مجلة الرسالة/العدد 161/مأساة من سوفوكليس
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 161 مأساة من سوفوكليس [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 03 - 08 - 1936 |
3 - أنتيجونى
للأستاذ دريني خشبة
- 9 -
ويرسل الخورس أغنية عن الحب، وعن خضوع الآلهة والعباد لسلطانه على السواء
تدخل أنتيجونى وحولها حرس
- (سلام عليكم يا رعايا أبي وأمناء مملكته! شعاعة واحدة يا هكيوز الكريم أتزود بها لرحلتي إلى الدار الآخرة فتنير لي ظلمات طريقي! إنها تكفل لي أن أذهب إلى هيدز والحياة تدب في قلبي! أوه! ألا يتنفس لي فجر حلو بعد اليوم؟ وقداسي وأفراح عرسي؟ ألا تملأ أهازيجها سمعي؟ وهايمون!! آه يا حبيبي هايمون أشيرون وحده سيكون زوجي. . . لا أنت يا هايمون الحبيب. . . فوق شطئان نهره الفائض بالحمم!)
الخورس: (أجل يا بنية! لكنك تذهبين ثمة لا كما يذهب الموتى، بل تذهبين وفي قلبك الحياة تنبض وتنبض. . . وتذهبين باختيارك لا برغمك، لأن سيفاً لا يغمد في أحشائك، ولأن مرضاً لم يلم بك ولم يسلمك للردى!)
أنتيجونى: (هيه!. . . لي أسوة بابنة تنتالوس، وستهبني الآلهة نعاسا فلا أحس شيئاً)
الخورس: (ولكنها ربة وابنة إله عظيم!)
- (ويحكم يا رعايا أبي! أتستخفون بي حتى في طريقي إلى هيدز؟ ألا يروعكم ذهابي إلى القبو المظلم الذي من أجلي إلى مقبرة أحياء. . . أتجرأ فيه غصص الردى قطرة فقطرة!! يا لها من موتة!! ألا من لشبابك يا أنتيجونى؟!
- (تجلدي يا فتاة! إن جدود أبيك العواثر تكتسحك في طريقها!!)
- (أوه! إنكم تؤلمونني يا قوم! جدوده العواثر! ما كان أتعسها من زيجة تلك التي كشفت سرها أمي!! ويا لقساوتها أبوة تلك التي ابتلى بها أبي! أما أنت يا أخي. . . فما كان أتعسها من زيجة كذلك تلك التي أشقيت بها نفسك وجررت بها الموت عليك وعلي!. . .
- (لا ريب أنك صنعت جميلاًُ يا بنية (بدفنك جثته)، ولكن ما العمل فيمن يأبى إ يظهر سلطانه ويدل بجبروته!
- (ويلاه! أأساق إلى الموت غير مبكية. . . وفي يوم عرسي؟ الشموع! أين الشموع التي كانت تضيء لي تحية ليل وسلام إمساء؟ ألا يذرف أحد عبرة من أجلي؟!
(يدخل كريون)
- (ما تزال هنا؟ هلموا بها إلى القبو المظلم. . .! هلموا! لتساقط نفسها أنفساً! لتذب روحها ولتهو إلى الحضيض قطرة فقطرة! هي الجانية على نفسها. . . لم يجن عليها أحد! لتذق وبال أمرها في ظلمات السفل؟
- (القبو! مرحباً بالقبو والقبر معاً!! لتكن يا قبو غرفة عرسي! يا مقبرة الأحياء مرحباً مرحباً في جوار برسفونيه الجميلة التاعسة سأقضي حياة حدودها الأبد! ألا كم من حسناء حوراء ضمها الموت إلى سرب برسفونيه! لم لا أنظم إلى السرب زهرة اختضرها الموت قبل أن تفتح!! لم لا أطوي تلك المرحلة الأخيرة من هذه الحياة المفعمة بالآلام والمظالم لألقى أبي. . . وأمي وأخوي. . . في هيدز! وأنت خاصة يا بولينيسيز سألقاك وسأعانقك وستبتسم لي. . . أنا أختك. . . التي ضحت بشبابها الفينان من أجلك! ألا من للإنسان بعد أمه وأبيه وأخيه (الذي مثل بولينيسيز)! الابن إذا قضى فقد يجيء ابن غيره. . . ولكن الأب. . . ومثله الأم. . . لا عوض عنهما إن غالهما الردى! أما أخي! فسامح الله كريون الذي يأبى إلا أن يأخذني بمحبتي له وفدائي من أجله! آه يا أخي! انفض أطباق الثرى قليلاً وأنظر إليّ! أنظر إلى مسوقة إلى حتفي مصفدة بالأغلال، مسلوكة في القيود. . . إلى القبو المظلم الذي لا تؤنسني فيه غير أشباح الموت. أواه يا آلهة السموات! من نصيري وقد جد بي الجد؟ إن كنت قد أجرمت فعلي إجرامي. . . ولكن هؤلاء!! هؤلاء الذين داسوا شرائعكم أيها الآلهة! خذوهم بظلمهم، وابتلوهم بضعف الحياة الدنيا والآخرة أولئك المجرمون!. . .)
رئيس الخورس: (العاصفة تشتد في نفس الفتاة! وما تزيدها الآلام إلا اصطخاباً!)
كريون: (وكل من يلوذ بها أو ينافح عنها قد يشجي شجوها!)
أنتيجونى: (وا حرباً! إني أسمع دبيب المنايا في هذه الكلمات!)
كريون: (وهل بقى في ذلك ريب؟) - (يا طيبة يا أرض المجد! يا مهد الجدود يا هيكل الآلهة الأطهار! وداعاً!! إلى هيدز، سأذهب إلى هيدز! أنا أنتيجونى آخر فنن من أفنان دوحة قدموس ولايوس! إلى هيدز! قرباناً لك يا آلهة، وفي سبيل شرائعك يا سماء!. . .)
(تخرج ومن حولها الحرس)
- 10 -
ويرثي الخورس للفتاة البائسة الشقية، ويرسلون ورائها لحناً بائساً شقياً
(يدخل تيريزياس الكاهن الأعمى يقوده ولده)
- (هيه! سلام على سادات طيبة! لقد وصلنا والسلام!)
الملك: (وماذا جاء بك يا تيريزياس؟)
- (سأنبئك. . . إ. . . إن أصغيت لي)
- (مرحباً بك يا كاهن طيبة! وهل يأبى أن يسمع لك أحد؟)
- (شكراً! إنك بمثل هذه المهارة قدت السفينة إلى بر الأمان!)
- (الفضل في ذلك لتجارب الزمان يا تيريزياس!)
- (هذا حق ولكن. . . برغم ذلك ينبغي أن تحترس! إنك على شفى جُرُف هار!!)
- (وأي شفى جرف يا تيريزياس؟ إنك تزعجني!)
- (إي وايم الحق! نبوءاتي! سأقص عليك نبوءاتي التي استوحيتها اليوم! لقد تنزل علي منها قدر عظيم أيها الملك! وليس يتنزل علي منها إلا الحق حين استوى على كرسي كهاناتي! طيور!. . . بواثق جارحة. . . كانت تحلق فوق معبدي! لقد ظلت تضرب الهواء بخوافيها. . . وكانت ترسل في السماء أصواتاً مزعجة كقصف الرعود. . .! قمت إلى المذبح وضرّمت النيران. . . وا أسفاه! لقد رفض إله النار أن يقبل منها قبسا! وتناثر القربان! وأنطلق الشرر في سماء الهيكل! وكفى بذلك نذير سوء أيها الملك! لقد شهد هذا غلامي هذا، وأنا أشهد به أمامكم الآن! الدمار يكاد يقضي على طيبة بسببكم يا مولاي! إن الآلهة قد تكلمت بألسن النسور والبزاة التي اغتذت بلحم ابن أوديبوس المسكين! من أجل ذلك رفضت قرابيننا أيها الملك، وقذفت بها في وجوهنا! والآن! خذ حذرك يا بني! كلنا بنو الموتى! وكل بني الموتى يخطئون! وما تزال في الوقت فسحة لمعالجة هذا الخطأ! الحمقى فقط هم أهل العناد والاستبداد بالرأي! ما لنا وللموتى! إن أمرهم إلى الآلهة، وليس يفيدنا أن نمثل بالقتلى وقد فرغ حسابنا معهم! ألا قد بلغت! فأسمع وعِ. . . واشهدي يا سماء)
- (لم يبق إلا الكهنة أمثالك فأكون غرضاً لسهامهم يا تيريزياس! أنت تحاول عبثاً!. . . لن يدفن مهما حاولت! ولكن. . . آه! الذهب! قاتل الله الذهب ولو أنصب في يديك من منجم! الآلهة؟ ها. . . لترسل الآلهة نسرها الباشق فليغتد هو الآخر به!)
- (وي! أين الحكمة إذا؟ ألا من يتعظ!
- (من؟. . . أي شك؟)
- (كنوز الذهب الأبريز موعظة حسنة ورأي سديد!)
- (والجهالة آفة الآفات!)
- (أجل. . . الجهالة طاعون كاد يرديك!)
- وبعد؟. . . أوثر ألا أبادل الكاهن ضربة بضربة!
- (وأي ضربة لازب أشد علي من أن تُحمّقني؟!)
- (بل الذهب هو طاعون الكهنة!!)
- (والربح الخسيس هو آفة الملوك؟)
- (طاش صوابك إذا حين تخاطب مليكك بمثل هذا؟)
- (أجل! وإلا ساعدتك في تعجيل الخراب لهذا البلد؟)
- (نظرك بعيد أيها الأب! ولكنك غير أمين ولا وفي مع هذا؟)
- (ستندم لأنك لم تر أن تسمع إلى نصيحتي!)
- (هيه. . . تكلم. . . إهرف. . . فلو تنال مني ربحاً؟)
- (ومنك تحسبني ألتمس الربح وأنشد الغنم؟)
- (لن تربح تجارتك معي أيها الكاهن!)
- (آه! إن دمك فقط كفيل بأن يغسل وزريك العظيمين دفنك فتاة حية لتموت من غير ذنب في قبو مظلم. . . وتركك قتيلاً في البرية تنوشه السباع من دون أن تقام له شعائر الدين أو تؤدي من أجله مراسيم الآلهة! هذا تصرف مخز لن تقبله آلهة هيدز ولا من أرباب الأولمب! ويل لك؟ إن أرباب النقمة تتربص بك، وربات الذعر تكاد تنقص عليك! ولن يأخذنك إلا بعملك ولا يجازينك إلا بوحشيتك! أنا جئت إليك ألتمس رفداً؟ يا لخباثتك! ستعلم عما قريب! سينقض هذا القصر فوق رأسك ليقول لك: لا! لا! وسترن في أذنك أصوات الصراخ والعويل والندبة من أجل موتى كثيرين، أعزاء عليك. . . وسترى! يا غلام! هلم! لتنطلق من هنا! وسيأتيه اليقين فيثوب إلى رشده ويطهر لسانه!)
(يخرج الكاهن يقوده الولد)
(البقية في العدد القادم)
دريني خشبة