الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 200/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 200/الكتب

بتاريخ: 03 - 05 - 1937


عالم السدود والقيود

تأليف الأستاذ عباس محمود العقاد

للأستاذ كامل محمود حبيب

أهو كتاب أدب؟

أهو بحث فلسفي اجتماعي؟

اهو نقد يراد به إصلاح ناحية خاصة؟

أهو سرد حوادث مرت على عيني الكاتب فسجلها يراد المتعة وإزجاء الفراغ؟

أهو صرخة من أعماق قلب رجل طوحت به الأيام إلى قرارة سجن. . . فتلمس فيها الثورة والحنق. . .؟

أم هو ماذا؟. .

لقد كفانا الأستاذ - وهو يقدم لكتابه - مئونة التخبط بين هذه الأسئلة فقال: (لست أعني بها (الصفحات) أن تكون قصة، وإن كانت تشبه القصة في سرد حوادث ووصف شخوص؛ ولست أعني بها أن تكون بحثاً في الإصلاح الاجتماعي، وإن جاءت فيها إشارات لما عرض لي من وجوه الإصلاح؛ ولست أعني بها أن تكون رحلة، وإن كانت كالرحلة في كل شيء إلا إنها مشاهدات في مكان واحد؛ ولا أستقصي كل ما رأيت وأحسست وإن كنت أقول بعد هذا أن الاستقصاء لا يزيد القارئ شعوراً بما هناك، لا فرق بينه وبين الخلاصة إلا في التفصيل والتكرار. .)

نعم، لم يرد المؤلف شيئاً من هذا وإنما أرادها جميعاً، فجمع بين أشتاتها وألف بين أطرافها ثم زاد عليها نقداً في سخرية، وتهكماً في مرارة، بثهما في أعراض هذا السفر الصغير فهو قد قال في باب (المنع والترخيص). . (فإذا أبيح الشيء مرة فإنما يباح في حالة لا تسري إلى غيرها، وفي وقت لا يمتد إلى ما بعده. . الخ الخ) وفي قصة الفجل والجرجير ص52، ص53 نوع من هذا التهكم اللاذع

ولا يبرح الأستاذ العقاد في كتابه يطرفنا بنكتة مستملحة أو حادثة ممتعة منذ دخل في عالم السدود والقيود إلى أن خرج منه، ففي باب (الليلة الأولى في السجن) وكذا في باب (أحمد حمزة) من الدعابات ما لا يستطيع معها القارئ أن يمسك عن الانفجار ضحكاً وقهقهة كأنه أراد أن يزيل عن القارئ بعض ما يسيطر عليه من الجد وهو يقرأ، أو كأنه أراد أن يستحث القارئ فيدفعه إلى آخر صفحة من الصفحات، أو كأنه نسى بعض ما قاسى في السجن وهو يكتب. .!

وقد يجول بالخاطر أن الإجرام ينزع عن الإنسان إنسانيته فيبدو حيواناً مفترساً يفر منه الناس، خوف التعدي وخشية الضرر، غير إننا نرى في الكتاب براهين وأدلة تأتي على هذه الخاطرة من أساسها، نراها في الصفحات (73 - 80) وفي صفحة 197. . . وقد تدفع الضرورات رجلاً دمثاً إلى اقتراف جرم محظور، فيكشف ويناله الجزاء، إلا أنه لا يندر أن يظل بعدد ذلك رجلاً دمثاً كما كان. . .

وإذا كان (السجن إصلاح وتهذيب) كما يقولون؛ فلم لا نرى أثر ذلك في سجوننا لما ينال السجين من ظلم وإعنات وتحقير ومهانة واستصغار. وإذا كانت هذه الشدة تفيد في قليل من الحالات فما لا ريب فيه أنها تبذر الحنق والضغينة والحفيظة في نفس السجين إن كان دمثاً، وتغرس فيه الثورة والجموح إن كان شريراً. ولقد أشار المؤلف إلى نظام السجون الأوربية لنرى ما بيننا وبينهم من بون شاسع في هذه الناحية، وإن كان بعض الأمم قد جاوز الحد فيما خولوا السجين من حرية وتسلية. ولقد هفت بي نفسي نحو سجون موسكو - وأنا أقرأ بعض ما كتبه جيمس برفن ستيوارت ص210 إلى ص214 - لأستمتع بما يستمتعون به بعيداً عن عناء العمل، وعناء الأمل، وعناء الفكر، إلا أنني - واستميح الأستاذ عذراً - لا أستطيع أن أعمل ثماني ساعات كل يوم تتخلها ساعة واحدة للطعام. . .

ولقد رأيت في الكتاب هدوء من يقص قصة لا تضطرب حوادثها في نفسه، ولا تلمس مفاجآتها قلبه، فعجبت - بادئ ذي بدء - غير أني عدت إلى نفسي فقلت: لعله النسيان قد محا كثيراً من الذكرى، أو لعله الاطمئنان إلى كل ما يجيء به القدر، أو لعله الإيمان بالتضحية، أو لعلها حكمة الشيوخ ورزانتهم لا تعبأ. .

هذه كلمة إن لم يكن فيها الاستقصاء ففيها التعريف بالكتاب وليس بالمؤلف.

كامل محمود حبيب أحسن القصص

للأساتذة: محمد عطية الأبراشي، محمود السيد عبد اللطيف،

حسن محمد جوهر

القصة ضرب من الأدب الرفيع تتجمع بين رقيق النثر ورشيق الشعر، فلها من الشعر سحره وجماله، ومن النثر ترسله وانسجامه، يسير سلساً كالماء ساعة الأصيل رقراقاً كالنسيم العليل، لا تقف في طريقه جنادل الأوزان، ولا يغل بأغلال القافية، وقد صيرت وزارة المعارف القصة أساساً من أسس التعليم في منهج المدارس الابتدائية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وتنافس الكتاب في إصدار القصص، فهذه قصة تاريخية، وتلك جغرافية والأخرى أدبية، والتلاميذ يستسيغون جميع ذلك

وبينا نحن نتمنى للقصة (في أفق المدارس) الكمال والسلامة من زيف الخيال، وزيغ المطابع والأقلام برزت الحلقة الأولى من حلقات (أحسن القصص) لأساتذة أمجاد بارعين فإذا هي مزيج من الأدبين العربي والإفرنجي، وصلة بين الخيالين الغربي والشرقي في أسلوب هو - كما يقولون - السهل الممتنع، والقريب البعيد، وإذا كان هذا أول الغيث، فإنه غيث ممرع، وصيب بالخير مترع، فالحلقة خالية من التكلف والصنعة مفعمة بالروعة والمتعة، قد أنفق عليها مؤلفوها عن سعة إيماناً بفنهم واطمئناناً إلى آثارهم، فالغلاف جميل أنيق يحدثك دون قراءة عنوانه أنه قصة، وتنطق ريشة المصور بأنها ساحرة، والورق ناصع، والطبع صاف دقيق والصور خلابة، وإن بدأ القارئ أن الكتاب في غنية عن التصوير؛ فقلم كاتبه أفصح من ريشة مصوره، وسحر عبارته آخذ من دقائق صورته.

يشتمل الكتاب على أربع قصص: قصتين عربيتين وأخريين مصريتين، تلمس في الأولى حياة العرب في حضارتهم وجدهم في دعتهم، ومزحهم في حكومتهم، وسماحتهم في ضيافتهم، وتقرأ في الثانية مثلاً لحقد المرأة، وآخر للحب الظافر، وفي الثالثة وصف محكم للصحراء وجوها وللواحات وثمراتها، ولصبر البدو وعزمهم ووثباتهم على العقبات في جلد وصرامة، وتنتظم الرابعة مواقف محرجة سهلة الابتداء عسيرة الانتهاء، وفيها مثل نبيلة للحنو والعطف.

وإذا كان على الناقد أن يتقصى الحسنات والسيئات فأنا لا نكاد نلفي في هذه الحلقة سيئات تذكر، اللهم إلا هنات تبدو كالكلف في جبين الحسناء، من ذلك أن صورة الغلاف لا تمثل منظراً في الكتاب، والرقصة الموصوفة بأنها عربية في (خليفة في الخيال) لا تمت إلى العرب من قريب أو بعيد، كما أرى وجوه الراقصات وجوهاً غير عربية، فالوجه العربي مستطيل غالباً، وأرى أن توضيح الصور بالكتابة تحت الرسم تزييف لها، فللرسم لغته، وهو غني عن الكلام، وإلا عد دليل الضعف والقصور، وتسمية القصة الثالثة (عزة في الصحراء) تسمية غير موفقة إذ مكانتها في القصة ثانوية ولا يرفع من منزلتها أنها وحيدة أبيها، ولفت نظري تكرار عبارة (حباً وكرامة) في روايتين عربية وإفرنجية، وحبذا لو نوعت العبارة ولدى المؤلفين من أفانين القول معين لا ينضب، على أن الكتاب مع ذلك طاقة يانعة من أزاهير الجمال

المعادي

عبد العظيم علي قناوي