مجلة الرسالة/العدد 203/من كلام الرافعي
→ بعد الموت ماذا أريد أن يقال عني | مجلة الرسالة - العدد 203 من كلام الرافعي [[مؤلف:|]] |
تاريخ وفاة الرافعي بالتركية ← |
بتاريخ: 24 - 05 - 1937 |
قيل له رحمه الله: هل تكره الموت؟ فقال لا بل أكره ذنوبي، أما الموت فهو اكتشاف العالم الأكبر، نسأل الله حسن الخاتمة. وقيل له ما هي وصيتك إذا حضرتك الوفاة؟
فقال: هي تكرار المبدأ الذي وضعته لأولادي:
النجاح لا ينفعنا بل ينفعنا الامتياز في النجاح
مات الرافعي
بقلم السيد محمد زيادة
إذن فقد مات مصطفى، وانطفأ السراج الوهاج. . .
وهدأت الروح النبيلة الرفافة التي ما خلقت لتهدأ. . .
وفرغ الوجدان الفضفاض من هموم الإنسانية وآلام الناس. . . وسكن القلب الصخاب المتكلم، المحلق في أجواء السمو، الخافق خفقات الهوى العفيف. . .
وغربت النفس الأبية الملهمة الجائشة فيها خواطر الغيب وأسرار الكيان. . .
ونام العقل الجبار الحر النافذ شعاعه إلى كل سماء يستطلع الحقائق، المرسل سناه على كل أرض يطلع الناس. . .
وانطفأ السراج. . . انطفأ السراج الوهاج. . .
إذن فقد مات مصطفى وخلا من الحياة مكانه ليظل خالياً لا يجد الكفء الذي يملؤه. . .
وجنحت الشخصية الحبيبة المرموقة إلى العزلة. . . عزلة الأبد
وعدمت الموهبة المخلوقة للكفاح والإصلاح. . .
وانهدت القوة الفعالة المبدَعة المبدِعة. . .
وانحصر الميدان الآهل بعرائس الخيال الفاتنة بين جدران قبر ضيق. . .
وتهيأ الأدب العريق الفتي ليزول أو زال. . .
وانطفأ السراج. . . انطفأ السراج الوهاج. . .
إذن فقد مات مصطفى، ورحلت البارقة الهفافة من أفق الدنيا إلى آفاق الآخرة. . .
وشال الطائر الغريد عن الحمى يرف بجناحيه رفيف الوداع، وخفقت القلوب، وتباكت العيون، وذابت قطع من النفوس، وسرى في جو الأدب برق ورعد هز كيانه. . . ثم أعقبه غبار ودخان لاح فيه سواد المصيبة. . .
ووجمت الحياة من روعة ما جد فيها. . .
وشاع في العالم العربي أن الرافعي قد مات. . .
وانطفأ السراج. . . نطفأ السراج الوهاج. . .
مصطفى. . . أأناديك يا أبي أم يا أخي أم يا صديقي؟!.
إنك والله كنت الثلاثة. . . كنت الوالد في حنوك عليّ، واهتمامك بي. . . وكنت الأخ في استبشارك بلقياي وانتصارك لي. . . وكنت الصديق في إخلاصك النادر، ووفائك المعجب، وحبك النقي وعطفك الكريم
فأين بعدك الصديق؟. . وأين مثلك الصديق؟!.
وكيف بعدك الحياة وأنت كنت العون في الملمة، والفرج في الضيق، والسراء في الضراء؟!
لقد فقدت بفقدك ركن حياتي الثابت المدعم؛ وشيعت في تشييعك مسرة النفس، وراحة الفؤاد، وأمان العيش؛ وقبرت معك أملاً من آمالي كان أنظرها. . .
مصطفى. . . لقد ذهبت فلم توص ولم تودع. . . فهل من كلمة أو همسة تسر بها إلي هابطة من روحك في السماء إلى روحي على الأرض؟. . .
هل من إشراقة عطف يطل بها وجهك الصبوح من عليائك على صديقك الشاعر في فقدك بفقد نفسه، الحامل لك في أعماقه شوق الولهان وحسرة السجين، الواجد من بعدك كل هم وعناء؟
هل من بسمة ود تسطع على شفتيك فتنير وحشة النفس في ظلام الوحدة بعد أن حرمتك وحرمت كل حبيب؟. . .
السيد محمد زيادة