مجلة الرسالة/العدد 202/رسالة النقد
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 202 رسالة النقد [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 17 - 05 - 1937 |
إسماعيل المفترى عليه
تأليف القاضي بيير كربتيس
وترجمة الأستاذ فؤاد صروف
للأستاذ الغنيمي
- 5 -
نستطيع أن نفهم أن المترجم قد يخطئ في عبارة صعبة غامضة المعنى، ولكن الذي لا نستطيع أن نفهمه أن يعمد المترجم إلى عبارة سهلة واضحة المعنى فيستبدل بمعناها معنى آخر من عنده بعيد كل البعد عن المعنى المراد
(1) أنظر إلى قول المؤلف عن موقف إسماعيل من السخرة
'
فهل في هذه العبارة غموض يجيز للأستاذ صروف أن يترجمها بقوله: (إن موقف إسماعيل بازاء السخرة لم يكن يقصد منه التظاهر) من أين جاء الأستاذ بالتظاهر. أن المعنى الذي لا يخفى على إنسان هو لم يقف إسماعيل موقفه من السخرة لفكرة عارضة زائلة)
(2) ومن هذا النوع أيضاً العبارة الآتية التي تبين الأثر الذي انطبع في ذهن إسماعيل حين رأى صمويل بيكر لأول مرة
والتي ترجمها الأستاذ صروف بهذه العبارة الغامضة (وقع عنده موقعا حسناً) فأين ذلك من قول المؤلف أن إسماعيل قد اعجب بشخصيته القوية أو أثرت فيه شخصيته القوية
(3) ولا يختلف عن ذلك ما ترجم به الأستاذ صروف وصف المؤلف لحملة بيكر الذي يقول فيه
فقد ترجمه الأستاذ صروف بقوله (أنها كانت عملا ذا شان خطير) أما سبب هذا الخط وهو طبيعتها وصفتها الرسمية فلم يعن المترجم بيانه كما بينه المؤلف
(4) ومن العبارات التي أغفلها المترجم قول المؤلف في موقف إسماعيل من السير صمويل بيكر
, ' ;
وكل هذه معان لها قيمتها لم يذكرها المؤلف عبثاً، وليس فيها شيء من الصعوبة، ولكن الأستاذ حذفها كلها
(5) وترجم الأستاذ عبارة بقوله التجارة المنظمة مع أن معناها التجارة المشروعة؛ والفرق بين المعنيين كبير لأن النخاسة قد تكون تجارة منظمة. أما التجارة المشروعة أو المباحة فلا يمكن أن تشمل تجارة الرقيق
(7) ثم لينظر القارئ معنا إلى هذه العبارة التي يصف بها المؤلف عمل المراجعين الذين جاءوا لفحص حسابات إسماعيل
- ; ; ; ; , ;
ولينظر بعد ذلك إلى ترجمة الأستاذ صروف التي يقول فيها (إن فاحصي الحسابات (المراجعون) لا يهمهم عادة إلا فحص ما يقدم إليهم من سجلات ودفاتر ومن مستندات الديون التي هي للغير أو على الغير)
ونحن إذا تجاوزنا عن أسلوب هذه العبارة نرى أنها لم تؤد إلا جزءا يسيراً من معنى العبارة الإنجليزية. قد يكون في هذه العبارة الإنجليزية شيء من الصعوبة ولكن هذه الصعوبة هي محك القدرة على الترجمة وإلى الأستاذ ترجمة لهذه القطعة جامعة لكل ما فيها من المعاني:
(إن المحاسبين في العادة لا قلب لهم، وليس لهم شأن بإحساس الناس وعواطفهم، ولا يضعون نصب أعينهم إلا غرضا واحدا هو البحث والتدقيق، لا تأخذهم فيه هوادة. وكل ما يعنون به هو ما للشخص وما عليه سواء أكان ذلك حقيقة حاضرة أم تقديرا مستقبلا
(7) هل يصدق القارئ أن الأستاذ صروف قد ترجم
بقوله (قبل مغادرته السودان في مهمته الأولى) وهل يمكن أن لا يعرف الأستاذ صروف أن معناها (سافر إلى) لا غادر؟ وأين كانت مهمة غردون الأولى التي سافر إليها من السودان؟
إنا لا نكاد نصدق أن الأستاذ صروف قد ترجم هذه العبارة أو اطلع عليها وعلى الأصل بعد الترجمة
قال المؤلف في الأموال التي أنفقها إسماعيل في حرب الرقيق
فقلب الأستاذ صروف معنى هذه العبارة إذ قال: (ومع أن الاعتبارات المار ذكرها قد تسوغ إنفاق إسماعيل للمال الخ) مع أن الترجمة الصحيحة هي: وحتى لو كانت هذه الاعتبارات كلها تبرر إغفال الأموال التي أنفقها إسماعيل وتجيز محوها مسجل أعماله الأدبية الخ) وما اكبر الفرق بين المعنيين!
(8) وقال المؤلف في تقديره الأموال التي أنفقها إسماعيل في محارة النخاسة
فلم ير الأستاذ صروف أن يترجم هذه العبارة بأكثر من قوله (ولا يعزب عن البال) والأستاذ مولع بمثل هذه العبارة المبهمة فقد تكررت هي ولفظ (وعليه) أكثر من مرة بدل جمل طويلة ذات معان كثيرة في الأصل الإنجليزي
(10) ويقول القاضي كربيتس إن قناصل أوربا وأمريكا كانوا يجمون تجارة الرقيق، وأن السفن التي كانت تحمل العبيد كانت ترفع الراية الأمريكية ثم يقول بعد ذلك:
فقال الأستاذ صروف في ترجمتها إنهم كانوا بمأمن من تعرض قناصل أوربا وأمريكا) مع أن المعنى الحقيقي أن (قناصل أوربا وأمريكا كانوا يحمون هؤلاء التجار من أن يتعرض لهم أحد. ذكر المؤلف ذلك في الفقرة السابقة لهذه العبارة المنقولة من كتاب السير صمويل.
(9) هل سمع القارئ أن كلمة:
معناها (القرية المقصودة) هذا ما ترجمها به الأستاذ صروف بدل القرية الآمنة أو الغافلة عما يراد بها.
(10) وقال المؤلف عن العقد الذي كان بيكر وإسماعيل باشا أليس المعنى الذي يفهمه كل إنسان من هذه العبارة هو: ويلوح أن (السير صمويل بيكر) هو الذي كتب صورة العقد الذي يحدد علاقته بالوالي. لكن الأستاذ لم يفهمها كذلك بدليل أنه قال في ترجمتها (ويظهر أنه كان بينه وبين الخديو عقد لتنظيم علاقته به) وهذا ما لم يقله المؤلف، فإن وجود العقد لاشك فيه كما قال ذلك بصريح العبارة بعد سطر واحد من هذا الكلام ولكن الذي لم يتأكد منه هو أن كاتب هذا العقد هو السير صمويل بيكر.
(11) وقال المؤلف يصف صعوبة نقل المؤن والذخائر والسفن من مصر إلى السودان
-
فترجم الأستاذ صروف ذلك بقوله (كان يجب نقلها مسافات شاسعة جدا) وأين بقية المعاني؟ أين طرق نقلها - البواخر البحرية والقوارب النهرية وظهور الإبل؟
نكتفي بهذه الأغلاط من الفصل الخامس لننتقل إلى الفصل السادس لنبدأه بهذه الغلطة التي لا يصح أن يقع فيها مترجم.
(1) قال المؤلف عن الرجال الذين صحبوا بيكر في رحلته
, ,
أيدري القارئ ماذا قال الأستاذ صروف؟ قال: (أبطالها السير صمويل بيكر نفسه وابن أخيه واتباعه عبد القادر ومسلم ومنصور ورجل قبطي وطائفة من الاتباع والأنصار). أننا كلما أمعنا في قراءة الكتاب زادت شكوكنا في أن الأستاذ صروف قد ترجمه بنفسه أو اطلع على الترجمة، وإلا فهل كان يخفي عليه أن معنى العبارة هو: (أبطالها السير صمويل بيكر وابن أخيه وعبد القادر المسلم ومنصور القبطي وكل رجل من هذه الطائفة المصطفاة): قد يظن الأستاذ صروف أن الشولات تجيز له أن يفهمها كما فهمها ولكن ذلك ظن غير صحيح فعبد القادر هو المسلم ومنصور هو القبطي مهما وضع بينها من شولات
(1) وقال المؤلف في هذا المعنى نفسه:
فقال المترجم (لصوصها الذين تحولوا إلى الشهامة) وهي عبارة لا معنى لها ولا ندري لم لم يترجمها الأستاذ كما هي ليفهمها الناس فيقول (لصوصها الذين عدوا (أو اصبحوا) فيما بعد قديسين)
(3) وقال المؤلف يصف حفلة رفع العلم المصري على البلاد التي فتحها بيكر.
فقال الأستاذ صروف (ووقف الجنود بشكل ثلاث أضلاع من أضلاع مربع مستطيل) ولا ندري ما هو هذا المربع المستطيل ولا من أين جاء الأستاذ صروف بلفظ مستطيل التي أفسدت المعنى
(3) وقال إسماعيل في عهده إلى السير صمويل بيكر وهو ذاهب لمحاربة الرق
فقال الأستاذ صروف في ترجمة الجملة المنقولة عن وثيقة رسمية عظيمة القيمة: (فتجذب إليك القبائل) فأين هذا من معناها الحقيقي وهو أنك لا تلبث أن ترى الأهليين يستبدلون بعملهم المحرم عملا مشروعا)
(4) وقال المؤلف عن غردون وإسماعيل
ومعنى ذلك أنهما (من أشراف الإنجليز الذين يضنون بصداقتهما وثقتهما على أشرار الناس) ولكن الأستاذ صروف يترجم ذلك بقوله (وما كانا ليفرطا في صداقته)
(4) هل معنى (بعض الأرباح) أو معناها أرباحاً عظمية
(5) وقال المؤلف في معرض كلامه عن الضابط الأمريكيين الذين استخدمهم إسماعيل.
وهي عبارة معناها (لا توجد كتاب زرقاء تؤيد هذه الأقوال ولكن المترجم لسبب ما ترك هذه العبارة من غير ترجمة
(6) وقال إسماعيل في خطابه إلى رئيس الضباط الأمريكيين.
معناها أني أعتمد على حكمتك وإخلاصك وغيرتك) ولكن الأستاذ ظن أن مشتقة من لفظ فترجم العبارة كلها بقوله: (إني أعتمد على حبكم وإخلاصكم ومراعاتكم لشروط الكتمان) فغير بذلك المعنى وأفسد الأسلوب (7) وقال المؤلف يعلق على تعيين الجنرال استون رئيسا لهيئة أركان حرب الجيش المصري
. . .
وهي عبارة طويلة ترجمتها بالضبط (وكان لهذا التعيين معنى أبعد من مجرد! اختيار مت، ولورنج، وسيلي فجيش الوالي كان نحوي كثيرا من الضباط الأجانب. لقد كان اختيار هذا الضابط الأمريكي لذلك المنصب ثم اختيار عدد كبير من بني وطنه معه ذا معنى خاص. كان إيذانا بانقضاء عهد السيادة الفرنسية على مصر ولم يكن معناه أن إنجليزيا سكسونيا قد خلف غاليا (فرنسيا) أو أن الصقلي والتيوتوني قد ضعف آمرهما معا. لم يكن معناها ذلك بل كان معناه أن عهدا جديدا قد طلع على مصر وأن إسماعيل قد حرر بلاده من القيود الأجنبية واعتزم أن لا يكون لأحد سلطان عليه: نعم أنه استعان بالأمريكيين ولكن أحداً لا يجهل أن الولايات المتحدة لم يكن لها مطامع استعمارية في مصر أو في أفريقية
ثم انظر بعد ذلك إلى ترجمة الأستاذ (وكان لهذا التعيين مغزى ابعد من تعيين سائر الضباط الأجانب في جيش الخديو إذ كان نذيرا بانتهاء السيادة الفرنسية وببدء عهد جديد تتمتع فيه مصر باستقلالها ويصبح فيه الخديو سيد نفسه. ومما أعان على تحقيق ذلك ما يعرفه الخاص والعام من أن الولايات المتحدة كانت منزهة عن كل غرض استعماري أو غاية إمبريالستية في مصر وأفريقيا.)
لو أن الأستاذ كان يلخص الكتاب لجاز له أن يقول هذا القول على ما فيه من تغيير واختلاف عن قول المؤلف؛ أما الترجمة فلا يجوز فيها هذا. وقد حذفنا أصل هذه الفقرة الإنجليزي لأنه يشغل عمودا كاملا من الرسالة فليرجع إليه القارئ أن شاء ونؤكد له انه يطابق ترجمتنا مطابقة تامة
(8) هل يصدق القارئ أن الأستاذ صروف يقول (وفي وسعنا أن نخمن على تلك الأعمال) ترجمة لقول المؤلف.
الذي معناه (إننا نستطيع أن نتصور مجموع هذه المبالغ بوجه التقريب الخ)
ولنكتف بهذا القدر اليوم وموعدنا العدد القادم أن شاء الله الغنيمي