مجلة الرسالة/العدد 187/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 187 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 01 - 02 - 1937 |
شرح الإيضاح
تأليف الأستاذ عبد المتعال الصعيدي
أتمت المطبعة المحمودية التجارية ومكتبتها بالأزهر بمصر طبع الجزء الثالث من شرح الإيضاح في علوم البلاغة للأستاذ عبد المتعال الصعيدي المدرس بكلية اللغة العربية
وقد بدأ في هذا الجزء بشرح قسم علم البيان من كتاب الإيضاح وأتمه فيه، وسار في شرحه على منوال الجزء الأول والثاني لا يعنى بالمماحكات اللفظية والمناقشات التي لا تتصل بصميم علوم البلاغة، وإنما عني بتحقيق مسائل هذه العلوم، وبشرح شواهدها ونسبتها إلى أصحابها. وقد يذهب في ذلك إلى مخالفة من سبقه من علماء هذه الفنون، كما ذهب في هذا الجزء إلى أن وظيفة علم البيان تخالف وظيفة علم المعاني مخالفة تجعله علماً مستقلاً عنه، وليس شعبة منه، كما ذهب إليه الإمام السكاكي ومن تبعه
فوظيفة علم المعاني على هذا تطبيق الكلام على مقتضيات الأحوال، ومرجع ذلك إلى مراعاة ما يرجع فيه من جهة البلاغة؛ ووظيفة علم البيان معرفة إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة من الدلالة ليعرف ما يقبل منها وما لا يقبل، ويحترز بهذا فيها عن التعقيد المعنوي؛ ومرجع ذلك في الكلام إلى مراعاة ما يجب فيه من جهة الفصاحة بقطع النظر عن مراعاة مقتضى الحال وإن كان لابد من ذلك فيه، ولكن هذه وظيفة علم المعاني، وشأنها من وظيفة علم البيان كشأن وظيفة علم النحو وغيره منها
وعلى هذا لا يكون من شأن علم البيان أن ينظر في مثل قول امرئ القيس:
ألم تسأل الربع القديم بعسعسا ... كأني أنادي إذ أكلم أخرسا
من جهة مطابقته لمقتضى الحال أو عدم مطابقته له وإنما ينظر فيه من جهة فساد التشبيه، لأجل انه لا يقال كلمت حجراً فلم يجب فكأنه كان حجراً، وإنما الجيد في ذلك قول كثير عزة:
فقلت لها يا عز كل مصيبة ... إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها النفس زلت
وكذلك ينظر في امرئ القيس: وأركب في الروع حيفاتة ... كسا وجهها سعف منتشر
من جهة فساد الاستعارة فيه؛ لأنه إذا غطى الشعر العين لم يكن الفرس كريماً، ولا يعنيه في ذلك اعتبار المطابقة وعدمها
وكذلك ينظر في قول أبي تمام:
رقيق حواشي الحلم لو أن حلمه ... بكفيك ما ماريت في أنه برد
من جهة أن الرقة لا تستعار للحلم، وإنما يوصف بالرجحان والرزانة كما قال النابغة:
وأعظم أحلاماً وأكبر سيداً ... وأفضل مشفوعاً إليه وشافعا
وهكذا يسير الشرح في علم البيان على هذا المنوال، يطنب إذا اقتضى المقام الإطناب. ويوجز إذا اقتضى المقام الإيجاز، فجزى الله مؤلفه عنه خير الجزاء.
(ص)
مرافعات
تأليف الأستاذ حسن الجداوي
كثير منا رأى الدفاع في قاعة المحكمة وهو يدافع عن المتهم. . يدافع عن المجرم! ويحاول بقوة حجته وشدة عارضته وذلاقة لسانه أن يحطم الأغلال والقيود التي تطوق الرجل ويطلقه من إساره. . . أو يرجو متى أفلت أمر الرجل من يده وغدا مصيره إلى الظلمات أن يعامل بروح القانون. وكثير منا أنصت إلى وكيل النائب العام وهو يحمل على المتهم، ويدافع عن الإنسانية المعذبة في أشخاص هؤلاء المجرمين السفاكين الذين يسودون وجه الحياة المشرق النظير ويلطخونه بالدماء، لا يزجرهم زاجر ولا يأخذ على أيديهم قانون. ولكن قليلاً منا من فكر في الظروف القوية التي تسوق المجرم إلى الإجرام، قليل منا من فكر في ظروف الحياة القاسية التي تخلق المجرمين والسفاكين وتدفعهم إلى ارتكاب أشنع الآثام. قليل من الناس من يفكر كما يفكر الدفاع وهو يدرس القضية ويقف أمام القضاء يشرح أدوارها ويبسط فصولها ويلقي الضوء القوي الباهر على ما خفي منها من أسرار.
هذه المرافعة البيانية القوية لها أثرها المحمود في نفوس القضاة ونفوس الناس فكثيراً ما تقسوا الحياة وتتضافر العوامل السيئة على المتهم المسكين، فلا ينقذه إلا محاميه ومرافعة محاميه، متى كانت قوية خلابة كهذه المرافعات التي بين أيدينا الآن، والتي ترجمها الأستاذ حسن الجداوي عن الفرنسية وتخير فيها قضايا إنسانية تقع في كل بلد وتجري في كل محكمة وتدور على كل لسان. فقضايا حرية الرأي والصحافة والدفاع عن العرض، والقتل بدافع الغيرة والشفقة، والخيانة الزوجية التي يضمها هذا الكتاب القيم، كلها قضايا إنسانية لا تقف على بلد واحد وشعب واحد. ولقد أبدع المترجم في الترجمة خير إبداع، ووفق أحسن توفيق، فجاء كتابه تحفة أدبية رائعة أكملت نقصاً محسوساً في المكتبة العربية وسدت فراغا كبيراً في الأدب القضائي
وسيجد القارئ في مرافعة بعض المحامين الفرنسيين منطقاً أخاذاً ولساناً رائعاً دعم بالدراسة الفنية الدقيقة كمرافعة جوزيه في قضية التجميل حتى قال عنها زميله وخصمه (لقد أدهشتني مرافعة الأستاذ جوزيه تيري بما فيها من معلومات طبية أنحني أمامها، كنت أسائل نفسي أيهما أخطر علي الأستاذ جوزيه تيري أو الدكتور جوزيه تيري؟) وهذا أقل ما يجب أن يكون عليه المحامي في هذا العصر، إحاطة شاملة بعلم التشريح وعلم الإجرام وعلم النفس
وفي قضية حرية الدفاع سيقرأ القارئ دفاعاً فذاً فيه بلاغة وقوة وبيان وحجج منطقية وكلام يجري مجرى الأمثال (إن القوانين لم تعد تطبق بل أصبحت تفسر، وتفسر دائماً بالمعنى الذي لا تدل عليه ولا إرادة المشرع لها. . . إنهم يعذبون القوانين ليجعلوها صالحة لتعذيب الناس) وما الذي سيقوله القارئ بعد هذا الكلام.
وفي محاكمة شارل الأول ترى صورة قوية للشعب الإنجليزي الصابر الباسل المتفاني في حب مليكه حتى في عهد كرمويل.
وفي القرن الماضي أعدم مجرم شقي بطريقة همجية وحشية فثار شارل هيجو ابن شاعر فرنسا الكبير فوصف الحادث في الصحف وحمل عليه حملة شديدة وسيق بعدها إلى المحاكمة. ومما كتب قوله:
(ما الذي ارتكبه هذا الرجل ضد الهيئة الاجتماعية؟ أنه قتل. . وما الذي فعلته الهيئة الاجتماعية بذلك الرجل؟ إنها عذبته. . . ولكن أتدرون ما الأثر الذي تركته فعلتكم؟ لقد أتيتم أمرا إدا، فيه قسوة وفيه وحشية وفيه إيلام. . إنكم بدلاً من أن تكسبوا عطف الجمهور المشاهد لجانب القانون كدتم تحولون عطفه لجانب المجرم. لقد أخفق الجلاد الأول فجئتم بثان، وبعد نصف يوم من جهاد مستمر أستطعم آخر الأمر أن تقهروا الرجل، وتمسحوا في آن واحد الدم من نصل المقصلة والعرق من جباهكم. . لا لا. إن الإعدام ليس بالمنظر الجميل. . .)
ومرافعات الكتاب كلها قوية بليغة وهي على نسق قصصي يسر ويشوق، ويعرض صوراً بارزة من الحياة. وسيجد فيها القارئ لذة خالصة وفائدة محققة، أما المحامي فسيطلع في لغته على مرافعات يكفي أن يقال عنها إنها لأفذاذ رجال القانون.
هذا والكتاب مطبوع طبعاً جيداً على ورق ناعم وغلاف مقوى وهو يقع في 180 صفحة من القطع الكبير وهو مفهرس الأعلام حسن التبويب زهيد الثمن.
ونرجو ونحن نهنئ المؤلف على جهده الأدبي المشكور أن يتحفنا دائماً بأمثال هذا الكتاب الرائع.
محمود البدوي