخلق للخلاَّق

ها هنا أعشَقُ الملاحَةَ صِرْفَا ... ما عليها من الثياب غِشاءُ

ها هنا ليس يعرف الكحلُ طرفَا ... لا ولا يَغْمُرُ الخدودَ طِلاءُ

ها هنا روعةُ الطبيعة تبدُو ... فتراها عذراء بين العذارَى

أُنظر البحرَ وهْو جزر ومدُّ ... وأنظر الشمس فيه إذ تتواري

أيها البحرُ قد نزلتُك ضيفَا ... فكأني أغرقتُ فيك همومي

ليت عمْري جميعَهُ كان صيفَا ... ينقضي فوق شطِّ بحر الرُّوِم

(الإسكندرية)

محمد غنيم