الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 21/عيد الوطن الاقتصادي

مجلة الرسالة/العدد 21/عيد الوطن الاقتصادي

مجلة الرسالة - العدد 21
عيد الوطن الاقتصادي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 11 - 1933


رأي ونصيحة للدكتور منصور فهمي

وجه أحد شباب المشروع إلى عميد كلية الآداب هذين السؤالين: 1 - ما رأيكم في عيد الوطن الاقتصادي كمظهر من مظاهر الشباب؟ 2 - هل لكم من نصيحة توجهونها إلى الشباب القائم بالمشروع؟ فأجاب الأستاذ عنهما بما يأتي: 1 - لاشك أني أقابل بالعطف والتشجيع كل جهد مخلص في سبيل النهضات الاقتصادية والدعاية اللائقة لها، لأننا نعتقد أن في تلك الجهود ما يعين على خدمة الأخلاق، وذلك أن كل مشروع يوسع مجال العمل قد يضيق حظائر البطالة وما يتسبب عنها من المفاسد والشرور، وطالما بين لنا التاريخ أثر الحياة الاقتصادية في نهضات الشعوب العقلية، وفي نظامها الخلقي، فالإنسان لا يطيب له التأمل والتفكير إلا إذا كان رزقه في يسر وسعة، ومن تضيق به موارد العيش قد يركب صعاب الأمور ويهون عليه إذا لم يكن من الذين تحصنت نفوسهم بالشدة في الخلق، أن يفرط في ما تدعو إليه الأخلاق الفاضلة، وإني إذن اعتمد على ما قدمت لأبارك للشباب جهده في الدعوة إلى خدمة الحياة الاقتصادية بشتى المظاهر الجديدة لشباب مثقف نشط في قدرته أن يحسن الاختيار لأساليب الدعاية البريئة الهادئة. 2_أما أول نصيحة أوجهها للشبان القائمين بالمشروع فهي ألا تأخذهم نشوة الحماسة إلى دعوة محمودة فيعتمدون كل الاعتماد على رأيهم ولوامع خيالاتهم دون ان يرجعوا لآراء المجربين الخبيرين ممن اشتغلوا بالأمور الاقتصادية، لأن مسائل الحياة الاقتصادية في الأمم متشعبة كثيرة الاتصال بشتى المسائل العمرانية، وقد لا يصيبها النجاح المرجو إذا هي لم تعالج في فطنة ودقة، وخبرة وكياسة، ومن أجل هذا أوصيهم بكل شدة أن يقتحموا هذه الأبواب ومعهم زادهم من نصائح كبار الاقتصاديين من مواطنيهم، وتوجيهاتهم لكي تغذي تلك الإرشادات نشاطهم، فيسير إلى حيث يثمر الثمرات الطيبة. وأما نصيحتي الثانية فهي أن تقوموا بعملكم المشروع بنفس زكية لا يداخلها عداء لأعمال غيركم، إنما يداخلها الإيمان بمشروعية عملكم وقيمته وطهارة سبله ونزاهة الوسائل التي تحققه. ويجب ألا ينسيكم العمل المبرور أعمالكم الدراسية لأنها الواجب الأول المباشر في المرحلة التي أنتم فيها، فإذا كان لديكم فضل من الوقت تروضون فيه أنفسكم على الأعمال الاجتماعية عن طيب خاطر وعن إخلاص وعلى نحو ما نصحت لكم فإني آمل أن يوفق الله مسعاكم.

بطالة المتعلمين ورأينا في علاجها

للدكتور محمد حسين هيكل بك

لاشيء يعني به شباب مصر في هذه السنين عنايته بالشئون الاقتصادية. وما يزال مشروع القرش ماثلا في أذهان الناس، وما يزال شبان القرش مستعدين للهجوم إذا آن موعده في أول كل عام جديد. وها نحن نكتب هذه الكلمة لعيد الوطن الاقتصادي وأنت حيثما ذهبت لم تكد تسمع شيئا إلا في الاقتصاد والمشروعات الاقتصادية وما إليها، فما عسى يكون السبب في هذا؟ السبب فيما يخيل إلينا هو هذا الذي يسمونه عطلة المتعلمين، فالمدارس فيما يزعمون تخرج عددا أكبر بكثير مما تحتاج إليه وظائف الدولة، ومما تحتاج إليه الأعمال الحرة المعروفة إلى اليوم، فلابد من خلق أعمال حرة جديدة ليقتحم هذا الشباب المتعلم ميادينها ولتبرأ البلاد بذلك من مرض العطلة. وقد يكون هذا صحيحا ولكن هل ينجح مثل هذا العلاج فيوجد عملا لمن تخرجهم المدارس العليا والكليات والمدارس الفنية والخصوصية في كل عام ممن لا يجدون عملا في الحكومة أو في الوظائف الحرة المعروفة؟ وهل ينجح في إيجاد عمل للألوف الذين يحصلون على شهادة الدراسة الثانوية ولا يستطيعون إتمام دراساتهم العالية والفنية؟ نشك في هذا كثيرا. وعلة الشك أن هؤلاء المتعلمين يريدون عملا من طراز معين. يريدون عملا على مكتب من المكاتب ويأنفون العمل اليدوي. وهذا عمل على مكتب لا يتيسر للألوف وعشرات الألوف ممن يتخرجون، فلا طاقة لمشروعات الشباب بمواجهة رغباتهم وبإيجاد أسباب الكسب لهم. وعلاج هذه الحال في رأينا إنما يكون بفتح أبواب التعليم على مصاريعها جميعاً، للناس جميعا وجعل التعليم في متناول الكل، ينهل منه من شاء في حدود طاقته، يوم يصبح الكل متعلمين، ولا تكون طائفة المتعلمين محصورة لا يأنف الإنسان أن يباشر عملا يدوياً أو غير يدوي، ويومئذ يصبح كل عمل شريفاً، ويومئذ يمسك المتعلم بالفأس والمحراث، ولا يرى في ذلك ما يحط من شأنه، ويشتغل المتعلم في الصناعات المختلفة، في صناعة الجلود والأحذية، في النجارة والحدادة، في فلاحة البساتين، في التجارة بمختلف أنواعها، ولا يكون واحد من هذه الأعمال أقل رفعة ومكانة وتشريفا لصاحبه من العمل على مكتب، ولا من منصب الوزارة أو أي منصب حكومي آخر. هذا في رأينا هو الحل العملي المنتج، فعلة بطالة المتعلمين وعطلهم: أنهم يرون أنفسهم طائفة خاصة ممتازة، يجب أن يكون لها عمل خاص ممتاز، فإذا لم يجد أفرادها هذا العمل فضلوا البطالة ولو تكففوا الناس بعد ذلك، فإذا زالت عنهم صفة الطائفة، بأن أصبح الناس جميعا متعلمين وجب على هؤلاء المتعلمين أن يزاولوا كل الأعمال فأصبح بذلك كل عمل شريفا كما قدمنا، وانفسح الميدان لكل من يريد أن يقتحمه. لا يقلل هذا من تقديرنا لمجهود الشبان في الوقت الحاضر. ولكنا نعتقده غير قادر على علاج المشكلة التي دفعت إلى هذا النشاط إلا بمقدار، وبهذا المقدار يستحق الشباب الحمد والشكر.