الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 194/شاعر الإسلام محمد عاكف

مجلة الرسالة/العدد 194/شاعر الإسلام محمد عاكف

بتاريخ: 22 - 03 - 1937


للدكتور عبد الوهاب عزام

- 4 -

نشر محمد عاكف شعره في سبعة أجزاء صغار كلها تحمل اسم (صفحات) ولكل جزء عنوان خاص ما عدا الجزء الأول وهي: -

1 - الجزء الأول وقد وضع عليه بعد العنوان العام: (صفحات) هذا الاسم (برنجي كتاب) أي الكتاب الأول. وفي هذا الجزء أربع وثلاثون منظومة في موضوعات شتى. ويتبين فيها كلف الشاعر بالتخلل في طبقات الأمة، ووصف المعيشة العادية، والواقعات المألوفة يكشفها عما وراءها من عظات، وينطقها بما استسر على الناس من عبر. وحسب القارئ أن يرجع إلى المنظومات: قفة وحصير، والحانة، وقهوة المحلة، ليرى قدرة الشاعر على تصوير الحياة وجلائلها ودقائقها في بيان يجمع يسر النثر إلى جمال الشعر.

وقد عرف قراء الرسالة من منظومات هذا الجزء اثنتين: سيفي بابا، والزامر الأعمى.

2 - والجزء الثاني سماه الشاعر: (في كرسي السليمانية) (سليمانية كرسيسنده). وهو منظومة مزدوجة فيها زهاء ألف بيت يصف فيها جامع السلطان سليمان القانوني أعظم مساجد استنبول، ويتحدث على لسان واعظ سياح اعتلى كرسي الوعظ في هذا المسجد واصفاً ما شهده في سياحته من أحوال المسلمين ويبين أدواءهم وأدويتهم. وقد أختار لهذا الحديث السائح المعروف عبد الرشيد إبراهيم الذي يطوف في أرجاء العالم منذ ستين سنة أو أكثر، والذي قدم مصر مرات آخرها قدومه قبل سنتين في طريقه إلى اليابان؛ وهو اليوم نزيل طوكيو، فعليه منا تحية وسلام.

3 - والجزء الثالث أصوات الحق (حقك سسلري) وهو منظومات في معاني آيات قرآنية مثل قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء الخ. تلك بيوتهم خاوية بما ظلموا. كنتم خير أمة أخرجت للناس.

4 - والجزء الرابع في كرسي الفاتح (فاتح كرسيسنده)، منظومة في نحو ثمانمائة بيت يبدؤها الشاعر بوصف مسجد الفاتح وصفا يذكر القارئ بالشاعر الفرنسي فكتور هيجو في رواية ثم تكلم على لسان واعظ في عقائد المسلمين وأعمالهم كلاما يتجلى فيه سمو الفكر، وصفاء القلب، والبصر بأسرار الدين، والحزن لما أصاب المسلمين.

5 - والخامس (خاطرات) (خاطره لر). وفيه منظومات في معاني آيات القرآن، وأخرى في موضوعات مختلفة، كقصيدته في وصف آثار الأقصر التي أهداها إلى الأمير عباس حليم باشا رحمة الله، ومنظومة (خواطر برلين) وهي طويلة تنتظم زهاء أربعمائة بيت. ويعرف قراء الرسالة من هذا الجزء القصيدة الخالدة (من نجد إلى المدينة)

6 - عاصم: قصة طويلة منظومة في نحو ألف ومائتي بيت بطلها شاب من الذين جاهدوا في الحرب الكبرى، اسمه عاصم. وهو ابن كوسه إمام تلميذ طاهر أفندي والد الشاعر. وقد أبان فيها عن حال تركيا القديمة والحديثة، ووصف كثيرا من الأمور الأخلاقية الاجتماعية وصفا بليغا دقيقا يتناول أشد الموضوعات استعصاء على النظم فيعرضها في أسلوب مطبوع بيّن لا أثر فيه للتكلف والجهد. وكان الشاعر يوصي بقراءة هذه القصة لما ضمنته من عبر ولما قاربت لغتها، اللغة العامية في تركيا

7 - الظلال (كوركه لر) هي الجزء الأخير الذي نشره الشاعر قبل وفاته بعامين، وقد نظم بعض منظوماته في استنبول وبعضها في أنقرة ومعضمها في حلوان. ومنها قصيدة في الآثار المصرية سماها (مع فرعون وجها لوجه) وأهدها إلى الأميرة خديجة حليم. ومنها قصيدة نشرت ترجمتها في الرسالة بعنوان الفنان يصف فيها صديقه الشريف محيي الدين أكبر الموسيقيين المسلمين ومفخرة العرب في الموسيقى وهو نزيل بغداد اليوم

وقد أهدى الشاعر الجزء الأول من الصفحات إلى أحد تلاميذه (محمد علي)، والثاني إلى صديقه فطين خوجه، والرابع إلى صديقه الشاعر مدحت جمال، والسادس إلى صديقه فؤاد شمس، والآخر إلى الشريف محيي الدين

وقد صدّر الشاعر الجزء الأول من صفحاته بخمسة أبيات لا عنوان لها، وافتتح الجزء الأخير بستة أبيات عنوانها خسران. ويرى القارئ في ترجمة هاتين القطعتين كيف كان فكر الشاعر في أول شعره وآخره:

- 1 -

سلني أيها القارئ الحبيب أنبئك. سلني ما هذه الأشعار المائلة أمامك؟ إنها أكداس من الكلم لا براعة فيها إلا الإخلاص. لست أعرف التصنع لأني لست صانعا. يقال أن الشعر دمع العين. لا علم لي بهذا، ولكني أرى أن كل ما أسطر هو بكاء العجز. أنا أبكي فلا أستطيع أن أبكي، وأشعر فلا أستطيع أن أبين. وان الشقاء أن يحرم القلب الشاعر لسانا: أقرأ إن كنت تنشد قلبا حساسا - أقرأ فما كتبت كلمتين إلا سطرت هذا القلب

- 2 -

وكتب على الجز الأخير الذي نشره قبل وفاته بعامين أبياتا نظمها في استنبول قبل قدومه إلى مصر:

ما كنت لأقف معقول اللسان أقلّب الطرف فيما حولي. لم يكن لي بد أن أنوح لأوقظ الإسلام. إنما أريد أن تفور القلوب المرهفة الحس، الراسخة الإيمان؛ وأما التفكير الطويل فقد هجرته منذ أمد بعيد. إني أنوح ولكن لمن؟ أين أهل الدار؟ أقلب طرفي فلا أظفر إلا بأمم نائمة

لقد خنقت صرخاتي وحملت نعشها ثم مزقتها تمزيقا ودفنتها في شعري وتركتها

وهأنذا أسيل أنيني الذي هم بأن يعم الأودية كالسيل المنهمر، أسيله في غير هدير كالدموع الخفية. لا أجد في هذه القبة الصماء لآلامي أثرا فليئن الخسران الذي في (صفحاتي) دون حس ولا ركز.

عبد الوهاب عزام