مجلة الرسالة/العدد 166/البريد الأدَبيّ
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 166 البريد الأدَبيّ [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 07 - 09 - 1936 |
الخطر على تراث الإسلام في أسبانيا
قرأنا في أخبار الحرب الأهلية الأسبانية غير مرة أن القنابل ألقيت على غرناطة وقرطبة ومالقة. ونحن نعرف أن الأندلس تقع منذ بدء الحرب الأهلية في يد القوات الثائرة وأن حكومة مدريد تحاول تطويقها من البر والبحر، وترسل قواتها الجوية لضرب قواعدها بالقنابل من آن لآخر؛ وقد كانت غرناطة وقرطبة في الآونة الأخيرة هدفاً لتلك الهجمات الجوية؛ وقد قرأنا في روعة وجزع أن القنابل أصابت قصر الحمراء وأتلفت بعض نواحيه؛ فإذا صح هذا الخبر كنا أمام حادث بربري، وأمام كارثة حقيقية تنزل بتراث العرب والإسلام في أسبانيا. إن قوانين الحرب في كل عصر ودولة تنص على احترام الذخائر الأثرية، مهما كان في خطورة المعارك الأهلية الدائرة في أسبانيا وروعتها فإن الإقدام على تخريب المعاهد الأثرية سواء من هذا الفريق أو ذاك يعتبر عملاً بربرياً لا تبرره أية غاية. وقد منيت الآثار الإسلامية في أسبانيا بسبب التعصب والإهمال خلال القرون بكثير من التلف، فتركت كنوز المحفوظات العربية في الأسكوريال لتلتهمها النيران، وأضحت لا تجاوز ألفاً وثمانمائة بعد أن كانت حتى القرن السابع عشر تربي على عشرة آلاف؛ وحولت معظم المساجد الإسلامية الجامعة وفي مقدمتها مسجد قرطبة إلى كنائس وشوهت بذلك معالمها وخواصها الفنية؛ وهدم قسم من قصر الحمراء ليبنى مكانه قصر صيفي للإمبراطور شارلكان؛ ولم تبق يد التعصب والجهل إلا على بقية ضئيلة من النقوش واللوحات الأثرية. وهذه البقية الباقية من تراث الإسلام والعرب في مدريد وغرناطة وقرطبة ومالقة تعرض اليوم للتخريب والفناء الأخير. وليس بعيداً أن نقرأ اليوم أو غداً أن قنابل الثوار سقطت على قصر الأسكوريال وأحرقته بما فيه من المخطوطات العربية، أو أن قنابل القوات الحكومية ألقيت من جديد على قرطبة فهدمت مسجدها الجامع، أو على غرناطة فهدمت قصر الحمراء؛ ذلك أن الحرب الأهلية الأسبانية تدور بلا شفقة ولا رحمة لا بالناس ولا بالأشياء. وإنه ليحسن في مثل هذه الظروف الدقيقة أن ترفع الحكومات والهيئات الإسلامية صوتها للمطالبة باحترام التراث الإسلامي في أسبانيا وحمايته من الغارات الخطرة؛ فحق الأمم الإسلامية كلها متعلق بهذا التراث، وفي اعتقادن أن مثل هذه الخطوة إذا اتخذت يكون لها أثرها.
مدام جوليت آدم
توفيت مدام جوليت آدم الكاتبة الفرنسية الشهيرة وعميدة كتّاب فرنسا من حيث السن. وكانت وفاتها في قصرها في كانيول من أعمال مقاطعة الفار حيث اعتكفت منذ أعوام طويلة تعيش في عزلة مطلقة. وقد بلغت مدام آدم المائة عام تقريباً، وكان مولدها في فريري من أعمال (الواز) في أكتوبر سنة 1836؛ وكان زوجها أدمون آدم مديراً لشرطة باريس، ثم استقال من منصبه على أثر حادثة فرار هنري روشفور من سجنه في كاليدونيا الجديدة؛ ثم انتخب عضواً في مجلس الشيوخ في سنة 1875 وتوفي بعد ذلك بعامين، وكان من رجالات الإمبراطور ومن شخصيات القرن الماضي.
وتبوأت مدام آدم منصة التحرير والكتابة منذ أكثر من ستين عاماً، وتولت تحرير (المجلة الجديدة) في أواخر القرن الماضي، وبرزت بين كتّاب هذا العصر بذلاقتها وروعة أسلوبها، وكتبت عدة كتب وروايات قيمة منها كتاب (حصار باريس) وهو من أشهر الكتب في هذا الموضوع، وفيه تصف مدام آدم ذلك الحصار الشهير الذي شهدته بعينيها؛ ومنها (مذكرات باريزية) وهي مذكرات طريفة تقدم إلينا صوراً شائقة من الحياة الفرنسية في القرن الماضي. ولمدام آدم عشرات أخرى من الروايات والكتب. وكانت مدام آدم تستقبل في بهوها الأدبي أشهر كتاب العصر ورجالاته، وكان من أشهر الأبهاء الأدبية في أواخر القرن الماضي.
ومن مآثر مدام آدم التي يذكرها المصريون بنوع خاص صلتها الروحية بمصطفى كامل زعيم الوطنية المصرية ومراسلتها معه. وكانت مدام آدم من أشد أنصار القضية لمصرية، وكانت تشجع مصطفى كامل بمراسلاته ونصائحها، وتنشر عن القضية المصرية مقالات كثيرة تدعو فيها إلى تأييد مصر في جهادها وإلى إنصافها وتحقيق أمانيها.
وكان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وهاهو ذا الزمن يحقق بعد ثلث قرن من صيحة الكاتبة الشهيرة لمصر بعض أمانيها، وتجني مصر بعض ثمار جهاد زعمائها وأبنائها البررة. فليذكر المصريون مدام آدم وأمثالها ممن نادوا بحق مصر في الحياة والحرية، وليقرءوا كتبها ورسائلها القيمة.
معهد (الجتيانوم)
هذا معهد من نوع فريد لا يعرف عنه سوى القليل، ومع ذلك فهو جدير بالتعريف لطرافته. يقوم في وسط الأحراج على رابية عالية، في إحدى القرى السويسرية الجميلة: ذلك هو معهد (الجتيانوم) القائم في ضاحية درناخ على مقربة من مدينة بازل. وقد أتيح لي أن أزور درناخ ومعهدها الفريد في وسط الأحراج والربى العالية، وأن أحيط بشيء من تاريخه وغاياته؛ فهو معهد دولي للعلوم العقلية كان أول عامل لتأسيسه الدكتور رودلف شتينر العلامة النمساوي. وشتينر من أقطاب التربية الحديثة، ولد سنة 1861، ودرس في النمسا وألمانيا، واشتغل منذ حداثته بشؤون التربية، وأبدى براعة خاصة في فهم الوسائل التربوية وتنظيمها، وبذل جهوداً جمة لتحقيق نظرياته الجديدة في التربية، وعمل لإنشاء مدارس جديدة من طراز خاص في بعض المدن الألمانية والنمساوية، واشتهر بمحاضراته في التربية في أوربا وأمريكا. وللدكتور شتينر عدة مؤلفات شهيرة منها: (نظر جيته إلى العالم) وكتاب (الحقيقة والعلم) و (فلسفة الحرية) وكتب أيضاً قصة حياته في كتاب مؤثر. وفي سنة 1923، بدئ تأسيس (الجتيانوم) تحت رعايته وبإرشاده في قرية درناخ، وبني على طراز الملاعب اليونانية القديمة؛ ثم قام بوضع أسسه ونظمه العلمية، وأريدَ به أن يكون معهداً دولياً لترقية العلوم العقلية يجري على نظم الثقافة الحرة دون قيد ولا شرط؛ وأنشئت فيه أقسام للتربية والفنون الموسيقية والطب والعلوم والفلسفة، وغدت درناخ منذ عدة أعوام مركزاً لحركة عقلية دوليةيساهم فيها كثيرون من مختلف أنحاء لأرض. وفي الصيف تلقى في (الجتيانوم) محاضرات دورية من أشهر الأساتذة في مختلف العلوم والفنون التي يعمل المعهد لترقيتها، وقد كانت قرية دورناخ حين زرتها غاصة بالنزلاء الوافدين على المعهد، ومنهم كثير من الإنكليز والأمريكيين.
(ع)
كتابان عن روبسبيير
صدر أخيراً كتابان جديدان عن روبسبيير زعيم المرحلة الأخيرة من الثورة الفرنسية، أحدهما بالألمانية ومؤلفه الأستاذ فريدريش زيبرج، والثاني بالإنكليزية ومؤلفه المؤرخ الأمريكي جيرارد والتر.
وقد صدرت في مختلف اللغات كتب كثيرة عن الثورة الفرنسية وعن روبسبيير، ولكن شخصية روبسبيير ما فتئت لغزاً على التاريخ؛ فبعض الباحثين يرى أن روبسبيير كانت شخصيته ضعيفة تستتر بمظاهر الورع والتصوف، وتسيرها مثل متواضعة؛ ويرى البعض الآخر أن روبسبيير كان في الواقع شخصية عظيمة، ولكن الظروف والشهوات التي أحاطت بها حالت دون ظهورها بمظهرها الحقيقي.
ويقدم لنا المؤلفان في هذين الكتابين الجديدين صورتين جديدتين لروبسبيير، تختلف إحداهما عن الأخرى من حيث التقدير والتصوير؛ ولكن المؤلفين يتفقان في الأخذ برأي واحد فيما يتعلق بوثائق الثورة الفرنسية عن روبسبيير وحياته، فهما يرفضان الأخذ بما في هذه الوثائق، ويعتقدان أن كثيراً منها قد زيف لأغراض خاصة. ويرى الأستاذ زيبرج بنوع خاص أن المؤرخ لا يستطيع أن يحلل شخصية ما دون أن يشعر نحوها بشيء من العطف؛ ولكنه لا يجد في شخصية روبسبيير ولا في صفاته ما يجذب أو يروق. وفي رأيه أن روبسبيير كان مع ذلك شخصية عظيمة تتمتع بمواهب ممتازة، وأنه من الخطأ مع استبعاد الوثائق الثورية أن نعتبر روبسبيير زعيماً صغيراً من زعماء الطبقة الوسطى لا يمثل سوى أماني طبقته كما يصوره بعض المؤرخين.
وينحو الأستاذ زيبرج في عرض حياة روبسبيير نحواً جديداً معتمداً في آرائه على الوقائع الثابتة والأعمال الشخصية، ويميل إلى الناحية العلمية أكثر مما يميل إلى الناحية الروائية.
أما الأستاذ والتر فيميل نوعاً إلى الناحية الروائية، ويقص علينا حياة روبسبيير الأولى في باريس حيث كان يسكن في غرفة حقيرة مع صديق له في بناء عتيق في شارع سانتونج ما يزال قائماً إلى يومنا؛ ثم يقص علينا قصة اتصاله بأسرة دوبلاي بعد أن غدا زعيماً يشار إليه، وكيف أحب الفتاة إلينور ابنة دوبلاي حباً لم يزهر، بل انتهى في غمرات الحزن والشجن، بعد أن سقطت رأس الزعيم على النطع؛ وكيف أنه يوم حمل على عربة المحكوم عليهم، مرت عربته بمنزل أسرة دوبلاي - أقصداً أو عرضاً؟ - وما كان لذلك من وقع أليم في نفسه.
وفي الكتابين من الجديد ما يغري بقراءتهما.
الأحجار السماوية
ألقى العلامة لاكروا الأخصائي في مباحث الأحجار السماوية أمام أكاديمية العلوم بيانات طريفة عن الأحجار السماوية التي اكتشفها في المدة الأخيرة؛ فقال إنه قد شهد في الصحراء الكبرى أحجاراً كبيرة سوداء تتميز بلونها، وإنه قد وجدت منها قطع تزن نحو خمسة كيلو جرامات. ولاحظ مسيو لاكروا أن مظاهر القطع الساقطة تدل على أنها سقطت حديثاً.
وتحدث مسيو لاكروا عن الحجر السماوي الشهير الذي اكتشف في المغرب الأقصى فقال إنه يقدر طوله بمائة متر، ووزنه بنحو مليون طن، وأنه استطاع أن يعثر منه على شظية صغيرة، وأنه يقدر أن هذا الحجر سيسقط على بعد نحو خمسين كيلومتراً من جنوب غربي شاجوتي على أنه لم توجد حتى اليوم علامات تدل علىسقوطه.
إلى إخواننا في المغرب
يتفضل إخواننا في المغرب على (الرسالة) بمقالات وقصائد لا شك في أنها قيمة؛ ولكن يعسر علينا في الغالب قراءة الخط المغربي فنضطر إلى تأخيرها آسفين. فنرجو أن يكتبوها بالخط المعروف أو بالآلة الكاتبة حتى لا يحرم إخوانهم في سائر الأقطار العربية الاستفادة مما ينتجون.
التنبيهات على أغلاط الرواة
اطلعت (في العدد165 من الرسالة الغراء) على المقالة التي نشرها الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام من كتابه (ذكرى أبي الطيب) وذكر فيها أنه وقف على رسالة اسمها (التنبيهات على مقصور ابن ولاد النحوي). ولم يذكر لنا الأستاذ الدكتور اسم مؤلف هذه الرسالة مما يدل على أنها عنده غفل من ذلك. ولما كان مؤلفها من كبار اللغويين من علماء الأدب، رأيت من الواجب الاستدراك ببيان اسمه وهو (أبو القاسم علي بن حمزة البصري) ترجم له ياقوت والسيوطي وغيرهما.
والرسالة هذه قسم من كتابه الممتع (التنبيهات على أغلاط الرواة) الذي جمع فيه التنبيه على ما في نوادر أبي زياد الكلابي، والتنبيه على ما في نوادر أبي عمرو الشيباني، والتنبيه على ما في كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، والتنبيه على ما في الكامل للمبرد، والتنبيه على ما في الفصيح لثعلب، والتنبيه على ما في الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام، والتنبيه على ما في إصلاح المنطق لابن السكيت، والتنبيه على ما في المقصور والممدود لابن ولاد.
من قراء الرسالة
للحقيقة والتاريخ
قال دولة حقي بك العظيم (رئيس مجلس الوزراء الأسبق في سورية) في الرسالة (165) أن في قصتي (النهاية) غلطاً تاريخياً لأني قلت أن ناظم باشا (والي دمشق) زارها فقيراً محتاجاً، وخرج منها يائساً منكراً؛ وناظم باشا قد زار دمشق مكرماً، وخرج منها مودعاً معظماً. وكان ذلك في عهد حاكمية دولة الرئيس.
وقد كان دولة حاكم دمشق في بدء عهد الاحتلال، فلا تكون الزيارة التي يتحدث عنها دولته هي التي تحدثت عنها في قصتي، وإنما هي زيارة أخرى، لأن حوادث القصة وقعت سنة 1929 كما قلت في أول سطر منها، وكان هو حاكم دمشق قبل ذلك بسنين طويلة؛ وعلى ذلك لا يكون في قصتي خطأ، لأن ناظم باشا جاء دمشق آخر مرة في سنة 1929، وكانت حاله قريباً بما قلت في القصة، ولا يكون في كلام دولة الرئيس تصحيح للقصة. هذا ولدولته ولحضرة الكاتب شكري واحترامي.
علي الطنطاوي