مجلة الرسالة/العدد 199/زهرة في مستهل الربيع
→ بين القاضي منصور الهروي | مجلة الرسالة - العدد 199 زهرة في مستهل الربيع [[مؤلف:|]] |
البَريد الأدَبيّ ← |
بتاريخ: 26 - 04 - 1937 |
للأستاذ محمود الخفيف
قد بعثْتُ القديم من أحلامِي ... إذ تَبَسَّمْتِ للربيع الجديد
يا ابنْةَ الصبح قد ثكلْتُ غرامي ... وتأسَّيْتُ من زمان بعيد
ما لهذا النّدَى يزيد أوامي ... ويُثير الجوى بقلبي الشهيد!
فيم أحْيَيْت بابتسامك وجدي ... يا عروس الربيع رفقاً بقلبي
كيف أصبْو إلى جمالك وحدي ... أيُّ حُسنٍ يخالج اليوم لبي؟
يتساوى القتاد والزهر عندي ... وتناسيَّ ماضي العيشَ حسي
يوجعُ النفس أن ترى اليومَ حُسناً ... كان بالأمس من بهيجِ رواها
تنظرُ العين لا ترى فيك معنىً ... من معاني الجمال إلا شجاها
أغنْيِات المنى تألفن لحناً ... صارَ للنفس من صميم أساها!
صوّرَت لي كآبة العيشْ حولي ... عند لقياكِ كلّ معنى كئيبِ
ذائب الطل ليسَ عِنْدِي بِطَلٍّ ... هو سَحُّ الجفون عند النحيب
وكأنّ الزمان مسَّكِ مثلي ... بالضنّى كفهُ وبالتعذيب
إنَّ هذا النّماَء يوحي لنفسي ... صوراً هُن من نسيج الفناء
سَوْفَ يُطوَى بهاؤه حين يمسي ... يوْمَكِ الضاحكُ المديد الضياء
كلما زاد قلَّ رونق أمسْي ... يا لموْتٍ رأيته في النَّماء!
هكذا يا ابنْة الربيع حياتي ... غير أني معذَّبٌ بشعوري
حائر النفس بين ماض وآت ... غاب في لُجَّةِ الزمان حبوري
سوْفَ تطوي يد المنية عمري ... بعد أن يُطفئ الزمان شبابي
لِلوَنى والنحولِ في الدهر سيْري ... لا ترى العينُ غيرَ لمع السراب
فسواء صبرْتُ أم رثّ صبري ... وسواء مسرَّتي واكتئابي
فيكِ رمز لكل ما هو فانٍ ... عابر لن يقيم إلا قليلا
يا عروس الربيع كم من معان ... فيكِ زادت غليل قلبي غليلا
يا لقلبي ما طارقات زمان ... لم تذَر لي في الكون معنىً ج أنتِ كالعيش فتنة وغرور ... وأمانيُّ كلها للنَّفاد
أنتِ كالحب نشوة وفتور ... ورُؤى تَمَّحى بلا ميعاد
لمع كلهن مَيْن وزور ... الليالي لهنَّ بالمرصاد
خيلت لي عيناي صورة أنس ... برهة ثم خيلت لي ثبورا
ورأى القلب فيكِ موحش رَمْسٍ ... يضحك الزهر فوقه منثورا
لَسواء زينت ساحة عرس ... يا ابنة الصبح أم كسوت القبورا
موْتكِ الباكر المحتم يوحي ... لفؤادي الهموم من كل جنس
كم صبي كالزهر غض صبوح ... كالرياحين عوده طيب غرس
ناعم كالملاك رقة روح ... موته يوجعُ القلوب ويؤسي!
كم فتيٍّ في ضحوة العمر ولى ... مثلما متِّ، نابهٍ عبقريِّ
ومحيا من ضاحك الزهر أحلى ... قد محاه الفناء قبل الذُّوِيِّ!
كنت ألقاك في الربيع فألقى ... ألف معنى في سحر ذاك الشباب
يمعن الحس عند مرآك عمقاً ... فأرى الروح من وراء حجاب
وكأني والقلب يسجد خفقاً ... هيكل ليس ينتمي للتراب!
ينجلي فيكِ والزمان نضير ... ومعاني الربيع تملأ نفسي
أمل ضاحك وعيش غرير ... وطيوف تثير كامن حسي
كان لي منك في الصباح بشير ... وأنيس إن غاب طائر أنسي
يا ابنة الصبح كم رأى الصبح مني ... نظرات المتيم المسحور
من بنات الهديل أقبس لحني ... حبذا السجع في صفاء البكور
وسطور الرياض تبهر عيني ... فأملي بوشيهن سطوري
كان هذا الزمان حلماً تقضى ... أي حلم خياله لن يزولا
أي حسن يبقى على الأرض غضاً ... آية الحسن أنه لن يطولا
كم قطعت الرياض طولا وعرضاً ... فرأيتَ النماء ثم الذبولا
يا ابنة الصبح قد ذكرت زماني ... حين أومأت في رواء بديع
كل شيء بعثت إلا الأماني ... أفلا كنت مثل هذا الربيع؟ الخفيف