مجلة الرسالة/العدد 214/رسَالَة الشَّعر
→ خواطر وأفكار | مجلة الرسالة - العدد 214 رسَالَة الشَّعر [[مؤلف:|]] |
في هدأة الليل ← |
بتاريخ: 09 - 08 - 1937 |
مختارات من أدب الرافعي
(على جسر كفر الزيات كان للرافعي في صدر شبابه مغدى
ومراح ومن عيون الملاح على هذا الجسر تفتحت زهرة شبابه
للحب؛ و (العصفورة) التي ينسب بها الرافعي في القصيدة
التالية فتاة من بنات كفر الزيات لقيها على الجسر فهفا إليها
قلبه وتحرك لها خاطره، وهي كانت أول هواه، وعمره يومئذ
اثنتان وعشرون سنة)
محمد سعيد العريان
عصافير يحسبْن القلوبَ من الحَبَّ ... فَمَن لي بها (عصفورةً) لقطت قلبي
وطارت فلما خافت العينُ فَوْتَهَاَ ... أذالت لها حبّاً من اللؤلؤ الرطبِ
فياليتني طير أُجاوز عُشَّها ... فيُوحشَها بُعدي ويؤنسَها قربي!
وياليتها قد عشَّشتْ في جوانبي ... تُغرَّد في جنب وتمرح في جنب
ألا يا عصافير الرُّبى قد عشقتُها ... فهُبَّي أعلمْك الهوى والبكا هُبَّي
أعلمُك النَّوح الذي لو سمعْتِه ... رثيتِ لأهل الحب من شغف الحب
خذي في جناحيك الهوى من جوانحي ... ورُوحي برُوحي لَّلتي أخذت لُبَّي
نظرتُ إليها نظرةً فتوجَّعت ... وثَنَّيْتُ بالأخرى برُوحي فدارت رَحَى الحرب!
فمِن لحظة يَرمي بها حدّ لحظةً ... كما التحم السيفان عضباً على عضب
ومن نظرة ترتدّ من وجه نظرة ... كما انقلب الرُّمحان كعباً إلى كعب
فساقت لعيني عينُها أيَّ أسهم ... قذفن بقلبي كلَّ هول من الرعب
وساق لسمعي صدرها كلَّ زفرة ... أقرَّت بصدري كل شيء من الكرب
ودارت بيَ الألحاظ من كل جانب ... فمنهن في سلْبي ومنهن في نهبي فقلت: خُدِعْنا، إِنها الحرب خدعة ... وهوَّنَ خطبي أن أسْرَ الهوى خطبي
فقالت: إذا لم تنجُ نفسٌ من الردى ... فحسبك أن تهوى فقلت لها: حسبي
ولي العذر إمّا لامني فيكِ لائم ... فأكبر ذنبي أن حبَّك من ذنبي
ويا من سمعتم بالهوى، إنما الهوى ... دمٌ ودمٌ: ها ذاك يصبو وذا يُصْبى
متى أئتلفا ذَلاَّ وَدَلاَّ تَعَاشُقاً ... وإلا فما في رونق الحسن ما يَسبي
سَلوني أنبئْكم، فلم يدرِ ما الهوى ... سواي، ولا في الناس مثليَ من صَبّ
إذا شعراء الصّيد عُدُّوا فإنني ... لَشَاعرُ هذا الحسنِ في العُجْمٍ والعُرب
وإن أنا ناجيتُ القلوب تمايلتْ ... بها نسماتُ الشعر قلباً على قلب
وبي مَن إذا شاءتْ وصفتُ جمالهَا ... فوالله لا يبقَى فؤادٌ بلا حُب!!
من الغيد، أما دَلُّها فملاحةٌ ... وأما عذابي فهو من ريقها العذبِ
ولم يُبقِ منها عُجْبُها غيرَ خطرةٍ ... ولا هي أبقتْ للحسان مَن العُجب
عرضْتُ لها بين التذلُّل والرضا ... وقد وقفتْ بين التدلُّل والعَتْب
وأبصرتُ أمثال الدُّمَى يكتنفها ... فقلت: أهذي الشُّهب أم شبه الشهب؟
فما زال يَهدي ناظري نورُ وجهِها ... كما نظر المَلاَّحُ في نجمة القطب
وقد رُحْنَ أسراباً وخِفْتُ وشاتَها ... فعيني في سرب وقلبيَ في سرب
وقالت: تجلَّدْ. قلت: يا ميَّ سائلي ... عن الحزن يعقوبا ويوسفَ في الجب
وما إن أرى الأحباب إلا ودائعاً ... تُرَدُّ، فإما بالرضاء أو الغصب.!
سنة 1902
مصطفى صادق الرافعي