الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 21/حركات الشباب

مجلة الرسالة/العدد 21/حركات الشباب

مجلة الرسالة - العدد 21
حركات الشباب
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 11 - 1933


للأستاذ سلامة موسى

ربما كانت أولى حركات الشباب في هذا القرن حركة الفتيان الكشافة التي ذاعت بين جميع الأمم. وقد تناولت الصبيان إلى سن الشباب وملأت حياتهم صحة أجسامهم وخدمة لبلادهم وثقافة فيما يتصل بحياة الخلاء والتجوال. ثم ظهرت حركة أخرى بين الشباب هي الحركة الفاشية وقد اتخذت منذ بدايتها لونا سياسيا وطنيا. واستطاعت هذه الحركة، على الرغم من عيوب فيها، أن تقوم بالمعجزات في إيطاليا لرفعة الوطن. وظهرت منذ نحو ست سنوات حركة الفتيان الجوالة، وكان منشأها في ألمانيا حيث يخرج الفتى ومعه القليل من الملابس فيجول في أنحاء ألمانيا ويقضي الليل في مأوى ريفي صغير لا يكلفه نوما وفطور اكثر من خمسة قروش. وما يزال في هذا التجوال يزور المدن والقرى والجبال والسهول بضعة اشهر يرى فيها أنحاء ألمانيا فيعرف بلاده معرفة الخبير الذي عاين احسن ما فيها ويحبها لذلك اكثر ويزداد أمانة في خدمتها. وقد فشت عندنا نحن في السنوات الثلاث الماضية حركة أخرى بين الشباب انطبعت بطابع الحاجات الاقتصادية. فقد رأينا أننا مغبونون أمام الأجانب، في التجارة والصناعة، وأننا من الفاقة بحيث أصبح مزارعونا مثقلين بالديون، وان البلاد كلها تعيش بالزراعة وتكاد تجهل الصناعة. وكان شعورنا بالوطنية الاقتصادية ضعيفا، حتى أننا في إحدى السنوات القريبة الماضية اشترينا من الأطعمة ما بلغ ثمنه سبعة ملايين من الجنيهات، وهذا في بلاد زراعية كان عليها على الأقل أن تكفي نفسها طعاما إن لم تصدر ما يفيض منه إلى الخارج. لذلك ما كادت الصيحة إلى إيثار المصري على الأجنبي تعلن إلى الشباب حتى أخذها هؤلاء وجعلوا منها شعلة لن تنطفئ. فرأينا جمعية المصري للمصري ثم مشروع القرش ثم جمعية الاستقلال الاقتصادي ثم مشروع القرش ثم يوم عيد الوطن الاقتصادي. وهذا التنبيه العام إلى الصناعة والتجارة المصريتين يعزى الفضل فيه إلى شبابنا. هؤلاء الشباب الذين يجب على كل منهم أن يكون رقيبا على ثروة البلاد، يراقب نفسه أولا لا يأكل هو نفسه سوى الأطعمة المصرية، ولا يلبس سوى الأقمشة المصرية، ولا يؤثث بيته إلا بالأثاث المصري. وقد نحتاج إلى بعض البضائع الأجنبية ولكن يجب علينا عندئذ ألا نشتريها إلا من التاجر المصري، ثم بعد ذلك يراق غيره حتى يكون داعية للصناعة المصرية فينصح لأصدقائه ويطلب من زعمائه أن يتخذوا الملابس المصرية.

وعيد الوطن الاقتصادي هو يوم نخصه للدعاية. ولسنا نعتقد أن في البلاد خصما واحدا لهذه الدعاية التي يقوم بها شبابنا لكن يكسبونا كرامة اقتصادية ما أعظم حاجتنا إليها في هذه الأيام السود التي تباع ممتلكات الفلاح فيها بيع السماح بل بيع الجبر في سوق الدلالة.

بين الشرق والغرب

لسكرتير لجنة الدعاية

قرأت لزميل نقدا ممضا مريض الحجة ينصب على الجامعة في غير روية ولا أناة. فما التقيت به حتى أخذت في لومه والعتب عليه مستكثرا منه أن يطعن في معهد يظله ويحتويه. فبرم بموقفي من نقده، واستشاط حماسة وانطلق يقول: إن القلم الذي لا يستطيع أن ينجو بالحقيقة من ضيق العواطف، ويكفل لها ساحة رحبة النطاق، واسعة الأفق، لهو قلم كليل قصير الأجل لا ينتظر له خلود. . واليوم الذي ترى فيه الجامعة طلابها وقد ملأتهم الجرأة في سبيل الحق. وسكن في قلوبهم استقلال الرأي، لهو اليوم الذي يؤمن فيه الناس بأن الجامعة قد أدت رسالتها على اكمل وجه وأتم صورة. . وانطلق الزميل

في بسط فكرته تحت تأثير عاطفة قوية وميل جامح. .! فقلت له ان الجامعة موطن علمك ومعين ثقافتك. فمن حقها عليك ان تتولى الذود عنها إن حاق بها اعتداء أو أصابها ضر. فان قعدت عن حمايتها فلا أقل من أن تحجم عن الاشتراك في هدمها. وتتورع عن المساهمة في طعنها والحط من شأنها. ولو صح استقصاؤك لما فيها من سوءات لما جاز لك ان تعلنه على هذه الصورة القبيحة المزرية التي تخفيها تحت ستار حرية الفكر، واستقلال الرأي. . وما إلى ذلك من ألفاظ لها قداستها التي خفيت عنك حدودها. وتوارت عن بصيرتك معالمها. وقداسة الحقيقة يا صاحبي لم تطلب إليك استقصاء السوءات والتغافل عن الحسنات. ولكن الزميل كان في ثورة حماسه لا يملك إلا الإيمان بفكرته وتسفيه ما يذهب إليه خصومه، فطال بيننا الجدال على غير جدوى. وفي الأسبوع نفسه قدر لي أن أستمع إلى مؤرخ إنجليزي عالمي يحاضر في مواقف مرت بوطنه فيلتمس له الأعذار في (حرق جان دارك) ونفي نابليون. .!! هذه هي الهوة التي تفصل بين منطق الكثيرين من علماء الغرب الأفذاذ. وذهنية أكثر الناشئين من شباب الشرق المغبون_هوة تعيش فيها آمال عرجاء. وتحيا في ظلامها مطامح جرباء، هناك قد (يخلقون المناسبات) ليملأها دفاعا عن وطنهم. وذودا عن حرمته. وإشادة بمفاخره. بل ربما لا (يتورع) العالم عن أن يتخذ العلم أداة يسخرها لخدمة مأربه القومي وقضاء شهوته الوطنية.!! وهنا يخلق بعض (شباننا) المناسبات ليتناولوا فيها أنفسهم ووطنهم ومعاهد علمهم بالطعن والتجريح.!! وهذا الفرق (فيما أرى) من أعظم العناصر التي تميز بين عظمة الغرب الفتية. . وحالة الشرق المريضة. لهذا ينبغي أن يطرب المصريون لهذه الثورة القومية الوديعة التي يقوم بها شباب عيد الوطن الاقتصادي. لأنها تعالج النقص الذي تنطوي عليه نفوسنا.

(ت. الطويل) كلية الآداب