مجلة الرسالة/العدد 190/العالم المسرحي والسينمائي
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 190 العالم المسرحي والسينمائي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 22 - 02 - 1937 |
روميو وجولييت لشكسبير
إخراج ايرفنج تالبرج
لناقد (الرسالة) الفني
استطاع المرحوم (ايرفنج تالبرج) أن يخلد اسمه في عالم السينما كمخرج قوي وعظيم بإخراجه رواية روميو وجولييت. وتالبرج هذا كان من كبار مخرجي شركة مترو جلدوين ماير الذين يشار إليهم. كان جريئاً مجدداً، عمد إلى اقتباس أشهر المسرحيات العالمية الحديثة وإخراجها على الشريط. وتاريخه جليل حافل ولكنه في إخراجه البديع لهذه الرواية أضاف مجداً إلى مجد، وكان هذا الفلم خير عمل يختم به مخرج حياته الحافلة.
لم يكن تالبرج أول من اقتبس أعمال شكسبير للسينما الناطقة، بل سبقه إلى هذا المخرج المسرحي والسينمائي العظيم (ماكس رينهارت) إذ أخرج رواية (حلم ليلة صيف) ' وهي أصعب روايات شكسبير في الإخراج السينمائي، ولكن ذلك الفنان العبقري استطاع أن يبرزها على الشاشة في أجمل الصور وأحبها إلى النفس، فله في هذا فضل السبق إلى جانب الروعة التي لم يدركه أو يدانه فيها أحد. على أن أهم ما يمتاز به إخراج تالبرج هو الصدق وعدم المغالاة، والدقة في إبراز حوادث الرواية والمحافظة على روحها واستعمال الحوار الشعري الذي وضعه شكسبير نفسه
يعرف القراء أن اقتباس سيناريو من رواية مسرحية عمل من الصعوبة والدقة بمكان، لأن الكاتب يعمد إلى ترجمة الحوار إلى صور، وليس كل حوار يمكن أن يترجم إلى صور، والمسرحية مقيدة بزمان ومكان، ولكن روايات شكسبير تشذ عن هذه القاعدة، فالمسرح في عهد شكسبير لم يعرف المناظر التي تتغير، لأن الستار لم يكن قد عرف بعد، وكانت الحوادث تمثل على مسرح مرتفع ويُكتَفى بإبراز لوحة صغيرة مكتوب عليها أسم المكان الذي تجري فيه الحادثة، وعلى رواد المسرح أن يتخيلوا المنظر أمامهم، ولهذا لم يتقيد المؤلف بالمكان فكثرت المناظر في الرواية الواحدة وكانت نتيجة ذلك تتابعاً مستمراً في الحوادث دون انتقال مفاجئ أو انقضاء فترات طويلة بين فصل وآخر؛ وهذا يشبه ف نواح كثيرة القصة السينمائية. ولهذا كان الطريق أمام كاتب سيناريو هذا الفلم ممهداً فلم يلق صعوبة تذكر في عمله وجاء الفلم مطابقاً للمسرحية في كل نواحيها
ولقد أمكن المخرج ومساعديه أن يبرزوا الفلم في جمال وقوة وروعة، وللمدير الفني (جورج كيكور) فضل كبير في نجاح الفلم وظهوره في هذه الصورة الكاملة: من إتقان في المناظر والإضاءة والتصوير مما يليق برواية الحب الخالدة التي يحفظ كل شاب وفتاة حوادثها
لم تكن المناظر عظيمة ولا ضخمة ولا ذات ترف كبير وما إلى هذا مما يعمد إليه المخرج الأمريكي سيسيل دي ميل للتأثير في رواد أفلامه، فالمناظر بسيطة وفي حدود ضيقة، ولكنها تتسق مع القصة وحوادثها. ولقد أدت مهمتها في معاونة الممثلين على الوصول إلى قرارة النفوس
إن من يتتبع الفلم باهتمام لا يكاد يلمس للمخرج أو المدير الفني خطأ يحصيه عليه منذ بدء المعركة الأولى بين آل منتاجو وآل كابيوليت حتى موت روميو وجولييت وتصافح الزعيمين أمام قبرهما اللهم إلا موقفاً واحداً عندما تلتقي عينا جوليت بروميو وتنسى نفسها فالحوادث هنا تجري أسرع مما ينبغي
لعل أول ما خطر ببالي عندما سمعت بتوزيع الأدوار في الفلم أن نورما شيرر تكبر في السن عن الحد الذي يليق بجولييت وقدرت لها السقوط، ولكن الواقع كان عكس ما ظننت، فهذه الممثلة استطاعت أن تؤدي الدور على خير ما يكون وأن ترتفع به إلى أعلى درجات النجاح، فصورت الطفولة والسذاجة في جولييت الصغيرة حتى أحس رواد الفلم أن الممثلة التي أمامهم فتاة في الحلقة الثانية لا امرأة في الحلقة الرابعة، ولكنها مع هذا كانت تمثل بحذر وترقق من نبرات صوتها حتى تبدو صغيرة، فنجحت في التمثيل ولكنها لم تستطع أن تحيي الدور، وهنالك فرق كبير بين أن يحيي الممثل الدور وبن أن يجيد تمثيله
وليسلي هوارد شاب توافق سنه سن روميو وقد نجح في أداء الدور ولكن ليس إلى الحد الذي قدرناه. كانت حركاته ثقيلة وصوته خشناً أجش وإن كان يعبر وجهه تعبيراً حسناً موقفه في الفلم عكس موقف نورما شيرر فهو مع صغر سنه بدا كبير السن في الفلم
مثل جون باريمور دور (ماركيشيو) وكان بديعاً إلا أنه غالى في تصوير الشخصية، وهذه المغالاة تبدو لمن قرأ الرواية أو رآها على المسرح، ولكنه وهو يموت من أثر الطعنة التي أصيب بها كان بديعاً وقد وصل إلى القمة
والقسيس كان خشناً وقسمات وجهه قاسية ولم تبد منه نواحي الحنان والشفقة التي تحبب الإنسان إلى رجل الدين وتجعله يبوح له بمكنون سره، وأجاد بقية الممثلين أدوارهم ولاسيما المربية مما جعل الاتساق يسود الرواية ويجعل التمثيل في قوة الإخراج
عرضت سينما ديانا بالقاهرة ترجمة عربية للحوار ولكنها مع الأسف كانت ترجمة سخيفة، وكان ظهورها على الشاشة يتأخر دائماً، ونرجو لو تعنى إدارة السينما باللغة العربية وبرواد السينما من المصريين وعواطفهم أكثر من هذا.
يوسف تادرس