مجلة الرسالة/العدد 209/الكتب الدينية في عهد التطور
→ الفلسفة الشرقية | مجلة الرسالة - العدد 209 الكتب الدينية في عهد التطور [[مؤلف:|]] |
الموشح ← |
بتاريخ: 05 - 07 - 1937 |
البرانات
(الفيدا) وهو الكتاب الأساسي للديانة البراهمية، وهو وحده المنزل، أما غيره من الكتب فهي من عمل البشر المصطفين الذين هم أقرب إلى (براهما) وهي لذلك. لاتصل من القداسة في نفوس الشعب إلى المرتبة التي وصلت إليها (الفيدا) وهي كذلك غير معجزة ولا مستحيلة التقليد ولكن إمكان تقليدها مقصور على طائفة واحدة من المقربين وهي طائفة (راشين) من خواص البراهمة. وهاك حديث البيروني عن هذا الكتاب:
(وأما البرانات - وتفسير بران: الأول القديم - فأنها ثمانية عشر، وأكثرها مسماة بأسماء حيوانات وأناس وملائكة بسبب اشتمالها على أخبار أو بسبب نسبة الكلام فيها أو الجواب عن المسائل إليها من عمل القوم المسنين: (رشين) والذي كان عندي منها مأخوذاً من الأفواه بالسماع فهو (آدبران) أي الأول. و (مج بران) أي السمكة و (كوم بران) أي السلحفاة. و (براه بران) أي الخنزير و (نارسنك بران) أي الإنس الذي رأسه رأس أسد. و (يامن بران) أي الرجل المتقلص الأعضاء بصغرها. و (تاج بران) أي الريح. و (نند بران) وهو خادم له (مهاديو) و (اسكند بران) وهو ابن (مهاديو). و (آدت بران) و (سوم بران) وهما النيران. و (سانب بران) وهو ابن (بشن) و (هماندبران) وهو السماوات. و (ماركتو يوبران) وهو (رش كبير). و (تاركش بران) وهو العنقاءو (بشن بران) وهو (ناراين). و (براهم بران) وهو الطبيعة الموكلة بالعالم. و (يشن بران) وهو ذكر الكائنات في المستأنف)
كتب أخرى
يروي لنا البيروني كذلك أن للقوم كتباً كثيرة أخرى تعد بمثابة دساتير وقوانين دينية واجتماعية وأخلاقية. وقد لخص الكلام عنها فقال: (وأما كتاب (سمرت) فهو مستخرج من (بيذ) في الأوامر والنواهي، عمله أبناء (براهم) العشرون ولهم كتب في فقه ملتهم وفي الكلام وفي الزهد والتأليه وطلب الخلاص من الدنيا مثل كتاب عمله (كور الزاهد) وعرف باسمه ومثل (سانك) عمله (كبل) في الأمور الإلهية ومثل (باتنجل) في طلب الخلاص واتحاد النفس بمعقولها ومثل (نايبهاش) لكابل في (بيذ) وتفسيره وأنه مخلوق وتميز الفرائض فيه من السنن. ومثل (ميمانس) عمله (جيمن) في هذا المعنى. ومثل (لوكايت) عمله المشتري) الخ
ألوهية الطور الجديد
كان العامة في الهند بعد تطور (البراهمة) يعتقدون بوجود ثلاثة آلهة: الأول (براهما) وهو الرئيس الأعلى. الثاني (فيسنو) وهو اله الحياة الدائب على إنماء الحياة وازهارها، والثالث (سيفا) وهو اله التدمير والخراب الذي أهم مميزاته الهدم والإبادة والذي لولا سلطان (براهما) لصير الحياة منذ زمن بعيد أثرا بعد عين، ولكن (براهما) الغير المحدود القوة يمسكها دائما أن تميد ويحفظها من شر هذا المدمر الوحشي.
هذا عند العامة. أما الخاصة فكانوا يعتقدون - كما أسلفنا - بوجود اله واحد أزلي أبوي منزه عن الاستعانة بغيره وعن كل ما يوجب نقصه في زعمهم.
وأبو الريحان البيروني يذهب في كتابه إلى ما هو أبعد من هذا فيؤكد أن فكرة الألوهية عند خاصة الهنود كانت سامية جليلة، وأنهم كانوا يعبدون إلها متصفا بكل كمال، ميزها عن كل نقص. ويعلق على هذا بقوله: (ولنورد في ذلك شيئا من كتبهم لئلا تكون حكايتنا كالشيء المسموع فقط) ثم يروي بعد ذلك محادثة وردت في أحد كتبهم المقدسة بين سائل مسترشد ومجيب موضح؛ وفي هذه المحادثة يرى الباحث الأدلة ناصعة على ما يدعيه البيروني من سمو التأليه عند خاصة الهند. واليكم نص هذه المحادثة: قال السائل في كتاب (باتنجل): (من هذا المعبود الذي ينال التوفيق بعبادته؟. قال المجيب: (هو المستغني بأزليته ووحدانيته عن فعل لمكافأة عليه براحة تؤمل وترتجي، أو شدة تخاف وتتقى، والبريء عن الأفكار لتعاليه عن الأضداد المكروهة والأنداد المحبوبة؛ والعالم بذاته سرمدي. إن العلم الطارئ يكون لما لم يكن بمعلوم، وليس الجهل بمتجه عليه في وقت ما أو حال) ثم يقول السائل بعد ذلك: (فهل له من الصفات غير ما ذكرت؟ ويقول المجيب: (له العلو التام في القدر) لا المكان، فانه يجل التمكن. وهو الخير المحض التام الذي يشتاقه كل موجود. وهو العلم الخالص من دنس اللهو والجهل): قال السائل: (أفتصفه بالكلام أم لا؟) قال المجيب (إذا كان عالما فهو لا محالة متكلم). قال السائل: (فان كان متكلما لأجل علمه، فما الفرق بينه وبين العلماء والحكماء الذين تكلموا من أجل علومهم؟. . . قال المجيب: (الفرق بينهم هو الزمان فانهم تعلموا فيه وتكلموا بعد أن لم يكونوا عالمين ولا متكلمين، ونقلوا بالكلام علومهم إلى غيرهم، فكلامهم وإفادتهم في زمان؛ وإذ ليس للأمور الإلهية بالزمان اتصال. فالله سبحانه عالم متكلم في الأزل، وهو الذي (يراهم) وغيره من الأوائل على أنحاء شتى، فمنهم من ألقى إليه كتابا، ومنهم من فتح الواسطة إليه بابا، ومنهم من أوحى إليه فنال بالفكر ما أفاض عليه)، قال السائل: (فمن أين له هذا العلم؟) قال المجيب: (علمه على حاله في الأزل وان لم يجهل قط، فذاته عالمه لم تكتب علما لم يكن له كما قال في (بيذ)، قال السائل: (كيف تعبدون من لم يلحقه الإحساس؟) قال المجيب: (تسميته تثبت أنيته. فالخبر لا يكون إلا عن شيء، والاسم لا يكون إلا لمسمى، وهو وان غاب عن الحواس فلم تدركه، فقد عقلته النفس وأحاطت بصفاته الفطرة، وهذه هي عبادته الخالصة، وبالمواظبة عليها تنال السعادة
ثم يعقب البيروني على هذه المحادثة بقوله: فهذا كلامهم في هذا الكتاب المشهور. وفي كتاب (كينا) وهو جزء من كتاب (بهارث) فيما جرى بين (باسديو) و (أرجن): إني أنا الكل من غير مبدأ بولادة ومنتهى بوفاة، لا أقصد بفعلي مكافأة ولا أختص بطبقة دون أخرى لصداقة أو عداوة؛ قد أعطيت كلا من خلقي حاجته في فعله، فمن عرفني بهذه الصفة وتشبه بي في إبعاد الطمع عن العمل، انحل وثاقه، وسهل خلاصة وعتاقه) وهذا كما قيل في حد الفلسفة: إنها التقيل بالله ما أمكن. وقال هذا الكتاب: اكثر الناس يلجئهم الطمع في الحاجات إلى الله. وإذا حققت الأمر لديهم وجدتهم من معرفته من مكان سحيق، لأن الله ليس بظاهر لكل أحد يدركه بحواسه، فلذلك جهلوه، فمنهم من لم يتجاوز فيه المحسوسات، ومنهم من إذا تجاوزها وقف عند المطبوعات. ولم يعرفوا أن فوقها من لم يلد ولم يولد ولم يحط بعين أنيته أحد، وهو المحيط بكل شيء علماً)
(يتبع)
محمد غلاب