مجلة الرسالة/العدد 185/النقد
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 185 النقد [[مؤلف:|]] |
العالم المسرحي والسينمائي ← |
بتاريخ: 18 - 01 - 1937 |
سلسلة الموسوعات العربية
معجم الأدباء
للدكتور عبد الوهاب عزام
كان للأستاذ محمود مصطفى أرباً في أن يصدني عن نقد معجم الأدباء، أو مصلحة في أن يحسب من المجادلين عن ناشري الكتاب. فهو لا يألو جهداً في أن يشغلني بمناقشة غير سديدة
نشرت (الرسالة) للأستاذ رده في سبعة مآخذ مما أخذته على المعجم في مقالي الأول، ثم طلع على الناس في جريدة المصري بمقال قال فيه:
(فقد كانت المآخذ عشرة فما زال بي (يعني صاحب الرسالة) حتى نزلت له عن اثنين فيها. فلما حاول أن انزل له عن ثالث لم اقبل فتظاهر بالرضى عن نشره، ولكنه حين خلا بنفسه حذف ذلك المأخذ، وما كنت احب أن يكون منه ذلك. والأعجب من هذا انه حين ناقشته بعد ظهور المجلة في أمر هذا الحذف كان جوابه أن الدكتور عزاما لم يرض عن نشره)
وأنا اعرف أن الزيات نصح الأستاذ أن يحذف جداله في بعض الكلمات تنزيها له وللرسالةعن اللغو لا إشفاقاً من حججه الدامغة. وقد أبى الأستاذ إلا أن ينشر على الناس المآخذ الثلاثة التي نصحه الزيات بحذفها؛ وليس أدل على نصح صاحب الرسالة، ولا ادمغ لحجة الأستاذ محمود من نشر هذه الكلمات
1 - قال الأستاذ إن مرو الشاهجان ينبغي أن تكون بكسر الهاء. وهذه حجته: (إن التركيب إضافي في اللغة الفارسية، ومعنى مفرداته هكذا. المرو=المرج. الشاه=الملك. جان=نفس أو روح فالمعنى على ذلك: مرج نفس الملك. والقاعدة في اللغة الفارسية أن جميع كلماتها مهملة الإعراب ملازمة السكون إلا في موضعين: الموصوف وأول المتضايفين فهما يكسران، وذلك يعرفه من ألم اقل إلمام بهذه اللغة، فمن اجل ذلك كان كسر كلمة الشاه واجبا. . . ويظهر أن لهذا المآخذ شاناً خاصاً إذ كان هجوما فانتصارا من اعزل مثلي (لم يجلس إلى معلم الفارسية إلا شهراً أو شهرين) على عالم جليل يفوق أهل اللغة علم بأسرارها. فهذا ما حدا بصديقه الأستاذ الزيات إلى تخطيه التقليد الواجب في مثل هذا المقام) اهـ
وأقول إن للكتاب محنا، واشدها على أنفسهم أن يضطروا إلى الجدل في الصغائر وان يرجعوا القهقرى إلى عهد الكتاب
إن تفسير مرو الشاهجان بما فسره الأستاذ منقول من معجم البلدان، وقد قرأته منذ أمد بعيد وعددته من هذيان ياقوت في تفسير أسماء البلدان. كالذي يقوله عامة مصر في تفسير الفيوم بألف يوم، والبدرشين بقول يوسف الصديق حين رأى زليخا عجوزاً: اصبح البدر شينا الخ
والصواب: أن مرو الشاهجان تعريب مرو شاهكان، أي مرو الشاهية. وتفسير هذا لا يفهمه من درس الفارسية شهراً أو شهرين
ولو سلمت للأستاذ هذه الخرافة ما بلغت به غايته، فمن (ألم اقل إلمام) بالفارسية يعلم أن القاعدة التي ذكرها الأستاذ غلط. ولو انه (جلس إلى معلم الفارسية شهراً أو شهرين) لعرف أن المضاف إذا تقدم يكسر، فإذا عكست الإضافة وتقدم المضاف إليه لم يكسر، مثل عالمشاه وجهانشاه وخوانسلار وهلم جرا.
ومقتضى خرافة ياقوت التي تبعه فيها الأستاذ أن شاهجان معناه روح الملك فالمضاف إليه مقدم، فيجب أن يقال: شاهجان باسكان الهاء، وهذا الضبط مروي أيضاً.
هذا جدال الأستاذ في الفارسية، فلننظر أكان أقوم رأياً فيما يرجع إلى العربية وآدابها والإسلام وتاريخه
2 - في ص29 ج2 من المعجم: (لأن المهلبي مات بعمان) وفي الحاشية: عمان بلد في أطراف الشام. قلت الصواب: عُمان، لأني اعرف من تاريخ المهلبي انه مات بعُمان لا بعَمان. فانظر كيف يجادل الأستاذ. يقول: يفهم من كلامي أني لا اعرف أن في الشام بلدا اسمه عُمان. كأن اشتغالي بأمور المسلمين والعرب التاريخية والحاضرة، وذهابي إلى الشام ثماني مرات لم يعرفاني أن في الشام بلداً اسمه عمان. . . الخ. والحمد لله على أن أحداً غيره لم يفهم هذا من كلامي. ثم يقول: (فيثبت بواسع علمه أن المهلبي إنما مات بالتي على الخليج الفارسي (عُمان) ولم يمت بالتي في الشام، فإما مجرد التخطئة في الضبط فليس فيها إقناع مادام للبلدين وجود في العالم العربي الذي كان المهلبي يتولى الوزارة فيه) اهـ
يا أستاذ! المهلبي مات بعُمان، ولا يحتاج إدراك هذا إلى علم واسع فأقرا ترجمة المهلبي في معجم الأدباء نفسه لتعرف أين مات الرجل. كيف وأمامنا النص القاطع نقول أن المهلبي كان وزيراً في البلاد العربية فجائز أن يكون مات في كل بلد عربي؟ ولو لم نعرف بالنص أن الرجل مات بعُمان أو عمان لرجحنا الأولى، لأنا نعلم أن المهلبي كان وزيراً لمعز الدولة بن بويه، وبنو بويه لم يمتد سلطانهم على عمان قط. أرايت أيها الأستاذ أن الزيات نصحك ولم يغشك حين أشار عليك بالعدول عن الجدال في هذا؟
3 - جاء في الكتاب: (وأنفذت لشكرستان صاحبي الخ) فقلت الصواب لشكرستان، فوقف الأستاذ موقف الحكم يخطئ الناشر والناقد في ناحية ويصوب رأيهما في أخرى - ولو عرف أن الشكرستان هنا اسم رجل لا مكان لأراح نفسه من هذا العناء. فليخطئ نفسه ويسترح
4 - ورد في الكتاب السري الرفاء - فقلت الصواب تشديد الفاء. فقال الأستاذ إن المؤاخذة بهذه الشدة: (شدة متناهية) وان الذنب في هذا على المطبعة - وأنا أقول لولا أن الناشرين التزموا الشكل في كل حرف لما أخذتهم بهذا، وقد شكلوا حروف الرفاء كلها فشددوا الراء وفتحوا الفاء عبثاً. فلم يكن بد من أن أظن أن تخفيف الفاء مقصود. لأن من يشكل ما لا يحتاج إلى شكل لا يترك ما يحتاج إليه إلا عمداً
5 - وجاء في الكتاب من رسالة الخوارزمي إلى البديع: (ففيهم لعمري فوق ما وصف حسن عشرة وسداد طريقة وجمال تفصيل وجملة) فقلت الصواب أن ينصب حسن وما عطف عليه على إنها تمييز - فقال الأستاذ ما قال: ورماني بأني لم أدرك ما تقضي به بدائة النحو
والأستاذ في هذا مليم ومعذور؛ مليم بما حسبني قرأت الجملة كما قرأها فلم اهتد إلى أن (فيهم) خبر مقدم و (جمال) مبتدأ مؤخر. وكان عليه أن يفرض أن لي وراء هذه البدائة النحوية نظراً دقيقاً في الجملة عدل بي عن رفع الكلمات إلى نصبها، وكان عليه إذ لم يبن له قصدي أن يستوضحني ثم يجادل. وأما انه معذور فلأني لم اكتب الجملة كلها مصححة وكان يلزمني أن أعيدها كلها على هذه الشاكلة: (فهم فوق ما وصف حسن عشرة الخ) ولكن حرصي عل الإيجاز في نقدي كله أفاتني هذا البيان
وانظر ما الذي دعاني إلى تخطئة الجملة كما ضبطت في الكتاب: لو أني اكتفيت بقراءة الجملة وحدها أو قراءة رسالة الخوارزمي كلها لما أدركت السقم في هذه العبارة، ولكن قرأت رسالة البديع التي أجاب عنها الخوارزمي فأدركت الخطأ والصواب. وبيان هذا أن البديع كتب إلى الخوارزمي ينقم عليه سوء لقائه ويصف قومه في همذان بأوصاف هي في مضمونها حسن العشرة وسداد الطريقة الخ. وأجابه الخوارزمي معترفا بان قوم البديع أو أهل همذان فيهم هذه الأوصاف: حسن عشرة الخ فلا يمكن أن يكون معنى جملة الخوارزمي: إن قومك فيهم فوق ما وصفت: حسن عشرة الخ لان هذه الأوصاف ليست زائدة على ما وصف البديع، بل هي خلاصة وصفه، ويجب أن يكون مراد الخوارزمي أن القوم فيهم من حسن العشرة الخ فوق ما وصف البديع، وهذا لا يستقيم مع الجملة التي في الكتاب فالصواب ما رأيت. ويؤيد هذا رواية رسائل البديع المطبوعة في بيروت: فإما القوم الذين صدر عنهم سيدي فكما وصف حسن عشرة وسداد طريق الخ)
فهل يرى الأستاذ بعد هذا إنها غفلة عن بدائه النحو أو نظر دقيق وراء النحو والصرف لا يدركه إلا الموفقون لإدراك دقائق البيان؟
6 - جاء في الكتاب (وكان مفتياً في علوم شتى) قلت: الصواب متفنناً. وقال الأستاذ مفتنا. فقد وافقني على خطأ الكتاب. وأنا افرض أن مفتنا أصح من متفنن. ولكنا نبحث عن عبارة ياقوت، وهو قد استعمل (متفننا) في مواضع منها ما في ص238 ج2: وهو شاب فاضل بارع متفنن) وقد استعملها الناشرون أنفسهم فقالوا: (كان غزير الفضل متفننا في العلوم (ص107) فان ادعى إنها حيث وجدت في الكتاب محرفة عن مفتن فليؤاخذ بها الناشرين حيثما وجدها
وبعد فإني احمد للأستاذ غيرته في المجادلة عما يظنه صواباً، ولكني أود أن يتثبت ويتهم ظنه كثيراً وأن يجادل للحق لا طلباً للزلفى عند الناس. ثم أقول له خاتماً: أن أربأ بالأستاذ وبنفسي وبالقراء عن مثل ما جادل به في مرو الشاهجان، وعّمان، ولشكرستان الخ، فان عاد إلى المجادلة في أمثالها فليعذرني إذا لم يظفر مني بجواب وحسبي ما أضعت من وقتي في جداله ثم أعود إلى المعجم، منجزاً ما وعدت به من نقد تعليق الناشرين على الجزء الثاني:
سأتجاوز عن شرح البديهيات مثل السخط: ضد الرضا. والعواقب: جمع عاقبة آخر كل شيء. وسأترك شرح الفصول فان الناشرين يقولون إنا نريد أن نوضح الواضح وان نستطرد لإفادة القارئ كما يستطرد صاحبا الكامل والأمالي ولكل وجهة
ثم أعدد المآخذ الآتية:
ص30 - قول الصابي:
قُلّدتُ ديوان الرسائل فانظروا ... أعدلت في لفظي عن التسديد
أعلىّ رفع حسابَ ما أنشأُته ... فأقيم فيه أدلتي وشهودي
وفي الحاشية: (في هذا البيت لبس. ولعل حساب منونة منعت من الصرف للضرورة وتكون ما نافية والمعنى حساب ما أنشأته أو أن الأصل ما أنشيه) وليس في البيت لبس ولا ضرورة. وحساب مضاف إلى ما أي حساب الذي أنشأته. والمعنى أيلزمني أن أرفع إليكم حساب منشآتي كما يرفع صاحب الخراج حسابه الخ
ص38 - الكنف: الظل. وهذا تفسير مضلل للقارئ الذي فرضنا انه في حاجة إلى إيضاح الواضح. والتجوز لا يسوغ هذا الشرح، بل الكنف الجانب والناحية الخ
ص40 - (فتبعني بعض حجابه وعدل بي إلى البيت من داره) وفي الحاشية: عدل إلى الشيء رجع. وهذا تفسير إن صح في بعض الاستعمال لا يصح لتفسير الكلمة هنا. فهي هنا بمعنى مال وحاد
ص69 - العذار الشعر المتدلي بجانب الأذن؛ وهذا غلط. فالشعر المتدلي لا يسمى عذارا، وإنما هو الشعر النابت على جانبي الوجه
ص73 - الحائن: الأحمق. والذي نعرفه أن الحائن اسم فاعل من الحين أي الهلاك
ص74 - قول الصابي في وصف البق:
أحاط بي عسكر للبق ذو لجب ... ما فيه إلا شجاع فاتك بطل
في الحاشية: اللجب الصوت والجلبة. ما عهدنا للبق لجبا، وإنما ذلك للبعوض اهـ. أقول البق هو البعوض. ولا يعرف البعوض في العراق اليوم إلا بهذا الاسم
ص89 - الشريحة كل قطعة من اللحم - والصواب القطعة المرفقة من اللحم ص90 - الجمار الجزء الأبيض من طلع النخل - والجمار ليس من الطلع وإنما هو قلب النخلة أو شحمها كما يقول اللغويون وأسال أي عامي في مصر عن الجمار
ص107 - ذكر اسم الصابي في المتن. فأثبت الشارح في الحاشية ترجمته في خمسة اسطر. وقد مضت قبل عشر صفحات ترجمة الصابي في أربع وستين صفحة - كأن الشارح لا علم له بما مضى في الكتاب - وفي الحاشية نفسها ترجمة للصاحب بن عباد في ثمانية اسطر وستأتي ترجمته في خمس وأربعين ومائة صفحة
وفي حاشية ص161 ترجمة لبديع الزمان مختصرة من بن خلكان. وفي الصفحة نفسها تبتدئ ترجمة البديع في متن الكتاب وتستغرق إحدى وأربعين صفحة
فليت شعري لم هذا العبث؟ أما كان يمكن إحالة القارئ على التراجم المطولة في أماكنها؟
ص184 - (وإنما يشتغل بالجل من لا يعرف قيمة الخيل) وفي الحاشية الجل: السرج. وهذا غلط واضح إنما الجل ما تلبسه الدابة ليصونها من برد أو حر
ص185 - البارح الريح الحارة في الصيف تأتي من قبل اليمين، ولست ادري ما معنى اليمين هنا؟ هل المراد أن هذه الريح تدور مع الشخص كيفما دار فتأتيه عن يمينه؟ أظن في هذا لبساً بين البارح من الرياح والبارح من الحيوان
ص205 - (تكريت: بلدة مشهورة. . . ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة غربيها) وهذا وصف تكريت في الزمن القديم وكان ينبغي أن توصف تكريت الحاضرة أو يقال: كانت الخ ولا يجوز أن توصف بلاد قائمة بأوصاف زالت عنها، وليس في تكريت اليوم قلعة حصينة في طرفها الأعلى
ص277 - في الكلام عن بعض الوزراء: (فكانت له أفعال منكرة منها انه استدعى العيارين وضمنهم ما يسرقونه من أموال الناس). وفي الحاشية: ضمنه الشيء كفله به والزمه إياه اهـ وهذا تفسير لا يصلح هنا. فلو أن هذا الوزير الزم العيارين ما يسرقونه ما كان هذا فعلا منكراً بل التضمين هنا معناه أن الوزير اتفق مع العيارين على أن يؤدوا ما لا معينا مقابل ما يكسبون بالسرقة. كما يؤدي العامل مالاً عن ارض أو غيرها. وهذا من الوزير إقرار للعيارين على أعمالهم. ومن اجل هذا كان عملاً منكراً
وبعد فلست أستطيع إحصاء أغلاط الكتاب وتحريفاته، ولا تبيين مساوئ الترتيب في التراجم، والتهاون في تنسيق المتن، وحسبي أن دللت على العيب، ودعوت إلى تداركه. وقد رأيت في الأجزاء 3، 4، 5، 6 مثل ما في الأول والثاني من الأغلاط. فسأنتظر حتى تظهر الأجزاء التي طبعت بعد هذا النقد، فان ألفيتها كما أود فذلك مقصدي. وإن كانت كأخواتها أديت حقها من النقد حتى يقوم الأود. والخير أريد، وما توفيقي إلا بالله
عبد الوهاب عزام