مجلة الرسالة/العدد 178/تاريخ العرب الأدبي
→ بين أحضان الطبيعة | مجلة الرسالة - العدد 178 تاريخ العرب الأدبي [[مؤلف:|]] |
من الأدب الإنكليزي ← |
بتاريخ: 30 - 11 - 1936 |
6 - تاريخ العرب الأدبي
للأستاذ رينولد نيكلسون
ترجمة حسن حبشي
الفصل الأول
وهكذا نجد بين التبابعة ملكة سبأ التي ذكرت مخاطراتها مع سليمان في السورة السابعة والعشرين من القرآن، وبالرغم من أن محمداً (ص) نفسه لم يشر إلى اسمها أو نسبها فان المفسرين اعتبروها بلقيس ابنة شراحيل (أو شرحبيل)
أما البطل الوطني الذي ورد ذكره في أسطورة عرب الجنوب فهو (تبع أسعد كامل) أو كما يسمى أحياناً (أبو كرب) الذي ما زالت ذكراه حتى اليوم - كما يقول فون كريمر - حية باقية، وما زالت روحه تكثر من الترداد على خرائب قصره في ظفار (وما من أحد يطالع قصيدة مخاطراته أو النصائح التي وجهها إلى أبنه حسان وهو مسجى على فراش الموت إلا اعتقد مضطراً أنه أمام شعر قصصي أصيل مستمد من الخرافات العربية الجنوبية التي ترجع أوليتها دون شك إلى عصر قديم جداً) وهأنذا أقدم للقارئ بعضاً من القصيدة التي يمكن تسميتها بقصيدة (الساحرات الثلاث)
الدهر يأتيك بالعجائب والأيا ... مُ والدهر فيه معتبر
بينا ترى الشمل فيه مجتمعا ... فرقه في صروفه القدر
لا ينفع المرء فيه حيلته ... فيما سيلقاه لا ولا الحذر
إني زعيم بقصة (عجبٍ) ... عندي لمن يستزيدها الخبر
يكون في الأسد مرّة رجل ... تم له في ملوكه الخطر
مولده في قرى ظاهر هم ... دان بتلك التي اسمها خمر
يقهر أصحابه على حدث الس ... نِّ ويحقرهم فيحتقر
حتى إذا مكنته صولته ... وليس يدري ما شانه البشر
أصبح في هيوم على وجل ... وأهله غافلون ما شعروا
رأوا غلاماً بالأمس عندهم ... أزرى لديهم بجهله الصغ لا يفقدوه لا در درهم ... لو علموا العلم فيه لافتخروا
حتى إذا أدركته روعته ... بين ثلاث وثلاثة (!) حجروا
جاءت إليه الكبرى بأسقية ... شتى وفي بعضها دم كدر
فقال هاتي أليَّ أشربها ... قالت له: ذر فقال لا أذر
فناولته فما تورّع عن ... أقصاه حتى أماده السكَر
فنهنهته الوسطى فنازلها ... كأنه الليث هاجه الذّعر
قالت له هذه مراكبنا ... فاركب فشر المركب الحمر
فقال (حقاً صدقت) ثم سما ... فوق ضبيع قد زانه الضمر
فدق منه جنباً فغادره ... فيه جراح منها به أثر
ثم أتته الصغرى تمرّضه ... فوق الحشايا ودمعه دِرَر
فحال عنها بمضجع ضجر ... ولا تساوي الوطاء والزعر
كان إذ ذاك بعد صرعته ... من شدة الجهل تحته الإبر
قلن له لما رأين جرأته ... أسَعْدُ أنت الذي لك الظفر
في كل ما وجهة يوجهها ... وأنت يشفى بحربك البشر
وأنت للسيف والسنان وفي ... الأبدان تبدو كأنها الشمر
وإنّ أنت المهريق كلّ دم ... إذا ترامى (بشخصك) السفر
فارشد ولا تستكن في (خمر) ... ورد ظفارا فأنها الظفر
فلست تلتذ عيشه أبداً ... وللأعادي عين ولا أثر
نحن من الجن يا أبا كرب ... يا تبعّ الخير هاجنا (الدغر)
فما بلونا فيك من تلف ... عن عمد عين وأنت مصطبر
ثم أتى أهله فأخبرهم ... بكل ما قد رأى فما اعتبروا
فسارعتهم من بعد تاسعة ... إلى ظفار وشأنه (الفكر)
فحلّ فيها والدهر يرفعه ... في عظم شأن وهو يشتمر
إنا وجدنا هذا يكون معاً ... في علمنا والمليك مقتدر
فالحمد لله والبقاء له ... كل إلى ذي الجلال مفتقر وتجعل هذه القصيدة أسعد بطل حملة عظيمة إلى فارس حيث نازل القائد الذي أرسله إليه أحد ملوك العراق وقهره ثم انطلق إلى بحر قزوين، وفي طريق عودته اخترق الحجاز وإذ ذاك علم أن ابنه الذي خلّفه في المدينة قد قتل غيلة، فأقسم أن يكون ثأره من أهل تلك البلدة شديداً (وبينما كان تبع منهمكا في إعداد الغارة عليهم، وفد عليه حبران يهوديان من قريظة يتفجّر العلم منهما، فلما علما بعزمه قالا له: (أيها الملك لا تفعل فأنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة) فقال لهما: (ولم ذلك؟) فقالا: (هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره) فتناهى عن ذلك، ورأى أن لهما علماً وأعجبه ما سمع منهما فانصرف عن المدينة واتبعهما على دينهما). . . وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها فتوجّه إلى مكة وهي في طريقه إلى اليمن، ثم أتاه نفر من هذيل قالوا له: (أيها الملك، ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟) قال: (بلى) فقالوا: (أرسل إلى الحبرين) فأرسل إليهما وأخبرهما بما حدثه به الهذليون فقالا له: (ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك. ما نعلم بيتاً لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره، ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكنّ وليهلكنّ من معك) فسألهما ما يصنع إذا قدم عليه فأشارا عليه بأن يصنع ما يصنع أهله (تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتذلل له) فقال: (فما يمنعكما إنتما من ذلك؟. . .) قالا: (أما والله إنه لبيت إبراهيم، وإنه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك) فامتثل أمرهما وقرب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل. ثم لما دنا تبع من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا (لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا) فدعاهم إلى دينه، وقال: (إنه خير من دينكم) فقالوا: (فحاكمنا إلى النار) قال: (نعم)
وكان باليمن فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه، تنفر تأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فخرج قوم بأوثانهم وما يتقربون به من في دينهم، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلّديها حتى قعدا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم، فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها فذمرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر لها فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرهما فأصبحت عند ذلك حمير على دينه. فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن.
(يتبع)