مجلة الرسالة/العدد 210/بعض أسباب الضعف في اللغة العربية
→ الشعر على اللسان النبوي | مجلة الرسالة - العدد 210 بعض أسباب الضعف في اللغة العربية [[مؤلف:|]] |
هل التقليد هو النظرية السائدة في التعليم والتشريع ← |
بتاريخ: 12 - 07 - 1937 |
للأستاذ عويس القرني
كتب الأستاذ الكبير أحمد أمين في أسباب الضعف في اللغة العربية، ودعا الباحثين أن يدلوا بآرائهم في ذلك ليتبين الأمر على وجهه ونصل إلى علاج ناجع لترقيتها.
وحرص الأستاذ المصلح على ترقية اللغة العربية هو الذي دعاه إلى فتح باب البحث، ولذلك نتقبل نقده قبولاً حسناً؛ والأمر يهم مدرسي اللغة العربية، إذ أن حديث الأستاذ يمسهم في خاصة أمرهم ويرميهم بالتقصير والقصور، فهم يدفعون عن أنفسهم ذلك بأدلة الواقع المحسوس.
ولا يدعونا للدفاع عن أنفسنا عاطفة حزبية، أو رغبة طائفية، فذلك ما لا نرضاه ونميل إليه، وإنما يدفعنا إلى ذلك الرغبة في إظهار الحقيقة.
والأستاذ الفاضل عودنا في بحوثه وتأليفه الإنصاف ووزن الأحكام بميزان الصدق والحق.
ودار العلوم التي رماها بالتقصير والتخلف لم تتوان منذ أنشئت عن أداء مهمتها، ولم تدخر وسعاً في تقويم الألسنة وتثقيف العقول في جميع مراحل التعليم.
وأية نظرة إلى منهاج المدرسة تدل دلالة بينة على مقدار صلاحية أبناء الدار في عملهم؛ فهم يدرسون اللغة العربية أدبها وقواعدها وفقهها، كما يدرسون القران الكريم، والفقه وأصوله، والفلسفة، والمنطق، والتاريخ، والجغرافيا وغيرها يدرسون تلك العلوم بتوسع على أساتذة أكفاء.
وأبناء الدار منبثون في طول البلاد وعرضها، يعلمون النشء ويقومون أخلاقهم، ويبثون في نفوسهم الوطنية الصادقة ويعودونهم البحث ويشوقونهم إلى الإطلاع.
والعلوم التي يدرسونها في مدرستهم يراها الأستاذ في حديثه الماضي ضرورية لمعلمي اللغة العربية، وهذه المواد لا تتوافر دراستها إلا في ذلك المعهد الجليل.
ودار العلوم لا تدعي الكمال، وهي دائبة في طلب الإصلاح وتعديل منهاجها كلما رأت ضرورة إلى ذلك.
يقول الأستاذ إن خريجي دار العلوم لا يفهمون الأدب القديم ولا الحديث، وهذا حكم لم تصح حيثياته التي تبرره، ومن السهل على كل إنسان أن يرمي الناس بالضعف أو الجهل، ويظل حكمه موقوفاً إلى أن تتبين دلالاته.
لا يضير مدرسي اللغة العربية قلة التأليف، فإن طبيعة عملهم تثقيف العقول، وتعويدها البحث والتفكير المستقيم، وعقد الصلة بين النشء وبين الحياة، وهم لم يقصروا في واجبهم، والنهضة الفكرية كما يشهد الأستاذ لهم فيها أكبر نصيب.
وعملنا كعمل غيرنا من أصحاب الفنون، فكما لا ينقص من قدر الأطباء والمهندسين والقضاة ألا يؤلفوا في فنونهم التي حذقوها، فكذلك شان المعلمين.
ونجاح الإنسان في حياته منوط بإتقان عمله، وأداء رسالته
والآن أظهر بعض أسباب الضعف في اللغة العربية، مما لم يذكره الأستاذ في حديثه السابق.
اللغة العامية:
معلم اللغة العربية يبذل مجهوداً كبيراً في تعليمها وتلقينها لأبنائه، ولو كان يسمع التلميذ من بيئاته لغة عربية، ويتحدث بلغة عربية لظهر مجهود المدرس وترقت حال التلاميذ، ولم نشعر بهذا الضعف، والذي يبنيه الأستاذ في الفصل يهدم خارجه في البيت وفي الشارع؛ بل أن بعض مدرسي العلوم الأخرى يتحدثون مع تلاميذهم بلغة عامية، ويقبلون منهم الإجابة بها متى أدت إلى المطلوب، وينشأ من ذلك ما تراه من استهانة التلاميذ بلغتهم الأصلية، ولا يتعودون التجويد ولا العناية متى ما كان دون ذلك يقبل منهم
وما حيلة أساتذة اللغة العربية وحدهم، وهم يبنون وغيرهم يهدم؟ فعلة العلل - على ما أرى - طغيان اللغة العامية على الفصحى في كل مكان، حتى في المدرسة نفسها.
والعلاج أن نعني باللغة العربية جميعاً في محادثاتنا وكتاباتنا حتى نصل بها إلى حالة مرضية، ونقوي أنفسنا بذلك.
وقد لحظت وزارة المعارف وجوب التحدث باللغة العربية، فحتمت على مدرسيها جميعاً التحدث باللغة العربية الفصحى، ولكن الواقع غير ما يجب.
الطريقة
ومن أسباب الضعف التي عرفتها منذ اشتغلت بالتدريس، طريقة التدريس بها. فأمام المدرس منهاج مطول من القواعد وأبواب متعددة، والمنهاج يتطلب منه الشرح بطريقة خاصة ويطلب من المدرس تقسيم المنهاج على شهور السنة، وإلقاء كل درس في ميعاده. وإذا خرج المدرس عن الطريقة المطلوبة إلى طريقة يراها مفيدة إلى التلميذ، فقد يرى رؤساؤه أنه أتى أمراً آدا والطريقة التي نسير عليها الآن يرى التلاميذ فيها عناية بالقواعد فيتوفرون عليها لعلمهم إنها وسيلة النجاح، وطريقة الحصول على درجات عالية، ولا يصرفون في تلك العناية إلى التطبيق العملي، وإلى لباب الأدب، والآثار الفنية التي تكون التذوق، وتثمر العقل وتزيد الثروة، فتجود لغتهم، ويقوى تعبيرهم عما في نفوسهم. والعناية بالقواعد تخرج التلاميذ عن الغاية السامية من العلم، إلى اعتباره وسيلة للنجاح، ولذا يهملون بانتهائه وينسون باجتيازه والذي أراه أن تغير الطريقة الحالية في جميع سني الدراسة إلى طريقة عملية تطبيقية، وذلك إما بعرض نماذج أدبية مختلفة، وإلقاء أسئلة منوعة في الدرس تحوي أجوبتها الصحيحة القواعد المطلوبة، وإما بوصف محسوس أو شرح حادثة، ثم يوجه نظر التلاميذ إلى القاعدة، بعد أمثلة كثيرة، فالقاعدة تدرس كشيء ثانوي لا أولي.
وهذه الطريقة نافعة قد جربتها فثبتت لي فائدتها، وكل عبئها يقع على المدرس في تحضيرها وإعدادها إعداداً صالحاً، وهي تقرب من الطريقة الطبعية.
القواميس العربية
ومن أسباب الضعف في اللغة العربية فقرها من القواميس الحديثة المصورة التي تحدد المعنى في الذهن تحديداً بيناً.
وأمامنا الآن قواميس قديمة نأخذ منها معاني المفردات مع تقدم الزمن، واختلاف العصور.
ويشاهد الباحث حاجة ملحة إلى مظان البحث فلا يجد، على حين نشاهد في اللغات الأخرى ثروة عظيمة لمن يريد البحث والإطلاع. فعلى من تقع مسؤولية ذلك؟ أعلى مدرس اللغة العربية أم على العلماء؟ أم على الجامعة؟
الحق إننا شاعرون بالنقص، ولكن لا حيلة لنا في الكمال إلا بقدر.
عويس القرني