مجلة الرسالة/العدد 20/دائرة المعارف الإسلامية
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 20 دائرة المعارف الإسلامية [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 01 - 11 - 1933 |
نقد وتقدير
للأستاذ إسماعيل مظهر
(10) ولكنه كان برغم عقيدته المسيحية محوطا (كذا) بالأتراك (ص 22 نهرا) والأصل الإنجليزي كما يلي:
. . . ,
والفرق بين الأصل والترجمة شاسع بعيد، لأنك عندما تقول بأن فلانا كان محاطا باللصوص شيء يختلف كل الاختلاف عن قولك أن فلانا اتخذ لنفسه بطانة من اللصوص. والذي يرمي إليه الأصل هو أن فلانا هذا (على الرغم من عقيدته النصرانية اتخذ له بطانة من الأتراك) لأن مجرد أن يكون محاطا بالأتراك لا يؤدي المعنى المدرك من الجملة الأصلية، ويدل في جملة ما يدل عليه أنه كان محاطا بهم ولم لم يكن له رغبة في أن يكونوا من بطانته أو حاشيته؛ وأنه كان محاطاً بهم عنفا وأثرا على الرغم من إرادته. وقد جاء في القرآن: (إلا أن يحاط بكم). وليس شيء في هذا بمحمول في الأصل. ومثل هذا التفريط لا يصح أن يقع فيه شباب مثقفون تصدروا إلى إخراج عمل أدبي عظيم كدائرة معارف الإسلام.
(11) وهنا ننتقل إلى مادة أخرى هي مادة (أباضيون) وقد جاء في هذه المادة (ص 13 نهرا) ما يأتي:
(وانتشر بسرعة بين البربر حتى أصبح المذهب القومي لهم، اتخذوه ذريعة لنضالهم مع أهل السنة من العرب) والنص الإنجليزي كما يلي: -
,
وهنا نلاحظ أولا أن كلمة الإنجليزية لا تأتي مطلقا بمعنى أنتشر. لأن انتشر تؤديها كلمة ولكن الأولى تؤدي دائما معنى التوسع في الشيء أو نشوءه وتطوره. وثانيا أن المترجم قال: (اتخذوه ذريعة لنضالهم مع أهل السنة من العرب) فجاءت الجملة غامضة لأنه لم يفصح عمن اتخذوه ذريعة في حين انها بينة في الاصل، والسبب في هذا راجع إلى أنه أهمل كلمة ولو عني قليلا بالترجمة لقال (اتخذه العرب الأفريقيون ذريعة للنضال مع أه السنة) وإذن تستقيم الجملة وتنطبق على الأصل ويزول عنها الغموض.
(12) وجاء في هذه الصحيفة ما يأتي:
(ولعب أباضيو طرابلس وأفريقية. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الدور المهم في ثورة القرن الثاني الهجري التي كادت تجرد الخلافة من أفريقية) والأصل الإنجليزي كما يلي:
. . . . . . . . . . . . . .
وبالمقارنة بين الأصل والترجمة تجد وضوحاً في الأولى وغموضا في الثانية. السبب في هذا أن المترجم أهمل كلمة وهي حجر الزاوية في الجملة فقال: (ثورة القرن الثاني الهجري) وكان يجب أن يقول: (ثورة البربر في القرن الثاني للهجرة) لأنك لم تعرف من الذي ثار، ومثل هذا التفريط مفسدة للتاريخ وتعقيد على المطالع لا سبب له إلا التعجل في إبراز الآثار الأدبية. ثم أن كلمة الإنجليزية لا تؤدي معنى الثورة فعلا، بل تؤدي معنى فتنة، لأن الثورة لا بد من أن يعقبها انقلاب حقيقي في نظم الحكم أو في قوام الدولة كالثورة الفرنسية وكالفتنة المصرية. والفتنة لا تؤدي المعنى المقصود في الثورة الفرنسية أو انقلاب روسيا الحديث. والإنجليز شديدو الحرص على مراعاة مثل هذه الفروق. لأن التخليط فيها تخليط في التصور الذي ينتج عنها.
(13) (تفرق شمل الاباضيين في صحراء تونس والجزائر) الخ (ص13 نهر21) والأصل الإنجليزي كما يلي:
,
وأنت تقول تفرق شمل الجيش أو الجماعة ولكنه يجوز أن يجتمع شملهم مرة أخرى، ولكن الأصل الإنكليزي يريد أن يقول على الضد مما أراد المترجم أن الأباضيين عاشوا مشردين (آفاقين) في جماعات مصادفة وأتفاق، وشتان ما بين المعنيين لأن كلمة قد أثبتت في المعاجم الكبرى، وكما تدل حقيقة، وأمامها (أتفاقاً، واقع متفرقاً)، (راجع بدجر ص 1009) وفي هذا تفريط لا يستهان به.
(14) وجاء في نفس الصفحة والنهر: (ولهم أدب ديني تاريخي هام: وجماعاتهم دائمة الاتصال بعضها ببعض تحرص حرصاً شديداً على حماسها المتأجج) والعبارة هنا عبارة فرنسية في كلمات عربية، ولا تمت للأسلوب العربي بأي سبب، ولكن على الرغم من هذا ترجع إلى الأصل الإنجليزي فتجده كما يلي:
,
والفرق شاسع بين الأصل والفرع، فقد قال المترجم: (ولهم أدب ديني تاريخي هام) والواقع أن الأصل لا يحتمل هذا المعنى مطلقاً، فأن المؤلف يريد أن يقول برغم المترجم: (لهم مؤلفات، دينية تاريخية ذات وزن) والسبب في خطأ المترجم أنه ترجم كلمة (بأدب) ولكنها في هذا الموضع تدل على المؤلفات والآثار الأدبية كما يقول فلا يصح أن نترجمها (الأدب العلمي) بل نقول المؤلفات العلمية، وقول المترجم (أدب ديني تاريخي) يدل على أن هذا الأدب قاصر على الكلام في الدين من طريق اتصاله بتاريخ نشوء دينهم. والأصل يريد أن يقول (مؤلفات دينية وتاريخية) والفرق ظاهر جلي، ولأن في الإنكليزية حرف عطف يا سيدي المترجم، وعلى الرغم من أن المترجم فصَّل من الجملة الواحدة ثلاث جمل مفككة مما نغضي عنه تجاوزاً، فأنه قال في عرض الكلام عن جماعات الاباضية أنها: (تحرص حرصاً شديداً على حماسها المتأجج) وعلى الرغم أيضاً من أن معنى (الحرص) لا أصل له في الجملة الإنجليزية، بل أن تفيد معنى الاحتفاظ بالشيء في مستوى بعينه، فأنه أردف الحماس بالمتأجج وصفاً له. والمتأجج لا أصل لها في الأصل الإنجليزي. فخرج بذلك عن وظيفة المترجم الأمين إلى وظيفة محرر جريدة يحاول أن ينمق كلامه بالخطابيات. ولو أنه أراد أن يترجم كلمة ترجمة حسنة فيها احتفاظ بالأصل، وفيها ما يريد من تأجج الحماسة لقال (حميتهم) لأن الحمية فيها الحماسة وفيها تأجج الحماسة معاً.
(15) (ولقد أنقسم الأباضيون الأفريقيون ثلاثة أقسام سياسية ودينية على السواء (ص13 نهر 2) والأصل كما يلي:
,. .
وكان الواجب ان يلاحظ المترجم أن كلمة لا تترجم بقسم لأن قسم هو يجب أن تترجم بفرقة أو شيعة. وقال المترجم (أقسام سياسية دينية) وهذا بعيد عن الأصل لأن التعبير الأصلي يريد أن يقول (ثلاث فرق أو (شيع) لكل منها لون سياسي وآخر ديني) والله أعلم.
(16) (ومن الطبيعي أن يعارض الأباضيون بشدة في اتهام أهل السنة لهم بالكفر (ص13 نهر 2) والأصل كما يلي:
,
ونحن نترك للمترجم الفاضل قوله (يعارض الأباضيون بشدة) لتقابل برغم أنها خطأ. ولكننا لا نستطيع أن نترك ترجمة كلمة بالكفر، لأن كلمة معناها الهرطقة. وبين الكفر والهرطقة فارق ما كان ليجل عن فهم المترجم لو أنه أراد وصبر على مكاره البحث. ذلك لأن الهرطقة درجة من درجات الكفر. والكفر خروج من دين إلى دين آخر، ومن درجاته الهرطقة والزندقة والردة وغيرها فقد يكون الإنسان هرطوقاً أو زنديقاً. ولكنه يبقى مسلماً يحتاج فقط إلى تصحيح دينه، كما يحتاج المترجم الفاضل إلى إصلاح ترجمته، ويبقى مع ذلك مترجماً. ولكن الكفر خروج من الدين. وكلمة هرطوق وجمعها هراطقة، أو أرطوق وأراطقة، من المعربات التي دخلت اللغة العربية وأصبحت صحيحة (راجع محيط المحيط). ولئن غضب الأباضيون على أهل السنة على رميهم إياهم بالهرطقة لا غير؛ فكم يكون غضبهم على المترجم الفاضل على رميهم بالكفر؟ نرجو من الله ألا يسمع الأباضيون خبر ذلك.
(17) وجاء في (ص 14 نهر 2) ما يأتي: (وهذا النقاء سواء أكان عن إخلاص أو تظاهر يجعل منهم كتلة متجانسة متآلفة متمايزة تمام التمايز بسلوكها وأخلاقها وميولها بين أهل السنة من العرب والبربر) في شمال أفريقية والأصل كما يلي:
, ,
وأريد الآن أن أختتم هذا النقد حذر أن أطنب وإن كانت ترجمة دائرة معارف الإسلام جديرة بأكثر من هذه العناية.
قال المترجم أن هي النقاء، ولا أعلم كيف جاز له أن يستخدم هذا الاصطلاح المبهم، وحقيقتها (صوفية أو تصوف)، (أنظر بدجر ص 820) ولكنها ليست الصوفية او التصوف كما عرفه العرب؛ لأن صوفية العرب جاءتهم من ناحية الهند تغليباً أو من ناحية الإسكندرية ترجيحاً، بل هي الصوفية كما عرفت عند شيعة كنيسة نصرانية، لأن الكلمة هنا قد وضعت لتدل على وجه من الشبه بين الفئة التي يتكلم فيها المؤلف وبين فئة ظهرت في ثنايا الكنيسة النصرانية، ونقاء ترجمة حرفية لكلمة ومنها ولكن الخطأ في أن تستعمل بنصها الأصيل لتدل على مذهب. وإلا لجاز لنا ان نترجم مثلاً اصطلاح بالغموضية أو الإبهامية في حين أنها وضعت لتدل على مذهب الجمود الفلسفي، ووضع المترجم الفاضل كلمة (تظاهر) لتقابل في الأصل كلمة وحقيقتها مراءاة أو نفاق. (أنظر بدجر ص 750).
وقال المترجم (متمايزة بسلوكها وأخلاقها وميولها بين أهل السنة من العرب والبربر في شمال أفريقية) والحق أن المؤلف يريد أن يقول (مميزة بسلوكها وأخلاقها وميولها عن أهل السنة أو بربر شمال أفريقية) فأن استعمال (بين) يدل على خطأ في الجملة يفسد مرماها وقوله (العرب والبربر) خطأ افظع من الأول لأن تترجم (أو) في الإنجليزية وقد أستعمل بدلها حرف عطف هو (الواو) تقابلها في الإنجليزية فأفسد بذلك المعنى.
على أني لا يسعني إلا أن أهنئ لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية من كل قلبي على عملها المجيد راجياً أن تسير فيه موفقة مسددة الخطو بأذن الله.