الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 161/الامتيازات الأجنبية

مجلة الرسالة/العدد 161/الامتيازات الأجنبية

مجلة الرسالة - العدد 161
الامتيازات الأجنبية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 03 - 08 - 1936


للأستاذ محمد الأسمر

ما عندكَ اليوم من معنًى ومن كلمِ ... جلّ المقام عن القرطاسِ والقلمِ

أرضُ الفراعينِ ذلَّتْ بعد عزّتها ... مَنْ جرَّأ الذل حتى حلَّ بالأجم

فلو ترانا ونحن المالكون لها ... رأيتَنا وعلينا ميسمُ الخدم

جاء النزيلُ فأكرمنا وفادتَهُ ... واليومَ نسألُه شيئاً من الكرم

فأعجبْ لمصرَ وكم في مصرَ من عجبٍ ... وانظر إلى القلب في الأوضاع والنظم

كدنا لما صار من عكس الأمور بها ... نمشي على الرأس لا نمشي على القدم

كنانةُ الله تلك اليوم حالتُها ... وجودُها أشبهُ الأشياءِ بالعدم

لهوُ الأجانبِ فيها لهوُ منتصرٍ ... عاثت كتائبُه في أرض منهزم

يُمثِّلون عليها من حقائِقهم ... ما لا يمثلُه الكابوسُ في الحلم

روايةٌ هي مأساةٌ ومهزلةٌ ... فإن تشأْ فابكِ أو إن شئت فابتسم

روايةٌ قذف الأتراكُ مسرحَها ... عن أرضِهم مثلَ قذف البحر للرمم

رموا به أنفاً من أن يقال لهم ... ما بالُه وهو عار غيرَ منهدم

ونحن لسنا بدون الترك منزلةً ... ونحن لسنا بدون الصينِ والعجم

هُمْ حطَّموه فما مالَ الوجودُ بهم ... ولا تداعت نواحي الأفْق بالسُّدُم

هم حطَّموه ورحنا نحن نحمله ... فوقَ الكنانةِ حمل الهم والسقم

الأجنبيُّ على الوادي يسيرُ به ... كما تسيرُ رعاة الشاء بالغنم

من يوم حلّ به ضيفاً تملكه ... ينهى ويأمرُ فيه غيرَ محتشم

ينهى ويأمرُ فيه جائراً أبداً ... فمن يقولُ له أخطأت فاستقم

ينال ما يشتهي منه وليس لنا ... إلا الفتاتُ، وما يُلقي من اللُّقم

تشكو المجاعةَ بالوادي عشيرتُه ... والأجنبيُّ به يشكو من التخم

الغرم قِسمتُنا والغُنم قسمتُهم ... لبئس ما فرضوا فيه من القِسَم

لو لم نكن رمما في الناس ما ظفرت ... بنا عصائبُ للغربان والرَّخم

حامت علينا، ولو ألفت بنا رمقا ... لأجفلت مثل ما جاءت ولم تح حطَّت جِياعاً، فلما أتخمت نهضت ... كما تطيرَ، فما اسطَاعتْ، فلم تقم

فهي الغداةَ بوادي النيل جاثمةٌ ... مقيمةٌ أشبه الأشياء بالهرم

فما يزحزحها شعرٌ نصيح به ... ولا البليغ من الأمثال والحكم

لا يدفع الضيمَ قولٌ أنت قائلُه ... بل يدفع الضيم غرمٌ غيرُ منفصم

ويدفع الضيمَ بأسٌ لا مَردَّ له ... ويدفعُ الضيمَ شَعْبٌ غيرُ منقسم

خاطبْ بكفك إن لم يستمع أحدٌ ... لعلَّ في اليد ما يشفي من الصمم

وأعلمْ بأن براهينَ اللسان إذا ... لم تدَّرع قُوَّةً شرٌ من البَكم

لولا أظافرُ للآساد مرهفةٌ ... لم يرهب الناسُ زأرَ الضيغم القرم

لا يَنْزِلُ الظلمُ عن ظَهْرٍ طَواعيةً ... إن لا يزلْ عنهُ رغم الأنف لا يَرِم

في (الامتيازات) ما أغرى النزيلَ بنا ... فيا لها نِعَماً جرَّت إلى نِقَم

وغرسُك الخيرَ في الأرض التي خلقت ... للشرِّ غَرْسُكَ للأعواد في الضرم

لا تنبتُ النارَ يوماً ما لكم شجراً ... ولا تسوقُ إليكم هاطلَ الديم

تأبي طبائعُ قوم عنهمُ حِولا ... فاستخلصوا ما وهبتم قبلُ للأمم

لو سِيمت العجمُ ما سيمَ الحمى غضبت ... على الشكائم واستعصتْ على اللجم

ثوبٌ من العارِ قمنا اليوم نخلعه ... كفى كفى ما لبسنا منه في القدم

كم فرَّ من يدك الشلاء متَّهمٌ ... يأيها الوطنُ المرمىُّ بالتهم

وكم قتيل على الوادي وقاتله ... في (الامتيازات) مثلُ الطيرِ في الحرم

صَعْبُ المنالِ على القانون ممتنعٌ ... كالنجم في الأفقِ لم يدركْ ولم يُرَم

هذا هو الذلُّ لا ذلُّ الغريب ولا ... ذلُّ الرقيقِ بسوق الأعْبُدِ القزم

وما ذليلٌ له أرضٌ لها علمٌ ... مثلُ الذليل بلا أرضٍ ولا علم

لا يفعلِ الخيرَ بعدَ اليوم فاعله ... مَنْ يفعلِ الخيرَ يندمْ أيَّما ندم

أقسمتُ بالله لو أغنى دمي لمشت ... نفسي به، وقليلٌ للبلاد دمي

محمد الأسمر