مجلة الرسالة/العدد 199/وفاة شاعر تركيا الكبير
→ في الأدب المقارن | مجلة الرسالة - العدد 199 وفاة شاعر تركيا الكبير [[مؤلف:|]] |
على هامش كتاب ← |
بتاريخ: 26 - 04 - 1937 |
عبد الحق حامد بك
1851 - 1937
ولد عبد الحق حامد بك يوم 5 فبراير سنة 1851 بجهة ببك من الآستانة. والده خير الله أفندي من المؤرخين المعدودين. وجده حكيم باشي مُلا عبد الحق
تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة (كوليج روبرت) الأمريكية، وتلقى دروسه العربية والفارسية على معلمين خصوصيين وهم الأستاذ بهاء الدين، وسليم ثابت، وخوجا إحسان. وقد ظهرت عليه مخايل النجابة والذكاء من صغره حينما كان يقرأ في المدرسة المذكورة فعرف له ذلك معلموه في المدرسة ومعلموه الخصوصيين
يعرف عبد الحق حامد من اللغات عدا التركية - الإنكليزية والفرنسية والعربية والفارسية معرفة تامة، وله في أدبيات هذه اللغات تعمق ونظر نافذ شهد له به كل من عرفه من أهل تلك اللغات
ولما كان له من العمر ستة عشر عاماً عين والده سفيراً لطهران فذهب معه، وهناك توفي والده فعاد إلى الآستانة ولازم قلم الترجمة في الباب العالي. ثم أخذ ينشر أسفاره وابتدأت شهرته تذيع بين الأدباء فتعرف وهو شاب بسبب شهرته بالأديبين الكبيرين في ذلك الوقت شناسي ونامق كمال الدين؛ عرفا للشاعر مزيته وقدرا نبوغه في ذلك الحين. وكان بالأخص الصديق الحميم لنامق كمال الذي يكبره باثني عشر عاما
عين وهو في الخامسة والعشرين من عمره كاتباً ثانياً بسفارة تركيا في باريس، ثم رقي إلى (باشكاتب) بسفارة تركيا في لوندرا، ثم عين شاهبندراً في بومباي، ثم عاد إلى (باشكتابة) سفارة باريز مرة ثانية؛ وآخر وظائفه الحكومية تعيينه سفيراً في بروكسل 1908. وأخيراً عاد إلى تركيا بعد إعلان الحرب فانتخب عضواً في مجلس الأعيان وتولى فيه نيابة الرياسة مراراً وإلى حين وفاته شغل دورتين في انتخاب مجلس الأمة الكبيرة في عهد الجمهورية 1931، وكان في المجلس المذكور أكبر الأعضاء سناً
آثاره الأد أبتدأ أثناء إقامته في أوروبا (وقد قضى عشرين عاماً في لندرا) ينشر آثاره البديعة متبعاً طريقة جديدة مما أقتبسه من الآداب الغربية فاستحق بما أبدع من التجديد أن يشغل أعظم محل من الأدبيات التركية. وطار صيته وتسنم ذروة الشهرة بما كتب في رثاء زوجه فاطمة التي توفيت أثناء عودته من الهند ودفنت في بيروت. فكان لأثره المسمى (مقبر) أثر في الأدبيات التركية بلغ درجة الإعجاز. ثم انتشرت مؤلفاته الكثيرة التي منها:
مقبر - أولو - ماجراي عشق - أشبر - ته زاد. صبروتبان - طارق بن زياد - نظيفة - فينتين - ديوانه لكلرم - نسترين - صحرا - عبد الله الصغير - تفيله - طيفلر كجيدي - زينب - ساروانبال - فتنت - آلام وطن - دوهتري هندي - طورخان - ايجلي قيز - روحلر - بالادن برسس. ابن موسى - ارخيلر - غرام - يبانجي دوستلر - وغير ذلك من آثاره النادرة المثال. وقد منع من النشر أكثرها زمن عبد الحميد بدعوى أنها مسممة لروح الشباب، مهيجة للأفكار على حكومة الاستبداد.
ولكنه تبوأ بتآليفه هذه أعظم مكان في نشر الأدبيات الغربية التي بدأ بنشرها قبله شناسي ونامق كمال، ولكن عبد الحق حامد فاقهما وأربى عليهما بما وفق إليه من الأسلوب العذب والصناعة الأدبية الفائقة، فنال عنوان أمام المجددين دون رفيقيه الذين تقدماه. وظل مدة ستين عاماً أستاذاً للأدباء الأتراك فأسدى إلى اللغة التركية والأدب التركي من التجديد والاختراع ما ليس له نظير ولن يكون له نظير فيما بعد.
يقول الأدباء الأتراك: لولا حامد لتأخر انتشار الأدب الغربي في بلادنا عصراً كاملا، ولظل مكان حامد فارغاً كما سيظل الآن خالياً؛ ولكن لله الحمد جاء حامد وأدى ما لم يمن غيره ليؤديه للأدب فكان أدبه حياً ملهماً من شعور الأمة، لا بل الأمة هي التي تستلهم من شعوره الحساس وروحه الفياضة، فهو في شعور الأمة وحياتها من الخالدين إلى الأبد.
وخلاصة ما يقال شعر حامد بك وطريقته الأدبية، أنه لم يتقيد بالمألوف القديم من شعر الدواوين، بل أبتدع طريقة عصرية جديدة، لا يقال أنها اليوم أساس المدرسة الأدبية التركية، بل ستكون في المستقبل أيضاً منبع الإلهام الفياض لآداب الأجيال المقبلة.
كان يرجح الأدب الروائي في مؤلفاته وينتخب موضوعات تاريخية يبرزها في صور شائقة ممتعة (لتقرأ أكثر منها لتمثل) بلغة سهلة ممتعة تدل على براعته واقتداره في صنعته التي جعلته نسيج وحده.
توفي مساء الاثنين 12 أبريل الجاري عن 86 عاماً قضاها في خدمة وطنه وخدمة الأدب حتى أنه قبل وفاته بيوم واحد استجمع قواه وقام إلى مطالعة كتبه والبحث في تأليفه الأخير الذي يقال أنه سيكون أعظم أثر أدبي عصري، وتذاكر مع الأديب الكبير أحمد فاضل وأنشده بيته الأخير وهو قوله:
ذوق يوق كيجه سنده كوندزنده ... بن نه ايله يم بوير يوزنده
ومعناه تقريباً:
مالي ودنيا كثرت أكدارها ... لا ليلها يصفو ولا نهارها
وكانت وفاته تشابه وفاة شاعرنا الزهاوي من بعض الوجوه. فبينما كان جالساً في نادي الشرق أحس بألم شديد اضطره إلى الذهاب إلى بيته واستدعي إليه الطبيب؛ وبعد فحصه أوصى بألا يخرج من البيت ويلزم الراحة التامة. وبعد ذهاب الطبيب أشتد عليه المرض، وتحسنت صحته في الغد فأحضر له طعام فلم يقبله، وطلب فاكهة أكلها (كما أكل الزهاوي كماة) ثم قام كما قدمنا إلى كتبه وتأليفه ومذاكرة الأديب أحمد فاضل وأنشده بيته الأخير الذي ترجمناه. وفي اليوم التالي أشتد به المرض إلى الظهر، ثم نام نوماً هادئاً إلى الليل، وانتبه مدة ثم نام النومة الأبدية رحمه الله. وخلف عدا بناته من زوجه فاطمة ابنه عبد الحق، حسين وحميد. وقد تزوج بعد فاطمة بالسيدة الإنجليزية نيللي التي عاشرته عشرين عاماً، ثم تزوج بعدها بالسيدة لوسيان البلجيكية التي مات عنها. ولم يولد له من الأخيرتين أحد
وقد شيعت جنازته باحتفال فخم لم يسبق لأديب أن شيع بمثله؛ اشتركت فيه الأمة التركية بدافع المحبة والتقدير لشاعرها الكبير. وأرسل رئيس الجمهورية أحد ياوريه نائباً عنه من أنقرة. ووضعت جنازته على عربة مدفع ملفوفة بالعلم التركي. ودفن في المقبرة العصرية في زنجير لي قويو؛ وهذه المقبرة أنشأتها البلدية حديثاً، وسيكون الشاعر العظيم أول دفين فيها. وسيقام له تمثال في مكان لائق. رحمه الله واسعة
رفيق آطالاي