مجلة الرسالة/العدد 169/لمعات
→ المجاهد | مجلة الرسالة - العدد 169 لمعات [[مؤلف:|]] |
على الشاطئ ← |
بتاريخ: 28 - 09 - 1936 |
3 - لمعات
مهداة إلى شاعر الإسلام وفيلسوفه محمد إقبال جواباً لكتابيه
(أسرار خودي) و (رموز بي خودي)
للدكتور عبد الوهاب عزام
جال في الظلماء صوت هاتف ... فظلام الليل منه راجف
مدّ في الظلماء نوراً من نغَمْ ... مُزّقَتْ منه دياجير الظُلم
أشُعاعٌ فيه صوت صائح ... أم كلام منه نورٌ لائح؟
أذِن الركب لهذا المنشد ... أطرب الناشدَ صوت المنشد
سال في القلب مسيل المطر ... ينبت الروح بسهب مُقفر
أو خرير الماء من نبع زلال ... بشّر الغارق في بحر الرمال
رنّ في نفسي رنين الجرس ... صاح في أذني فقيد مُبلِس
طوت البيداءُ عنه السابلة ... وهداه الصوت شطر القافلة
سبق القلبُ إليه الأذنا ... كبلال لصلاة أذّنا
دار قلبي شطر هذا المطربِ ... دورة الإبرة شطر القطُب
(غنّني يا مُنيتي لحن النشور ... ابركي يا ناقتي. تم السرور
عُدت يا عيدي إلينا. مرحباً ... نعمَ ما روّحتِ يا ريح الصبا)
حبذا الصوت فمن هذا البشير؟ ... ومن الهاتف بالقلب الكسير؟
ومَن المسعد في هذي الهموم؟ ... ومن البارق في هذي الغيوم؟
ومن الهابط في نور السما ... هادياً في الأرض جيلاً مظلما؟
ومن الهادي إلى أرض الحبيب ... يعرف النهج وقد حار اللبيب؟
ومن السائق شطر الحرَمِ ... وإلى الأصنام سير الأممِ؟
ومن القارئ في بيت الصنم ... سورة الإخلاص في هذا النغم؟
ومن الحرّ الذي قد حطما ... في قيود الأسر هذا الأدهما؟
ومن الآبي على كل القيود ... ومن القاطع أغلال العبيد؟ ومن الباعث في ميْت الأمم ... ثورة العزة من هذي الهمم؟
لاح كالغُرة في هذا السواد ... بصّ كالجمرة في هذا الرماد
جرف الناس أَتِيٌّ مزبد ... ضل فيه المقتدي والمرشد
وطغى اللج عليه والتطم ... فرسا كالصخر في هذا الخضمّ
عارض الموج على أغماره ... وطوى اللج على تياره
سبح اللج وبالشط استقر ... داعياً والناس غرقى في النهَر
يجرف التيار جسما جامدا ... تقذف اللجة قلباً خامداً
إن عزم الحر بحر مزبد ... جائش في الدهر لا يتئد
هذه الأقدار في تسيارها ... همم الأحرار في أسفارها
ومَن الشاعر يذكي القافية ... فهي نور وهي نار حامية؟
تقشعر الأرض من أوزانه ... ويهيم النجم من ألحانه
وكأن الدهر صوت كُتبا ... قد حكاه الشعر صوتاً مطربا
هو بالأشعار بحر فائض ... وهو للأزمان قلب نابض
حدّثته الأرض عن أخبارها ... وحبته الزهر من أسرارها
هو بالأمس خبير بغدِ ... وهو اليوم نجيُّ الأبد
كشف الله عن الغيب له ... فلسان الغيب يُملي قوله
عرف الشرق وراد المغربا ... فانجلى السرّ له. ما كُذِبا
فرأى العلم سبيلاً للردى ... إذ رأى القلب خلياً من هدى
صوت (إقبال) على شط المزار ... أسمع اليقظان في هذي الديار
(يتبع)
عبد الوهاب عزام