مجلة الرسالة/العدد 189/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 189 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 15 - 02 - 1937 |
كيف يكتبون عن حركتنا الأدبية
قرأنا في صحيفة (هنوفر شر كورير) الألمانية فصلاً كتبه لها مراسلها الخاص في القاهرة تحت عنوان (الشعراء المصريون وأثر الشعر في مجد مصر القومي) فرأينا أن نأتي على ترجمته ليرى قراء العربية كيف يكتب الأجانب عن حركتنا الأدبية وكيف يصورونها تصويراً يبعد أحياناً عن الحقيقة بمراحل؛ قال الكاتب: تبدو مصر بطرافة مشاعرها القومية وروعة سماءها وإقليمها وسحر ماضيها وصراعها المستمر في سبيل الحرية كأنها موطن الشعر، وتبدو وكأنها تذكي الفكر وتجذبه، بيد أن ترثها الأدنى، وبالأخص ترثها من الشعر السياسي والقومي يبدو متواضعاً جداً. ويرجع ذلك إلا أن شعب النيل منذ عهد النيل يرزح تحت صنوف الاستعباد والذلة؛ فبعد الإسكندر الأكبر جاء قياصرة روما، ثم قياصرة بيزنطية، ثم العرب، ثم الترك؛ وهكذا مزق صرح الوحدة القومية الذي لا بد منه لكل تقدم عقلي قومي؛ ومنذ عصر محمد علي أي منذ نحو قرن بدأ نماء هذا الصرح القومي وألف ختامه الظاهري أخيراً حيث استطاعت مصر أن تحقق حريتها السياسية وسيادتها القومية، بيد أنها رغم هذا الظاهر لا تزال من حيث الناحية المعنوية في المؤخرة.
وللجاليات الأجنبية التي تعيش في مصر منذ بعيد، رغم تطور مصر القومي أثر قوي في جميع مناحي الحياة؛ وقد كانت الدوائر الاجتماعية التي كان بوسعها أن تعمل على خلق نهضة ثقافية خاصة على اتصال دائم مع الأجانب، بيد أنها فيما يتعلق بشؤون الأسرة اتجهت إلى اسطنبول، لأن معظم رجال هذه الطبقة كانوا يتخذون زوجاتهم من التركيات، وهؤلاء طبعنا الحياة العائلية بطابعهن ولغتهن؛ بل لقد غلب التركية على العربية، وألقى بالعربية في الشارع حتى غدت في مستوى العامية، ولم تبقى اللغة الأدبية إلا في الدوائر الدينية، وبقى مثلها الأعلى لغة القرآن.
وتبوأ الدين زعامته إزاء الاستعباد المستمر وسحق الكرامة الوطنية، وسادت الفكرة الإسلامية كل نواحي الحياة العامة والاجتماعية؛ فحال ذلك دون نهضة الشعر القومي؛ وقامت ضد الفكرة الوطنية فكرة الجامعة الإسلامية، ولم تتخذ الفكرة السياسية لها مكاناً خاصاً بل غمرتها الفكرة الدينية فسارت في أثرها؛ وهكذا كان منحا الشعر السياسي فأنه سار في أثر الفكرة الدينية؛ واجتمع حول رعاية القصر في عهد أول زعيم لنهضة مصر الثقافية في العصر الحديث ألا وهو الخديوي إسماعيل؛ ومن شعراء هذا العهد علي الليثي وعبده الحمولي (كذا).
وتقدمت عملية ترقية الشعب علي يد البعثات التي أرسلها محمد علي إلى فرنسا، وعاد أولئك الشبان إلى مصر يحدوهم العزم في أن يخلقوا لمصر حياتها العقلية الخاصة؛ بيد أنه كانوا دائماً متأثرين بالنفوذ الأجنبي ولا سيما النفوذ الفرنسي، وفي أثناء هذه البداية في سبيل الوحدة القومية وقعت الحوادث العرابية التي انتهت باحتلال الإنكليز لمصر؛ وهنا ظهر لأول مرة جيل فتي من الكتاب والشعراء يهتف بحريات الوطن والذود عنها، وشرد أبناءه في السجن والمنفى؛ وكان أهم أعلام هذا الجيل سامي البارودي محمد عبده.
وبث الاحتلال الأجنبي وما أصاب الوطنية الوليدة روحاً جديدة في الوحدة القومية؛ وظهر في مصر أول الزعماء الوطنين في المشرق، وأسس مصطفى كامل تلميذ جولييت آدام وبيير لوتي الحزب الوطني، وأدرك هذا الزعيم منذ البداية أهمية الشعر والكتابة في النهضة الوطنية فجمع حوله ما هنالك من كتاب وشعراء قلائل؛ بيد أن هؤلاء لم يكونوا سوى أبواق سياسية؛ ولم ينبغ من هذا الجيل سوى شاعرين اقتحما هذه الدائرة السياسية الضيقة في نظمها هما: شوقي وخليل مطران، فهذان شاعرين بلا ريب وهما يدعوا فقط إلى الوطنية، بل تجولا أيضاً في ميدان التأملات الخاصة؛ وقد ضم ذهنا هما الفكرة المصرية والفكرة الوطنية وتوثقت فيهما عدائهما رغم أن خليل مطران ليس مصرياً إلا بالموطن (وهو سوري المولد) ففي نظمهما يرى الإنسان مصر، كما يود أن يراها كل منهما؛ تلك هي مصر المصرية وللشعب المصري.
هذا ما نشرته الصحيفة الألمانية، وفيه ما يغني عن التعليق، بيد أننا نلاحظ فقط أن ما نكتبه نحن عن أدب الغرب وعن الحركات الأدبية الغربية يندر أن يعرض لمثل هذا الخلط في الوقائع والتصوير وإن لنغتبط إذ يعني القوم بالكتابة عنا كما نكبت نحن عنهم، بيد أنا نرجو أن يوفقوا في دراساتهم لشؤوننا وحركاتنا بأكثر فيما يبدو في مقال الكاتب.
الأزهر والمؤتمرات الدولية
قرر مجلس الجامع الأزهر تلبية لدعوة المكتب الدولي للتعاون الثقافي أن يشترك في شهود مؤتمر القانون الدولي الذي تقرر عقده في مدينة لاهاي (بهولندة) في شهر أغسطس القادم، وسيمثل الأزهر الشريف الإسلام ويقدم إلى هيئة المؤتمر بحوثاً شرعية في الوقف والمواريث والهبة وغيرها من المسائل التي تمتاز بطرافة أحكامها، وسيتألف الوفد الأزهري إلى مؤتمر من ثلاثة أعضاءهم الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم رياض مدير قضايا بنك التسليف الزراعي والأستاذ عبد الرحمن حسن القاضي الشرعي والأستاذ محمود شلتوت المدرس بكلية الشريعة وقد سبق أن اشترك الأزهر في الأعوام الأخيرة في غير مؤتمر دولي علمي أو ديني، وهذه السنة حسنة تمهد لتعاون الأزهر مع الهيئات العلمية والدولية الكبرى، وتزيد في هيبته العالمية.
تحريم جوائز نوبل في ألمانيا
سبق أن أشرنا في عدد سابق من (الرسالة) إلى الضجة التي حدثت في ألمانيا على أثر منح الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للسلم إلى الكاتب الألماني كارل فون أوسيتسكي، وإلى ما أبدته الحكومة الألمانية يومئذ من الامتعاض والتأثر لأنها ترى في الكاتب الذي أسبغت عليه لجنة نوبل هذا الشرف خائناً لوطنه، والخيانة هنا هي أن أوسيتسكي كان قبل قيام النظام الهتلري يدعو إلى السلم ونزع السلاح ومنع الحروب، وهي مبادئ تخالف الأماني العسكرية والإمبراطورية التي تتعلق بها ألمانيا النازية: وكان أوسيتسكي حينما أنعم عليه بجائزة نوبل سجيناً في المستشفى، ولكن الحكومة الألمانية سمحت له تحت ضغط الرأي العام الدولي أن يقبل الجائزة. على أنها اتخذت أخيراً في هذا الموضوع خطوة حاسمة، فقد قررت أن تحرم جوائز نوبل أياً كانت على الألمان، وأنشأت هي جائزة قومية ألمانية قدرها ثمانية آلاف جنيه، (وهو ما يساوي قيمة جائزة نوبل)، وبذلك خرجت ألمانيا من عداد الدول التي يتقدم علماؤها وكتابها لنيل الجوائز الشهيرة، وقد فاز الألمان منذ نهاية الحرب الكبرى بنحو خمس وعشرين جائزة في مختلف العلوم والفنون والآداب، ولكن ألمانيا الهتلرية تمقت كل حركة تمازجها الصفة الدولية، وكل شرف لا يطبعه الشعار القومي، وهي من جهة أخرى لا تريد أن تسمح للهيئات العلمية الأجنبية أن تكون حكماً عليها في أمر من الأمور كما حدث في مسألة كارل فون أوسيتسكي.
طوالع الأيام قديما وحديثا كان العرافون القدماء يحصون الحوادث السيئة والحوادث الطيبة في أيام معينة لكي يستخرجوا بعد ذلك الأيام السعيدة والأيام المنحوسة، وقد انتهوا بعد أجيال إلى القول بأن هناك أياماً بعينها تعتبر أياماً سعيدة، وأخرى تعتبر منحوسة، وكانت هذه الأيام معروفة منذ العصر الغابر، وكان يعرفها أهل بابل قبل المسيح، وكان المصريون القدماء يقولون أيضاً بمثل هذه التفرقة بين الأيام، ولهم قوائم معينة بالسعيد منها المنحوس، واستمرت هذه القوائم معروفة متداولة حتى العصور الوسطى. وعندئذ طبقها العرافون على أيام التقويم الجريجوري.
فمثلاً يمثل يوم الاثنين السلام، ويمثل الأربعاء والخميس الشجاعة والأحد يمثل الراحة والسعادة، وهذه هي الأيام السعيدة. أما الأيام المنحوسة فهي الثلاثاء وهو مارس إله الحرب، والجمعة وهو يوم فينوس، والسبت وهو يوم زحل.
أما العرب فقد خالفوا هذا الاستنتاج، واعتبروا يوم الجمعة من الأيام السعيدة، وأنه يوم القرآن.
ويرى العرافون المحدثون ألا يأخذوا في ذلك بأقوال القدماء، وأقوال عرافي العصور الوسطى، ويرون أن لكل إنسان طالعاً بظروف وحوادث معينة، وعلى هذا الطالع يتوقف مصير الإنسان مدى الحياة.
رحلات بيتر موندي
صدر أخيراً كتاب بالإنكليزية عن رحلات رحالة إنكليزي في القرن السابع عشر تعتبر في ذاتها وثيقة تاريخية هامة، والرحالة المذكورة هو بيتر موندي، وقد كان موظفاً في شركة الهند الشرقية التي بدأت استعمار الهند، وكتب عن أسفاره ومشاهداته مذكرات يومية لبثت مخطوطة حتى العصر الأخير، وعندئذ عنى بنشرها السير تمبل فنشر منها أربعة مجلدات حتى سنة 1925، وصدر أخيراً المجلد الخامس والأخير، وفيه يقص موندي رحلته الأخيرة إلى الهند، ويصف البلاد التي زارها أثناء مسيره في أوربا وآسيا ولا سيما الجزائر الأفريقية التي كانت ترسو بها السفينة مثل سنت هيلانة وأسانشيون. وقد شهد موندي حوادث الثورة الإنكليزية ولكنه حريص في سردها، يقدمها كما وقعت دون تعليق، وتتناول هذه الفصول وصف كثير من المدن الآسيوية ومشاهدها في هذا العصر الذي أخذ الشرق ينحدر فيه إلى سبته الطويل، وأخذ الغرب يتربص به وينقض عليه تباعاً، وقد عاش موندي بين سنتي 1208 و 1667، وصدرت رحلاته بهذا العنوان: رحلات بيتر موندي في أوربا وآسيا، ومن المحقق أن المؤرخ يجد في مذكراته كثيراً من الوقائع والحقائق التي تفيد في درس مجتمعات القرن السابع عشر.
في ميدان الاجتهاد
مسألة الاجتهاد في الدين - من المسائل الفكرية - التي تعني الرسالة بدرسها وتسجيلها - من أجل ذلك فتحت صدرها لمقالات الأستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي (في ميدان الاجتهاد) - المجلد السادس: 58 و 260 و 464 - والمجلد السابع: 1998 - ونشرت آراءه فيها - فكان من رأيه فيها:
1 - (أن نعتمد من رجال كل من أهل السنة والشيعة والخوارج من اعتمدوه - ونرفض منهم من رفضوه - ولا يوجد ما يمنعنا من الانتفاع بالحديث الضعيف في التشريع - والأخذ به عند الحاجة إليه، فلا نرفض من الأحاديث إلا ما ثبت أنه موضوع بيقين ولا نهتم من رجال الحديث إلا من ثبت عليه الكذب قطعاً ورب حديث ضعيف يكون هو الصحيح - ورب رجل متهم. يكون هو الرجل الثقة).
2 - (أن نحذف الإجماع من بين الأصول التي يرجع إليها في الاجتهاد - وأن نرجع مباشرة إلى النصوص التي لا بد من استناده إليها - فقد يفتح الله علينا بفهم جديد - غير ما فهموه منها)
3 - (ألا نقتصر في القياس على إلحاق الشبيه بالشبيه لأن هذه السنة قد اختلفت رواياتها اختلافاً كبيراً ولا بد من تحكيم الرأي فيها تحكيماً مطلقاً)
4 - (إن الاجتهاد جائز في الأصول وفي الفروع لأن النبي ﷺ جعل للمجتهد أجرين إذا أصاب وأجراً واحًدا إذا أخطأ، ولم يفرق بين أصول وفروع - بل أطلق الأمر إطلاقاً - وفتح باب الاجتهاد في الأصول والفروع معاً)
5 - وكان الأستاذ في آرائه تلك خارجاً على العلماء الأصوليين المتأخرين - كما قال هو عن نفسه في الرسالة (118).
6 - (ولم يدع العصمة فيما قال - بل عرض رأيه على صفحات هذه المجلة - لنشترك فيه الآراء - وتمحصه البحوث - كما قال في خاتمة مقالاته (في ميدان الاجتهاد))
فما هي آراء العلماء الأعلام - في هذه المسألة؟ أرجو أن يدلوا بها باختصار - وأنا واثق أن (الرسالة) التي أثارت البحث في هذه المسألة المهمة - ونشرت كل قال الأستاذ الصعيدي - لن تضن عليهم بنشر ما يرونه - وهذه سبيل الوصول إلى الحقيقة - التي نريدها ويريدها الأستاذ الصعيدي - والمسألة مهمة - تتصل بأصل الدين - ولا يجوز التغافل عنها.
دمشق
علي الطنطاوي
المعارض الدولية
أصبحت المعارض الدولية عنوان النهضات الاجتماعية والاقتصادية ومع أنه لم يمض على البدء بتنظيمها أكثر من ثمانين عاماً. فإنها تغدو اليوم من أعظم المظاهرات القومية والدولية في سائر نواحي التقدم، وقد أقيم أول معرض أو سوق عالمية من هذا النوع في لندن سنة 1851 في قصر البلور الذي التهمته النيران منذ أسابيع قلائل: ثم تبعه معرض باريس في سنة 1855، وفي سنة 1878 أقامت فرنسا معرضها الشهير في قصر (التروكاديرو) الذي أنشأ خصيصاً لإقامته فأحرزت بإقامته نجاحاً عظيماً وذاع صيته في أنحاء العالم وفي سنة 1889، أقامت معرضاً عظيماً آخر. هو الذي أقيم لمناسبته برج أيفل المشهور، وعرضت فيه مناظر فنية وموسيقية في جميع أنحاء العالم ومنها القاهرة، وقد كانت هذه المعارض في الواقع مراحل واضحة لما بلغته الأمة من التقدم في سائر النواحي والمرافق.
أو هي كما يقول المؤرخ (تاين) تبيان عصر، وتعبير مجتمع. ومن المحقق أن المؤرخ يجد في هذا المناظر المختلفة مجموع ما انتهى إليه مجتمع العصر من ضروب التقدم العقلي والاجتماعي، ولقد بلغ الشغف في إقامة هذه المعارض في عصرنا ذروته، وأصبحت الأمم الكبرى تتنافس في إقامتها وفي الإنفاق عليها. حتى لقد تبلغ من الضخامة والتنوع قدر المدينة العظيمة، وقد يقتضي الطواف بمعرض أو سوق دولية ساحات طويلة قبل أن تلم بمناظره ومحتوياته. والمنتظر أن تكون سوق باريس الذي تستعد فرنسا لإقامتها منذ أعوام. والتي ستقام في الربيع المقبل أعظم مظهر دولي لما بلغته هذه المظاهرات الاجتماعية والاقتصادية من الفخامة والتنوع والرونق والجمال.