مجلة الرسالة/العدد 203/ميلاد الرسول
→ نقل الأديب | مجلة الرسالة - العدد 203 ميلاد الرسول [[مؤلف:|]] |
هدية الشاعر للشاعر ← |
بتاريخ: 24 - 05 - 1937 |
للأستاذ محمد الأسمر
فجرٌ أطلّ على الوجود فأطلعا ... شمسين: شمسَ سناً، وشمس هدىً معا
ظلَّتْ مطالع كل شمس لا ترَى ... من بعدِه شيئاً كمكةَ مطلعا
قبس من الرحمنِ لاح فلم يَدعْ ... لألاؤه فوقَ البسيطة موضعا
ما كان ميلادُ الرسول المصطفى ... إلا الربيعَ نضارة وتَضوعا
يوم أغر كفاكَ منه أنه ... يوم كأن الدهر فيه تجمعّا
ويكادُ غابرُ كل يومٍ قبله ... يثني إليه جيدهُ متطلعا
فلو استطاع لكرَّ من أحقابه ... وثْباً على هام السنين ليرجعا
يكادُ مُقبلُ كل يوم بعده ... ينسل من خلف الزمان ليسرعا
فلو استطاع لجاء قبل أوانه ... وأنساب يخترق السنين وأتلعا
تتنافس الأيام في الشرف الذي ... ملأ الوجود فلم يغادرْ أصبعا
خير أفاض الله منه على الورى ... أنّى جرى ترك الجناب الممرعا
وسناً جلاه لتعمُرَ الدنيا به ... من بعد ما كانت خراباً بلقعا
وافى وليلُ الجاهلَّية مُطبق ... فانجاب عن جنباتها وتقشعا
وكذا الهداية إن قذفتَ بها على ... ركن الغواية والضلال تصدعا
نادى إلى الحسنى فلما أعرضوا ... واستكبروا شَرع الرماح فأسمعا
والحقُّ أعزلَ لا يروعُ فأن بدا ... مستلئماً لاقى الطُعاة فروَّعا
والحقُّ أخفى ما يكون مجرداً ... وتراه أوضحَ ما يكونُ مُدرَّعا
والحقُّ ليس بمعتدٍ لكنّه ... إن دافعته يَدُ الضلال تدفعا
مثل الرياحِ جَرت رُخاء ثم لم ... تلبثْ فهبَّتْ بعد ذلك زعزعا
بعض الأنام إذا رأى نور الهدى ... عَرَف الطريقَ ولم يضلَّ المهيعا
ومن البريَّة معشرٌ لا ينتهي ... عن غيِّه حتى يخاف ويفزعا
إن الرسولَ محمداً صبحٌ بدا ... من راح يعثُر في سناهُ فلالعا
وافى بها بيضاَء عدل كلها ... لا تلفينَّ بها الضعيفَ مُضيَّع الناسُ كلهمُ سواسية بها ... لا (قيصراً) تلقى بها أو (تُبعّا)
دخلت على الجبروت وهو ُمقَطِّب ... صَلَفاً فأبصر وجهها فتفزعا
وأبى له حبَّ البقاء وطَبعهُ ... إلا الِصِيالَ فصاولت فتضعضعا
(الفرسُ) و (الرومانُ) لم يعصمهما ... مُلْكُ الممالك كلها أن يُصرَعا
من لم تزعزعه العواصف قبلها ... بعثت له بنسيمها فتزعزعا
ثلت عروش الظالمين ومُلكهم ... وبنت لعرش العدل مُلكاً أوسعا
وجرى العباد على السجيَّةِ سُجدا ... لله، لا لمُسخِّريهم، رُكعا
وتراهمُ حول النبيِّ فلا ترى ... مُتملقاً أو خائفاً متخشِّعاً
دينُ المساواةِ الصحيحة دِينه ... يرعاهمُ في الله أشفق من رعى
جاءت له الدنيا فأعرض زاهداً ... يبغي من الأخرى المكان الأرفعا
ما جرَّ أثواب الحرير ولا مشى ... بالتاجِ من فوق الجبين مُرصعَّا
من ألبس الدنيا السعادة حُلّة ... فَضفْاضة، لبِس القميص مُرقعا
وهو الذي لو شاء نالت كفه ... كلَّ الذي فوق البسيطة أجمعا
لم يبغها مُلكاً عضوضاً بل دعى ... لله لا لسواه أفضل من دعى
يا مصطفى أدعوكَ دعوة شاعر ... وأفي إليك بشعره متشفعا
هب لي من النفحات ما أشفي به ... نفساً معذبة وقلباً موجعاً
فلعلَّ صدراً أن تزول همومه ... وعليلَ قوم أن يصح وينفعا
ولعل ذابلة الرجاء ينالها ... بلل من الغيث العميم فتينعا
صلى عليك الله جل جلاله ... دينا وأخرى شافعاً ومشفّعا
محمد الأسمر