مجلة الرسالة/العدد 189/السراج المفقود
→ شباب أم أماني؟ | مجلة الرسالة - العدد 189 السراج المفقود [[مؤلف:|]] |
الفنون ← |
بتاريخ: 15 - 02 - 1937 |
للأستاذ أمجد الطرابلسي
لا! دعوني وسطَ الجموعِ وحيداً ... أشعلُ القلب كي أنيرَ سبيلي
عجباً أيها الورى! ما الذي تب ... صر في حالكِ الدّجى المسدول؟
أتراني ولدتُ أعمى؟ أم الكو ... ن ظلام؟ أم كلّ حَيٍّ متيلي؟
أم هُمُ الناس واهمون سكارى ... يتغنون بالسَّراب الجميل؟
رقصوا في فم الجحيم وغنَّوا ... فوقَ أشلائهم وبين الطلول!
خابت العين! ليس يُبصرُ إلا ال ... قلبُ، يا نعمةَ الخليِّ الجهول!
يا هناء الصخور في هذه الدني ... اويا شقوة الشعورِ النبيل!
يا ضلال العقول في الحانة السَّكْ ... رى ونعَمى المعربد الضّليل!
أين منى قلبي يُنيرُ سبيلي؟ ... أترى ذابَ قبل ليلى الطّويل؟
أم ترى أطفأتهُ عاديةُ الرّ ... يح جنوناً وزمجراتُ السّيول؟
ورَمَتْهُ كفّي فأهوى به السَّي ... لُ غضوباً إلى أقاصي السهُّول
وأخَبا لي! أما سمعتُ سراجي ... يَتَشَظّى؟ وما أشدَّ ذهولي!
مَزَجَتْ شِرَّةُ السّيولِ بقايا - هـ معَ الشوكِ والحصى والوحول
تلك أشلاؤه تَشعُّ على البع ... دِ وراَء الربى وخلفَ الحقول
يا سراجي المفقودَ في ثورةِ اللْي ... لِ شَهيداً، يا مشعلي ودليلي!
يا سنا مقلتيَّ في الظّلَمِ السو ... دِ ويا نورَ غَمِّيَ المَمْلول!
كنت لحني فمن يمزق صمتي؟ ... ومدامي فمن يبل غليلي؟
وأنيسي فمنْ تركتَ لأنسى؟ ... وخليلي فمنْ يكون خليلي؟
يا سراجي كلّت ذراعي فألقت ... كَ بلا رحمةٍ ودونَ عويل
فرحتْ مثلما تسِرّ بِتَرْكِ ال ... غُلِّ كفُّ المصفَّدِ المغلول
حسبت في نواكَ راحتَها الكبر ... ى ضلالاً، واخيبة المأمول!
يا سراجي! لما صرخت هشيماً ... وتبددْتَ كالدم المطلولِ
قد تصاممتُ عن أذنينِك، لا بل ... كانَ عندي كانَّه الا رغول!! نصبٌ آدنى فخّففتُ حملي ... بعد يأسي من حُلمَي المقتول
ما ترى الفلكَ في العواصفِ تلقي ... بخفيفٍ منِ حمْلِها وثَقيلِ. .؟
أيهذا الساري المرَوَّعُ! مهلاً ... وعزاءً عن كلّ قصد وسولِ
ما ترجى وهذه الدُّجية النكرا ... ءُ غَشَّتْ بوارِقَ التأميلِ؟
الدّجى راعبٌ تفحّ به الأشب ... احُ ظمأى إلى النّجيعِ العليل
موحش ليسَ فيهِ غير صدى الوب ... لِ وهزجِ الأمواهِ وسْطَ المسيل
وأعاصيرُهُ تلاعب خديَّ ... كَ بسيفٍ من بردها مصقولِ
والذئابُ الجياعُ ضَجَّت عواءً ... في بطونِ الهُوى وفوقَ التلول
تتحرّى فريسةً من جريحٍ ... أو طريد أو شاردٍ أو قتيل
أيهذا المسكين! أيَّ الأماني ... تتقرى؟ هُديتَ من مخبولِ!
شعَّثت رأسَكَ الرَّياح السّوافي ... وتعثَّرتَ في الكثيب المهيلِ
لا تمدَّن إلى جبيِنكَ كفُّا ... ضُرِّجتْ بالدم الزكيَّ الطليلِ!
ضرَّجَتْها الأشواك من طولِ ما تك ... بو عَياءً كالموثقِ المكبول
أَتُرَجَّى خلفَ الدَّياجي شعاعا ... من صباحٍ مُزَوَقٍ أو أصيل؟
ما وراَء الظلام إلا الظلام ... ليس فيه من ملجأ أو مَقيل!
كلُّ وادٍ وراءه ألف واد! ... كل ميلٍ وراءه ألف ميل!
خابَ من سار لاصطيادِ الأماني ... في عمايات مَهْمَةٍ مجهول
من يسر دونَ غايةٍ كيف يحظى ... بعد طول السّرى بنعمى الوصول؟
ارجعِِ القهقري فلن يطلعَ الفج ... رُ ولنْ تستقرّ بعدَ الرحيل
وتلمَّسْ بينَ الصخورِ رماماً ... من سِراجٍ محطّمٍ مشلول
وأعدْ سبكها سراجاً منيراً ... لدجاك المعبَّس المسدول
لا تقْل إنه يهدُّ ذِرَاعَيّ ... م ويدني نضارتي للأفولِ
إنه فجرُكَ الذي تتمنىَّ ... إنّه نِبعه الهَوى والميولِ
إنه فرحة الحياة وبؤسا ... ها وشهدُ المنى وسم الذحول
إنه هيكلُ الرِّضى والتأسّي ... إنّه رَفْرَفُ الجمالِ الخجولِ انه مهبطُ الرؤى والأماني ... والخيالاتِ والهوى المعسولِ
يا سراجي أنت العناء ولكن ... في تواريك مصرعي وأفولي
(دمشق)
أمجد الطرابلسي