مجلة الرسالة/العدد 21/العلوم
→ وخز الضمير | مجلة الرسالة - العدد 21 العلوم [[مؤلف:|]] |
الزمن ← |
بتاريخ: 15 - 11 - 1933 |
تطور العقل
للأستاذ السر أرثر طمس ترجمة بشير الياس اللوس
تبدأ حياة الكائن البشري كحجيرة مجهرية تعرف بالبويضة الملقحة، وهي بالرغم من صغرها المتناهي تضم تراث العصر السحيقة التي مر عليها أسلاف الجنس البشري من قبل. أن طيلة الأشهر التسعة التي يقضيها الجنين في رحم أمه متصلاً بها اتصالاً بايولوجيا وثيقاً، ما هي الأدوار سبات عميق، وليس هناك من يستطيع أن يبسطرأيا مثبتاً فيما يخص بعقل الجنين غير المولود، وحتى بعد الولادة مباشرة، وكل ما يمكن قولة أن نمو العقل يسير ببط كبير. ليس في البويضة الملقحة، أو الجنين الاول، جهاز عصبي قط، ولكنه ينمو تدريجياً من أوائل بسيطة، ولما كانت العقلية لا يمكن أن تستمد من الخارج، ترتب علينا أن نستنتج أن قوتها الكامنة متقمصة في الفرد منذ القديم، وكذلك الفعاليات الخاصة التي نستخدمها في حياتنا المعنوية كالشعور والتفكير والإرادة لابد إنهاء كائنه في تضاعيف الجرثومة بصورة كامنة. وما يقال عن الفرد يصدق على الجنس أيضا - أي أن هناك تطور تدريجيا في تلك الناحية من فعالية المخلوقات الحية التي نسميها (العقل). فلا نستطيع إذن أن نضع إصبعنا في نقطة معينة ونقول: ((لم يكن ثمة عقل قبل هذا الدور)) لان جميع الحقائق الماثلة أمامنا تحملنا على استنتاج بأنه حيثما تكون الحياة لابد من وجود درجة خاصة من العقل. وهذا يصدق حتى في النباتات التي يضح أن لا عقل لها. ويكون استنتاجنا اكثر دقة إذا عبرنا عنه بأسلوب آخر، كأننا نقول أن الفعالية التي نسميها (حياة) يلازمها دائماً، وإلى درجة ما، وجهة باطنية أو عقلية.
الأفعال الانعكاسية: نعثر في الحيوانات المتعددة الحجرات
كشقائق البحر - على بداية الأفعال الانعكاسية التي تؤلف
القسم الأعظم في تصرف الحيوانات الواطئة أي قد تكون
للحيوان أثناء النمو أجهزة معينة من الحجرات عصبية وحجرات عضلية تسهل إصدار أجوبة ملائمة وصحيحة على
المؤثرات الخارجية. فدودة الأرض التي قد أخرجت نصف
جسمها من الوكر تكون حذرة ومتيقظة بأخف وطأة قدم
فتقلص نفسها وتنسل إلى وكرها قبل أن يقول أحدنا (هذا عمل
انعكاسي). إن الطريقة التطورية - إذا جاز لنا إطلاق هذا
التعبير - أهلت الحيوانات للإجابة على المؤثرات بسرعة
كلية، وكلما صعدنا في سلم المملكة الحيوانية وجدنا الأعمال
الانعكاسية اكثر تعقيدا واحكم ارتباط مع بعضها حتى أن
حدوث عمل ما قد يستعدى حدوث أعمال أخرى. وهكذا نجد
سلسلة مستحكمة الحلقات بين الأفعال الانعكاسية أن تصرف
النبات المعروف ب ' - عندما ينطبق على حشرة
لافتراسها يشبه الفعل الانعكاسي في الحيوانات، على انه ليس
للنباتات جهاز عصبي خاص.
الأفعال الاتجاهية وهناك أفعال انعكاسية أخرى أرقى من تلك
تسمى (الأفعال الاتجاهية) وهي حركات أو أعمال يقوم بها
الحيوان حرصاً على تنظيم بدنه الكلي وأحداث التوازن
الفيسيولوجي بالنسبة إلى الجذب والضغط والتيارات والرطوبة والحرارة والضوء والكهرباء فعندما تمر الفراشة بالقرب من
مصباح تستضيء العين القريبة من مصدر النور اكثر من
الاخرى فينتج عن ذلك اختلال فيسيولوجي يؤثر في الحجرات
العصبية والعضلية، وبالنتيجة تنظم الفراشة طيرانها بصورة
تلقائية كما تكون تلك العينين متأثرتين بنفس الشدة من النور،
وعملها هذا تحوم حول المصباح، وربما ادى ذلك إلى القضاء
على حياتها. إن هذه الأفعال الاتجاهية تلعب دوراً هاماً في
السلوك.
السلوك الغريزي وارتقت الحيوانات خطوة أخرى فكان لها
سلوك غريزي وصل إلى درجة مدهشة في الكمال في النمل
والنحل والزنابير. ويعرف عن هذا السلوك انه يتوقف على
مؤهلات فطرية، فلا يحتاج فلا يحتاج إلى تعلم وهو مستقل
عن التمرين والاختبار ولو انهما يهذبانه. يشترك في هذا
السلوك جميع أفراد النوع من الجنس الواحد على السواء
(لان الغرائز المختصة بالذكور قد تختلف عن الغرائز
المختصة في الاناث). وهذه الافعال تستهدف حياة الفرد
وتضمناستمرار النسل، ولو أن بعضاً منها يحدث مرة واحدة طيلة حياة الفرد. فالفراشة الأنثى إبرة آدم تبرز من الشرنقة
عند الطلع المحمول على الأسدية وتجيله بشكل حبة كروية
صغيرة تحزنها تحت ذقنها. ثم تطير إلى زهرة يوكا اقدم عهداً
من الأولى، وتلقي بيضها في بعض البويضات التي في
مبيض الزهرة، ولكن قبل أن تصنع ذلك عليها أن تضع كرة
الطلع على جسم المدقة ومن ثم تنفتح كرة الطلع وترسل منها
أنابيب تتجة نحو المبيض فتنزل نواة الطلع بواسطة أحد
الأنابيب تتجه نحو المبيض فتنزل نواة الطلع بواسطة أحد
الأنابيب إلى البويضات وتلقحها؛ وبهذه الطريقة تتكون بذور
نبات اليوكالا تختلف عن أترابها في شيء، إلا أن بعض هذه
البذور يكون مأوى لبيوض فراشة اليوكا التي حالما تفقس
تسير في حياتنا على نفس الخط الذي سارت عليه أسلافها
تماماً من غير تلقين أو تعلم، وفي ذلك دليل على أن هذه
الحيوانات تضمن استمرار نسلها بسلسلة من الأفعال المنضمة.
وهي جزء من تراثها الغريزي. أما من وجهة النظر
الفيسيولوجية فالسلوك الغريزي هو سلسلة من أفعال انعكاسية
مركبة، ولكن في بعض الأحوال على الأقل علينا أن نعتقد أن السلوك يخالطه شيء من الحذر والاجتهاد، ويجب أن يلاحظ
انه كما أن النمل والنحل والزنابير تظهر في اغلب الحالات
سلوكا غريزياً بحتاً، وتسير أحيانا على خطة التجربة والخطأ
أو الابتكار التجريبي. وكذلك بين الطيور والثديات قد يحل
السلوك الغريزي أحياناً محل السلوك المدرك ولعلة لا يوجد
سلوك غريزي بدون شيء من الذكاء، ولا سلوك مدرك بدون
عنصر غريزي. إن الفكرة القديمة القائلة أن السلوك الغريزي
كان في الأصل سلوكا مدركا وان الغريزة نشأت عن الإدراك:
لهي فكرة مخطئة لأنها تقوم على فرض غير مثبت، وهي
تشير إلى القول بان اكتسابات الفرد تنتقل إلى النسل. وأغلب
الظن أن الغريزة وال >كاء سارا على طريقتين مختلفين في
حبلة التطور.
الذكاء الحيواني: وتقدم الحيوان في سلم التطور خطوة أخرى
فكان له سلوك ينم عن الذكاء والإدراك، ولم يعد في استطاعته
أن تستفيد من الاختبار فحسب، بل من التعلم بالتلقين أيضا. إن
هذه الأفعال المنطوية على ذكاء تتنوع بتنوع الأفراد، وهي
قابلة للتحوير والتعديل بطرق فلما يصح تطبيقها على الغرائز التي لا يمكن لأي كائن حي أن يستغني عنها بدون أن ترتبك
غلية الحياة وتتعقد عليه مشاكلها. فضلاً عن. ذلك فان السلوك
الغريزي المدرك غير مقيد بظروف خاصة كما هو شأن
السلوك الغريزي، وهناك ادله قاطعة على أن السلوك المدرك
ناتج عن علم بقيمة العلاقات الكائنة بين الأشياء. يبدو إننا لم
نعثر على دليل واضح يؤكد لنا أن الفعالية الذهنية التي نسميها
محاكمة عقلية كائنة في الحيوانات التي هي تحت مستوى
الإنسان. والواقع إننا لا نستطيع دائماً، أن نعتبر سلوك الإنسان
عقلياً، بل يجب أن نقول أن في وسعه إظهار تلك القابلية متى
شاء وحينما يتسنى له ذلك. لا شك أن تطور الحيوانات كان
يلازمه دائماً تعقيد في الأعمال، وبراعة في السلوك حتى
أصبحت تلك المخلوقات اكثر حرية واعظم سطوة في مجال
الطبيعة، وأمست مؤهلاتها النفسية - كالتفكير والتعلم
والشعور والإدارة - أكثر فأكثر أهمية.
(الموصل) بشير الياس اللوس.