النقد «مجلة الرسالة/العدد 181/النقد» سلسلة الموسوعات العربية معجم الأدباء بقلم الدكتور عبد الوهاب عزام - 1 - سمعت بعد عودتي من العراق الصيف الماضي أن الأديب الهمام الدكتور احمد فريد الرفاعي تطوع لنشر طائفة من أمهات كتبنا، وأن وزارة المعارف وآزرته فيما تطوع له فضمنت له تصحيح الكتب، وأن تشتري من كل كتاب ألف نسخة. وتلك همة مشكورة من الدكتور، وسنّة محمودة من الوزارة وقد عرفت من قبل في معجم الأدباء، كما طبعه الأستاذ مرجليوت، نقصاً وسقطاً وتحريفاً، فرجوت أن تكون الطبعة الجديدة سادّة ما في الكتاب من خلل، ولبثت أنتظر أن يتحقق رجائي حين ينشر القسم الأول من الكتاب. فلما طلعت الجرائد بالبشرى بادرت إلى قراءة الأجزاء التي نشرت؛ ولكني ألفيت غير ما رجوت، وتوالت عليّ أثناء القراءة خيبة ظن بعد خيبة حتى فرغت من القسم الأول موقناً أن نشر الكتاب على هذه الشاكلة أمر لا يفي ربحه بخسارته، ولا يقوم سروره بندامته؛ وأنه يجب وقف الطبع إلى أن تؤخذ الأهبة الكافلة تصحيح الكتاب وإتقان طبعه. فليس يليق بالكتاب العظيم، ولا بالناشر الفاضل ولا بوزارة المعارف هذا التحريف والمسخ والشرح السخيف - 2 - وسأعرض على القارئ كيف توسمتُ الخيبة ثم ترادفت شواهدها، وتوالت أمثلتها: نظرت إلى صفحة العنوان فرأيت أسطراً لم أبالها، ثم رأيت اسم الكتاب والمؤلف على هذا الترتيب: (معجم البلدان) وتحته: (في عشرين جزءا) وتحت هذا: (لياقوت). فبدا لي أن وضع اسم الكتاب والمؤلف على هذا الشكل ليس فاتحة خير. وكان ينبغي أن يقدم اسم المؤلف على عدد الأجزاء ويكمل الاسم بذكر اسم الأب والنسبة ويكتب بخط كبير. ثم المؤلف لم يجزّئ كتابه هذه التجزئة، فكان ينبغي الاحتفاظ بتجزئته، وتقسيم كل جزء أقساماً. ومن اللطائف أني قلت لبعض الأصحاب: لماذا كتب اسم ياقوت مختصراً بحرف صغير؟ قال انظر. وأراني نسخة أهداها الناشر إلى بعض الأدباء، وقد سمي نفسه فيها المؤلف لا الناشر، ثم قال لا تعجب بعدُ من وضع اسم ياقوت هذا الوضع. قلت: أتعني أن قلم المطبوعات يفكر في حذفه؟ ثم قرأت على صفحة العنوان: (الطبعة الأخيرة) فلم أدر كيف سمى الناشر طبعته الطبعة الأخيرة. أرأيت إن طُبع الكتاب طبعة أخرى أتكون طبعتنا هذه الطبعة الأخيرة أيضاً؟ أيمكن أن يقال إن في نية وزارة المعارف أن تحرّم على الناس طبع الكتاب من بعد فتبقى طبعتها الطبعة الأخيرة إلى يوم القيامة؟ رأيت هذا كله في صفحة العنوان فسألت الله ألاّ يصدق المثل: (الكتاب يقرأ من عنوانه)، ومضيت أتصفح الكتاب فإذا هو مشكول كله كلمة كلمة وحرفا حرفا. وعجيب أنه تحمّل الكلمات هذه الأحمال، ويؤذي القارئ بهذه الأشكال دون فائدة. إن الشكل في مثل هذا الكتاب ينبغي أن يُتحرّى به مواضع اللبس، فلا يشكل ما لا يشتبه على القارئ، وأما شكل واو العطف و (في) الجارّة، والقاف من قال واللام من أداة التعريف فعمل أقل ما يوصف به أنه عبث. خذ مثلاً هذه الجملة من صفحة 194: (كان من أبلغ الناس في الكتابة) فهذه لا تحتاج إلى أن تشكل لقراء معجم الأدباء. فإذا راعينا المبتدئين من طلاب الأدب وضعنا كسرتين تحت الغين والسين. فأية حاجة إلى شكل الحروف كلها: (كَانَ مِنْ أَبْلَغِ الْنَّاسِ فيِ الكِتاَبَةِ) قلت لنفسي: دعي شكل العنوان وشكلات الحروف ولا تقفي عند الأشكال وانظري إلى الموضوع. فقرأت فألفيت تحريفاً في الطبعة الأولى مُتَّبعاً، وتحريفاً آخر مبتكراً، وسوء صنيع في بيان مبادئ الكلام ومقاطعه، والفصل بين ما يقوله ياقوت وما ينقله، وشرحا في الحاشية لا يعدو في معظمه أن يكون غلطاً أو عبثاً أعرض على القارئ أمثلة من هذه المآخذ، وأكتفي في هذا المقال بالتحريفات الواضحة والغلطات البيّنة تاركاً التحريف الخفيّ الذي يحتاج إلى مراجعة الكتب لبيان صوابه ريثما أفرغ له أ - تحريفات في حروف الكلمات أو شكلها: أول ما يلقى القارئ من التحريف الذي كشف عنه الولع بشكل الكلمات اسم مرجَليوث بفتح الجيم وجُب بضمها، وقد وردت الثانية مرتين ص 5 و 15. ولا أدري ما عذر الناشرين في هذا الضبط. ونحن نسأل صديقنا المستشرق الأستاذ جب: أجاء اسمه بِضم الجيم في لهجة إنكليزية أو قحطانية أو عدنانية؟ أنا أعلم أن شاعر الترك الكبير عبد الحق حامد حينما كتب البيتين اللذين ينشران على غلاف مطبوعات جب، اضطر إلى مدّ الجيم من جب أو الكاف كما كتبها فقال: نه اولور دي ياشامش اولسه ايدي مستر كَيب ولكني لا أعرف ضرورة تقضي بضم الحرف ص 16 - نَشوار، والقَفطى. والصواب كسر النون والقاف ص 20 - كيش وعَمّان. والصواب عُمان. وشتّان ما بين البلدين ص 21 - السلطان محمد بن تَكْش. والصواب تُكُش بضمتين ص 23 - ثعلبة بن عكاية، وص 107 ثعلبة بن عكاشة. والصواب عكابة بالباء ص 31 - مرو الشاهِجان، ونِتَفها. والصواب فتح الهاء وضم النون ص 35 - لبّ عازب، وحُلم غائب. والصواب كسر الحاء ص 37 - يعالج لما خَرّبه من هذا الأمر المقيم المقعدِ. وفي الحاشية: خرّبه نزل به. والصواب لما حزبه. يقال حزبه الأمر لا خرّبه الأمر. والمقيم بالفتح مفعول يعالج لا صفة للأمر ص 40 - أبيات لياقوت (في غلام تركي رمدت عينه وعليها رفائد سود). وفي الحاشية الرفادة الخرقة توضع على الجرح. وهذا صواب. ولكن جاء في البيت الثاني: (أرخى على عينيه فضل وقاية) وكان ينبغي أن يُعلم أنها فضل رفادة بعد أن ذِكرت الرفادة وشرِحت ص 63 - قول ياقوت: (فاجعل جائزتي دعاء يزكو غرسه عند ذي العرش، واحمدني في بُسُطه والفرش) والصواب في بَسْطه أي بسط الكتاب ص 64 - (إذ كلٌّ همَّه تحصيل المأكول والمشروب). والصواب همُّه بضم الميم. والمراد هنا الاسم، لأن الفعل أَهّم لا همّ ص 80 - ومعاوية بفارسٍ. والصواب بفارسَ، فإنها ممنوعة من الصرف، وفي الصفحة نفسها: ينعىِ. والصواب ينعىَ بالفتح ص 82 - أمغطٍّ منى على بصري بالسحب أم أنت أكمل الناس حُسناً وقد شرحه الناشر في الحاشية وقال: (ويروى أمُغَطىَّ على صيغة المفعول). والصواب أمغطَّى لا يحتمل البيت غيرها، وكان الواجب تصحيح البيت لا إثبات الغلط وشرحه، وفي البيت غلط آخر في وضع كلمة السحب بدل الحب. والبيت معروف. ص 93 - (ولا أبدأُ نفعا ولا أحمدُ أخلاقا ولا أدومُ سرورا)، وقال في الحاشية: في الأصل أبد نفعا. فقد أصلح غلط الأصل بغلط آخر. والصواب أبدي بالياء. ص 99 - (ولم تُعوَّض من ذاك ميسُرة). والصواب فتح السين. ص 108 - (لُغوِيا نبها ثَبَتا). وقد شرحها في الحاشية فقال: والتَبَت بفتح الباء الحجة والرجل الثقة. والصواب ثبْتا. يقال رجل ثبْت لا ثبَت، والثبت بالفتح البرهان اسم لا وصف. ص 112 - كأنْ ثنى النُّحوص. . الخ والصواب فتح النون. ص 115 - أُضِقت إضاقة شديدة، وبعد أسطر: أُضِقت مرّة. والصواب أَضَقت بالبناء للفاعل أي أصابه ضيق. ص 133 - فلا أزال أماكسهم ويزيدوني. والصواب يزيدونني. ص 188 - فنقطت القلم نقطة. وفي الحاشية: الأنسب نقط القلم. أقول: وأنسب من هذا نقطت من القلم نقطة. ص 187 - يسائل عن أخي جُرم. . الخ والصواب جَرم وهو اسم قبيلة. ص 208 - إبراهيم بن قُطْن. ونحن نعرف في الأسماء قَطَنا لا قُطنا. ص 209 - المُصَيصَة اسم بلد. والصواب المَصِّيصة ص 213 - أبو عليّ الرَّوْزباري. والصواب الرُّوذباري. ص 219 - ثنى الصَّبا غصنا قد غازلته صَبا، والصواب ثنى الصِّبى ص 237 - أحمد الفِرغاني. والصواب فتح الفاء ص 240 - غُمار الناس. والصواب كسر الغين ص 221 - : يخال بأن العِرض غير موفَّر ... عن الذم إلا أن يدال له الوفر والصواب يذال بالذال المعجمة من الاذالة أي الامتهان ص 224 - : سقى الله صوب القصر تلك مغانياً ... وإن غنيت بالنيل من سُبُل القطر وهذا بيت معمور بثلاث غلطات. والصواب صوب القطر. و (عن سَبَل القطر) ص 233 - (وسعد بن مسعود هو أخو عبيد بن مسعود صاحب يوم الجسر.) والصواب أبو عبيد وهو صحابي معروف قاد جيوش المسلمين في وقعة الجسر وقُتل بها. والعجيب أن في الكتاب بعد سطر واحد: وسعد هو عم المختار بن أبي عبيد الثقفي. ولم يتنبه الناشر إلى أن أبا عبيد الثقفي هذا هو أبو عبيد ابن مسعود الذي سمّاه عبيد بن مسعود. ومثل هذا ما جاء في ص 235: (محمد بن علي الشلمغاني) وبعدها بسطرين: (من أهل قرية من قرى واسط تعرف بشلغمان. ولو لم يكن المصحح نائماً لما سمى الرجل في سطرين عبيداً وأبا عبيد، وسمى القرية في سطرين شلمغان وشلغمان ص 256 - (وكان حسن الحفظ للقرآن. أولَ ما يبتدئ به الخ). وفي الحاشية: أول مفعول يبتدئ. والصواب أولُ بضم اللام وهي مضافة إلى المصدر المؤول بعدها لا مفعول يبتدئ. وينبغي أن يُعلم أن ما بعد ما المصدرية لا يعمل فيما قبلها ص 187 - في متن الكتاب: (ثم التي لا يقع حسم الداء بغيرها.) وهو كلام مستقيم، ولكن الناشر أخرج هذه الجملة إلى الحاشية. وأثبت في المتن (التي لا يقع بحسم الداء غيرها.) أجاز لنفسه هنا أن يغيّر المتن وهو صحيح. ولم يجز لنفسه في مواضع أخرى أن يصحح المتن وهو غلط بيّن فاكتفى بإثبات الرواية الصحيحة في الحاشية ص 191 - كان في متن الكتاب: كذبت همة عين ... طمعت في أن تراكا أَوَ ما حظٌّ لعين ... أن ترى من قد رآكا؟ فغير الناشر (أَوَ ما) إلى (أَيُّ ما). والصواب ما كان في المتن. والغلط ما رآه الناشر. وغلط آخر في رسم (أَيّما) مفصولة كما رسمها ص 270: معاذ الله أن نُلقى غضابا ... سوى ذاك المطاع على المطيع وفي هذا غلطان. والصواب: نُلفى غضابا بالفاء، في الشطر الأول و (دَلّ المطاع) بدل (ذاك المطاع) في الشطر الثاني هذا ما أخذته وأنا أعبر القسم الأول وهو جزء من عشرين، ووراء هذا معضلات من التحريف تحتاج إلى بحث وتنقيب ليتبين صوابها. وسأبين في المقال الآتي ما في تعليق الناشرين من غلط وعبث، يرى فيهما القارئ المبكي المضحك، وموعدنا العدد الآتي إن شاء الله عبد الوهاب عزام