مجلة الرسالة/العدد 177/العالم المسرحي والسينمائي
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 177 العالم المسرحي والسينمائي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 23 - 11 - 1936 |
التأليف والترجمة للمسرح
حديث للأستاذ زكي طليمات لناقد (الرسالة) الفني
قبلت الفرقة القومية استقالة الأستاذ طليمات، كما ألغت وزارة المعارف انتدابه للعمل في هذه الفرقة، فحرم المسرح في مصر من جهود شاب نشط مثقف أرسلته الحكومة إلى فرنسا ليدرس التمثيل والإخراج كي تنتفع به النهوض بهذا الفن.
ولسنا ندري حقيقة الدوافع التي حدت بالأستاذ طليمات إلى تقديم استقالته، ولكننا علمنا أنه ضمنها كتابة الذي رفعه إلى الأستاذ الكبير محمد العشماوي بك وكيل وزارة المعارف، ولذلك قصدت إلى الأستاذ طليمات وسألته أن يطلعني على صورة من هذا الكتاب، فأبى ورفض أن يدلي بأية تفاصيل، ولكنه أمام الإلحاح صرح بما يلي:
(لم استقل لا من أجل زيادة مرتبي أو طلب مركز أو خلافة، وإنما استقلت لأنني غير قادر على تقوية ضعف أرى الفرقة تنساق إليه يوماً بعد يوم.
كنت مغلول اليدين مشدوداً إلى خشبة تعذيب، أرى وأتألم وأصيح ولا يستمع لي أحد، وهذا عذاب لا يطاق
فاستقالتي إنما هي لأراحة ضميري).
ولم يرض الأستاذ طليمات أن يزيد كلمة على هذا التصريح بل جعل ينتقل بالحديث من موضوع إلى آخر حتى عرض لنا موضوع التأليف والترجمة للمسرح فوجهت إليه السؤال التالي:
ما رأيك في الروايات المصرية التي أخرجتها أو طلعت عليها؟
فأجاب (رأيي أن المسرحية المصرية لم تستكمل بعد مقومات نضوجها، وما برحت تفتقر إلى الطابع الأصيل الذي يميزها عن الرواية الغربية، إذ لا يخفى عليك أن الجمهور المصري لم يتعرف إلى المسرحية في اللسان العربي إلا منذ سبعين عاماً، والأدب القديم خلو منها على الرغم مما يذخر به من المخلفات الممتعة في مختلف العلوم والفنون.
أدبنا العربي والحديث يفتقر إلى الوراثة المهذبة في فن صياغة القطعة المسرحية. وليست له تقاليد فيها، فنحن ما برحنا في دور النقل والتقليد والاستساغة، نأخذ عن المسرح الغرب في صياغة مسرحياتنا وننحو نحوه، ولا بد لنا أن نجتاز هذه المرحلة قبل أن يستقر وضع أصيل للمسرحية المصرية. غير أن هذا لا يحجزني عن التصريح بأن بيننا نفراً من المؤلفين المصرين قد وفقوا كثيراً في تأليف روايات متينة البناء قوية الحبكة جاء حوارها قوياً في سلاسة وسهولة. فهنالك أمثال: (إبراهيم رمزي)، (عباس علام)، (المرحوم محمد تيمور)، يأتون في مقدمة هذا النفر. وجاء أخيراً (توفيق الحكيم) فأضاف ذخيرة جديدة إلى محصولنا في آداب المسرحية المصرية.
واهم ما آخذه على أكثرية المؤلفين المصريين أنهم لا يحسنون العدة للتأليف، فتحصيلهم سطحي هزيل، ولذلك لم يكن غريباً يكون نتاجهم فجاً. وأعرف ممن يكتبون للمسرح من لم يقرأ رواية أجنبية واحدة، فإذا سألته عن شغفه بالتأليف أجابك في زهو أنه مواظب على حضور التمثيل في فرقة فلان أو فلانة.
وأبين مواطن الضعف في المسرحية المصرية جهل بصياغة الرواية وحبكة حوادثها في منطق سليم يستشير اهتمام الجمهور في غير افتعال أو خروج عن المعقول، كذلك ميل إلى معالجة الموضوع بطريقة سطحية يُهدر فيها جانب الشخصيات في الرواية فيبدون نحفاء مهازيل من حيث التحليل النفسي. أما الأسلوب الذي يكتبون به فتعلوه مسحة من التكلف والنزوع إلى الإتيان بمهجور اللفظ والمبالغة في سرد المترادفات والجود بالألفاظ في إسراف معيب. فإذا خلا من هذه العيوب في بعض الأحايين، فلكي يقع في قص الحديث والسرد، وإذا قلت إن قليلاً، وقليلاً جداً من مؤلفينا يحسنون جدل الحوار لما قررت غير الواقع.
وأعتقد أنه يجب أن يمر زمن طويل حتى نحسن صناعة تأليف الرواية المسرحية. والعلة في هذا ترجع إلى أننا نعمل من جديد دخيل في آدابنا.
فقلت له: (وما رأيك في الروايات التي تترجم للمسرح المصري. ومن هو أحب المؤلفين إليك؟) وقد أجابني قائلاً (أكثر هذه المترجمات من هزيل الروايات الغربية ذات الصبغة القاتمة أو ذات المواقف العنيفة المفتعلة. وقد تهافت أصحاب الفرق التمثيلية على نقل هذا النوع من الروايات لسهولة إخراجه على المسرح، ولأن نقله إلى العربية لا يحتاج إلى كثير من العناء الذي يتطلب زيادة الأجر في نفقات الترجمة. هذا فضلاً على أن هذه الروايات تستهوي الأكثرية الغالبة من الجمهور، وهي أكثرية ساذجة التفكير لا تميل إلى أعمال الروية فيما يقدم إليها على المسرح. ولا يخفى عليك أن الجمهور المصري لم يتعود أشغال الفكر فيما يراه في دور اللهو، ولم يطالعه فن التمثيل باللسان العربي إلا منذ سبعين عاماً، وفن التمثيل ظاهره له وباطنه تهذيب وتثقيف.
ومن العجيب أن كثيراً من روايات (موليير) وبعض روايات كورني وراسين، وهم من عباقرة المؤلفين المسرحيين قد نقلت إلى العربية في أوائل عهد مصر بالتمثيل ولكنه كان نقلاً مشوهاً مسخت فيه معالم تلك الروائع الفنية فخرج بعضها يتعثر في أسلوب من العامية والبعض الآخر يتنكر في أسلوب ركيك محشو بالسجع مطبوع بالتعابير (الكليشية) التي مج استعمالها وأنكرتها الآذان.
وتقدمت عملية النقل في السنوات الأخيرة، وتنبهت وزارة المعارف أخيراً إلى ضرورة تغذية المسرح المصري ببعض من نفائس الأدب المسرحي فترجمت عدداً منها ترجمة أنموذجية، وقامت بطبعها متوخية في عملها هذا أن يطلع المتأدبون على أنفس الذخائر الفنية في المسرح الغربي، وأن يتأثر بطابعها من يعالجون التأليف المسرحي في مصر. ولا غنى لنا عن المسرح الغربي في هذه المرحلة، مرحلة الاستساغة، ولكن هذا يجب ألا يصرفنا بأي حال من العناية بالرواية المصرية وتشجيع مؤلفيها. ويجب ألا يكونقياسنا في الحكم عليها ما يعمر رؤوسنا من آثار نوابغ المسرح الغربي، فنحن ما برحنا في دور المحاولة، محاولة جعل الرواية المسرحية شعبة من أدبنا المصري الحديث.
وألاحظ أن أكثر مترجماتنا مأخوذ من الأدب الفرنسي، بل يكاد مسرحنا (لاتينياً) في نزعته، وما هذا بعجيب فثقافتنا لاتينية منذ القدم كما أن مزاجنا يكاد يتشابه بالمزاج اللاتيني، وذلك بحكم أننا من أبناء شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومصر هي الضفة المقابلة لإيطاليا.
ولكن ما أحوجنا إلى أن يتعرف الجمهور والمتأدبون إلى آثار الأدب الجرماني وأدب الشمال والأدب الأمريكي الشاب الذي هو خلاصة آداب مجتمعة، فمسرحنا لم يتعرف بعد إلى (أبسن) النرويجي و (استرنبرج) السويدي و (هوبتمان) الألماني و (أوجين أونيل) الأمريكي.
وأحب المؤلفين المسرحيين إلي هم (موليير) الفرنسي، و (أبسن) النرويجي، و (شاكسبير) الإنجليزي. ولي ولع خاص بمطالعة أعمال موليير لأنها علمتني الاعتدال وهي صفة أقر بافتقاري إليها، وطالما كان حظي الصغير منها سبباً في أخطاء أتيتها في حياتي، ولأن موليير تجتمع كاملة شخصيات الشاعر الإنساني، والكاتب المسرحي والممثل، فهو رجل مسرح بحق.
وتهزني مآسي شاكسبير بروعتها، وفيض عواطفها، وهي مآس عاطفية تركزت فيها الإنسانية بأسرها.
أما (إبسن) فهو أبو المسرح الحديث وأستاذ أساتذة نوابغ المسرح الغربي، وهو الطود الشامخ وغيره الكثبان الرملية والتلال. وفي ضباب مآسيه غموض الحياة وظمأ المعرفة الذي لا تنقع علته، وفي نضال شخصياته أروع مآسي الحياة الفكرية).
قلت له ما رأيك في استقدام الخبير الفني الذي تنوي وزارة المعارف استقدامه من الخارج؟ فأجاب (سبق أني صرحت برأيي في ذلك، وهاأنذا أكرر ما قلته: وهو أن في استقدامه ما قد يبصرنا بما خفي علينا الأخذ به من وسائل ترقية المسرح المصري وإذاعة آثاره؛ وأرجو أن توفق الوزارة في اختيار أحد الرجال البارزين في المسرح الأوربي؛ ولعل في استقدامه واضطلاعه بشؤون الفرقة القومية ما يقضي على أسباب الفوضى المنتشرة في هذه المنشأة الجديدة، وهو الأمر الذي عجزت عنه وأعياني أمره).
يوسف تادرس