مجلة الرسالة/العدد 2/العَالم النسَائي
→ مدام دي لوزي | شعوري نحو مصر والمصرية العَالم النسَائي [[مؤلف:|]] |
اشتراك الفتاة في الحياة العملية ← |
بتاريخ: 01 - 02 - 1933 |
شعوري نحو مصر والمصرية
كاتبة هذا المقال سيدة سويسرية واسعة الثقافة دقيقة الملاحظة
صافية الشعور وقد وعدت الرسالة أن توالي الكتابة في هذا
الموضوع فلها الشكر. (المحرر)
مصر اسم يخلب اللب ويسحر القلب ويستثير حتى في أجفى الناس طبعاً صورة هذا البلد الفاتن والطبيعة الخصيبة والبدر اللامع ويلهم النفوس ذكرى هذا الماضي العريق والمدنية القديمة والعظمة الفرعونية وقصص ألف ليلة وليلة الرائعة، وقد أنهكتها جهود المدنية الأولى فاستجمت بعد هذا الشوط البعيد حقبة طويلة من الدهر ما تزال تتذوق فيها خيال هذا الماضي العظيم وسلطانها السالف!
وكم من عاشقين غمرتهم شمسها الضاحكة بالفرح والسعادة ودفء القلوب!
وكم من خياليين جاشت نفوسهم في ربوعها ومجاليها بالأخيلة السعيدة والأحلام البهيجة!
وكم من مترفين ملئوا فراغ حياتهم وخيالهم بمباهجها ومناظرها وقضوا شهوة التطلع من عجائبها ومن المتناقضات فيها!
أليست تجمع في الواقع الكثير من هذا التناقض؟ فيجاور الجاه العريض والرغد الوفير البؤس الساحق والفقر المدقع؟
الست ترى السيارات الفخمة ذات الفرش الوثيرة عند مداخل الملاهي والغلمان الضريرين يستدرون الرحمة ويسألون العطف في أسمال رثة؟!
على أن المدنية تسير فيها الآن بخطى واسعة سريعة. ففي الحين بعد الحين يبدو بين الناس رأى ناضج أو صناعة رائجة فتكون الدليل الساطع على الفوز والنجاح. على أن كثيرا ما فارت حماسة الناس ثم قرت، واتقدت شعلتهم ثم خبت، ما أشد حاجتهم إلى ملكة الاستمرار والاستقرار!
ولطالما سئلت عن رأيي وشعوري في مصر. وكان جوابي واحدا لا يتغير، أنها ككل بلاد العالم فيها الطيب والخبيث، على أننا إذا قدرنا أن العوامل الاجتماعية وظروف الحياة تخلق الأمم كما تخلق الفرد وجب ألا يغيب عن أذهاننا تأثير هذه الظروف والعوامل حين الحكم على مصر التي تجاهد الأيام لاستعادة عظمة القرون الأولى.
فإذا أردت أن أتحدث عن شيء فيها فأنا أتحدث عن أقوى العوامل أثرا في تكوينها، وهو المرأة في مختلف أطوارها وأدوارها ومسؤولياتها وواجباتها.
وقد يبدو للنظرة الأولى أن أثرها ضئيل، فما وجه العلاقة والخطر بين هذا المخلوق الخانع قليل الحظ من العلم ومن عظمة الأمة ومجد الوطن؟
لقد قضيت الآن في مصر ثلاث سنين شعرت فيها بجاذبية غريزية تجذبني نحو المرأة، واغلب ظني أنها تحتاج إلى عناية اكثر وجهد أوفر، فأنها أس الحركة الروحية وجماع الأسرة وروحها الجياشة وشريك الزوج ومربية الأطفال وربة الدار.
ولقد استطعت أن اقدر وأنا أعيش في بيئة مصرية محضة أن المرأة لا تستطيع أن تكون كل ذلك إلا إذا بذلت أعظم مجهود وتغلبت على كل صعوبة فأنها ما تزال ترسف في أغلال العادات وتعليمها لا يزال ناقصا، وشعورها العميق الذي ولده التقليد القديم بأنها مخلوق تافه الشأن ضئيل الوجود يقتل في نفسها أسمى معاني الحياة.
وهي بطبيعتها مقلدة غير مستقلة، فكم شاهدت سيدات الأسرة الواحدة لا يختلفن في القناع والمعطف والفراء وقد نبذن عصابة الرأس الشرقية التي كانت تلائم الوجه الشرقي كل الملائمة.
على أن البدء عسير عادة، والمرأة المصرية ما تزال في خطوات التطور الأولى، بل قد يكون البدء في بعض الأحيان مثيرا للإشفاق والنقد، فإننا إذا لاحظنا زينتها وتجملها رأينا ما يبعث أحيانا على السخرية، فليس اضحك من وجه شرقي الملامح زاد الكحل عينيه الدعجاوين سوادا، وشفتين خضبهما الأحمر القاني، وشعر قد حاله الأوكسجين إلى اصفر فاقع.
فنصيحتي إلى المصرية العزيزة أن القصد والبساطة في التجمل والزينة هما سر رشاقة المرأة وأناقتها.