مجلة الرسالة/العدد 16/الاقيانوغرافيا
→ العلوم | مجلة الرسالة - العدد 16 الاقيانوغرافيا [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 01 - 09 - 1933 |
أو تقويم المحيطات
بقلم الدكتور حسين فوزي. مدير إدارة أبحاث المصائد
- 2 -
أرموريك بلاد الأنواء! رابضة في درعها الجرانيتي عند الطرف الشمالي الغربي من فرنسا بين المانش والأطلنطيق. نشأ حول أخاديدها وجوناتها وخلجانها قوم من المجازفة عركوا أهوال البحر جنوبي أسلندة وشرقي الأرض الجديدة. ومن تلك الخلجان والجونات خليج دوارنينيه تشرف عليه من نواحيه المحمية من الريح الصرصر غابات الصنوبر. وهو في أغلب أنحائه عار أجرد تحف به منازل صيادي السردين قائمة إلى جانب الكنائس البريتونية المنحوتة من الجرانيت. عابسة للمحيط عابس لها. صامدة للعواصف تتلقاها على أسنة أبراجها الغوطية. الوقت منتصف الليل وقد شهدت نسوة الصيادين عند غروب اليوم عودة النوارس فازعة من عرض البحر. فوجفن للعاصفة وارتفعت أبصارهن إلى صور العذراء وتماثيلها في أركان القرية وتحت أعطاف الكنيسة وفوق الأسرة الخشبية يتعوذن بها لتحمي أزواجهن وأولادهن وعشاقهن من هول النوء المهاجم. وفي أشد ما يكون صرير النوء تنصت نساء سانتان دي لايالود وأوديرن ودوارنينيه إلى أصوات نواقيس تتصاعد من أعماق الخليج. تلك نواقيس عاصمة كورنواي الغارقة. (أيس) حاضرة الملك جرالون حامي حمى المسيحية الأولى في أشخاص قديسيها رونان وكورنتان وجينوليه. من دون أبنته داهوت التي ركبت مركب الشيطان ففتحت المغاليق التي تحمي مدينة أيس من الاقيانوس. يصيح سان جينوليه (البحر يا مولاي. بادر إلى جوادك) فيمتطي الملك جواده. وتقفز داهوت خلفه. ويحاول عبثا أن يلحق بالقديس السابح بجواده فوق العباب.
- النجدة ياجينوليه!
- ألق تلك الملعونة في اليم أو أنت من الهالكين.
وإذ تبتلع الأمواج داهوت يواصل الملك سراه حتى يوقفه جينوليه فيتلفت خلفه باحثا عن عاصمة كورنواى فإذا (أيس) لا أثر ولا عين طغت عليها أمواج خليج دوارنينيه.
كذا جاءنا حديث الخرافة بخبر مدينة (أيس) الغارقة. وخبر غيرها من المدائن. ليونيس وأسمايدا وسان يرندان.
ولو أن الأمر وقف عند حد الخرافة لارتحنا إلى قصص السندباد. وتهريف بعض كتاب العرب إذ يقصون نبأ الجزيرة التي ينزل إليها النواخذة فما أن يوقدوا نيرانهم حتى تميد بهم وإذا هي حوت هائل يتأهب للعودة إلى الأعماق. ولم نتساءل إن كان هذا حوتا أو تنيناً أو دابة من دواب البحر الأخرى على حد قولهم. ولكن فيلسوفنا له في نفوسنا إجلال وإعظام. هو أفلاطون ردد ما ذكر عن سولون من أنه عرف عن كهنة مصر بأمر جزيرة (أطلانطيس) الواقعة عبر أعمدة هرقليس في البحر المحيط وهي بلاد (أكبر من آسيا الصغرى وليبيا مجتمعين) غزا أهلها جميع شعوب البحر الأبيض الا شعب أثينا من تسعين قرنا خلت قبل ميلاد سولون. وعاد أفلاطون في موضع آخر إلى الإشادة بثراء (أطلنطيس) وحدّث بانخسافها في مياه الأقيانوس الغربي (الأطلنتي فيما بعد) فكانت عائقا للملاحة فيما وراء أعمدة هرقليس. أبى الخلف الذي يجل اليونان وفلاسفتها الا أن يصدق افلاطون فاعتقد بوفون ومونتيني وفولتير بحقيقة تلك البلاد المغمورة. وحاول الكثير أن يثبت أن الجزر السعيدة (الخالدات) هي البقية الباقية من (أطلانطيس) الجنة الأرضية. كذا كان هذا شأن الجزيرة التي قيل بأن القديس برندان عبر إليها المحيط. توجهت إليها بعثات الاستكشاف الأسبانية والبرتغالية حتى أتفق في سنة 1759 على أن جزيرة (سان برندان) لم تكن سوى سراب بحري. ولكم حدثنا جواب البحار بأحاديث بنات الماء معسولات النغم. يغررن بالنوتي فيلقى بنفسه بين أحضانهن فيحملنه إلى قصر ملك البحر في أعماق المحيط. وهو قصر (جدرانه من المرجان ونوافذه من أرق ما يكون القهرمان. سقوفه من أصداف تتفتح عن لآلئ. تظلله أشجار عجاب تسبح بينها أسماك ذات ألوان كأنها طيور لا تعرف الأسجاع).
وإذا كان النواخذة اهتموا بتعرف سطح المحيطات منذ أقدم العصور لأغراض الملاحة، فقد ظل باطن البحر سراً أمعنت في إغلاقه خرافات رواد البحار وأقاصيصهم بل وتلك المخلوقات الغريبة التي اصطنعوها اصطناعا ليدللوا بها على تهريفهم. ولا زلنا نذكر تلك السمكة التي اصطنع لها وجه قرد أو إنسان للتمويه بها على الناس بأنها من عجائب البحار. وقد رأيناها معروضة في متحف موناكو كأثر من آثار تلك العهود. ولم نذهب بعيدا وما فتئ صياد البحر الأحمر يتحدث إليك عن أسماك ذات أظلاف وشوارب أو شعور وصدر ناهد. وليس العهد ببعيد إن نشرت إحدى كبريات صحفنا صورة وحش بحري كبير لاصقة به سمكة صغيرة قيل عنها بأنها (تقوده لضعف بصره وتسعى لغذائه) وكأني بها تقود أوديب الأعمى خارج أسوار طيبة. ليس من العسير إذن أن نكون صورة عن رأى الناس في أعماق البحار وسكانها في أواخر القرن الثامن عشر. وبيننا من لا يزال يعتقد (بالنص سمكة والنص بنى آدم) و (الهايشة) وما إليها من مخلوقات تبتلع المدائن في لمحة البصر بلّه الآدميين. فإذا كانت استكشافات الملاحين في القرنين الرابع والخامس عشر قضت على خرافة (أقيانوس) المحيط (باويقومينا) المحيط المتفجر عيونا وغدرانا وانهارا. ورحلات الكابتن كوك في أواخر القرن الثامن عشر أثبتت أن لا وجود لقارة جنوبية تصل أفريقيا بآسيا وتجعل المحيط الهندي بحرا داخليا فقد لبث الناس حتى القرن الثامن عشر جاهلين بأعماق البحار سوى النزر اليسير.
قيل في موت ارسطا طاليس أنه ألقى بنفسه في دوامات مضيق أوريبوس يأساً من تفهم تيارات ذلك المضيق. وهو موت (غير قمين لا بفيلسوف ولا بعالم اقيانوغرافي). الا إننا أقرب إلى احترام الرجل الذي يحمله على الانتحار يأسه من تفسير ظاهرة طبيعية منا إلى احترام بلينيوس وهو يقول منذ نحو الف عام (أي وهرقليس لا يعيشن في البحر ولا في المحيط مهما عظما مخلوق ليس لنا به علم. بل الحق العجاب أننا أعرف بتلك المخلوقات التي غيبتها الطبيعة في الأعماق منا بأي أمر آخر). فهذا الغرور وتلك الحماقة من عالم كبير ينمان عن روح لم يسلم منها بعض العلماء وهي روح خطرة في العلم سيئة الأثر على تقدم العالم. فذاك البلينيوس وهو لم يصف سوى نيف ومائة نوع من الأحياء البحرية (أي أقل مما وصفه أرسطاطاليس قبله) يتمشدق بمعرفته جميع الأنواع التي تعيش في البحار. ما عساه قائل لو علم بالآلاف العديدة من تلك الأحياء التي كشف عنها علماء البحار بعده؟
لم ينتحر هؤلاء العلماء يأسا من تفهم المحيطات كما زعموا عن ارسطاطاليس. ولم تتملكهم صفاقة بلينيوس فيشيدوا بعلمهم الواسع العريض ولكنهم جهزوا البعثات الاستكشافية ورعوا البحار منذ القرن الماضي إلى اليوم، يخرجون منها عجائب ليست من (الاطلانطيس) ولا (أيس) في شيء ولا هي من بنات الماء وما إليها من خوارق. ولكنها بدائع ذلك الكوكب الذي نحيا على سطحه نسقتها الطبيعة تنسيقا يتفق وما أودعته فيها من قوى وما فرضته عليها من نواميس. وانا لنستسمحن القارئ أن نقدم إليه بعض أولئك الأعلام الذين أقاموا ذلك الصرح البديع بين قصور العلم. أعني صرح الاقيانوغرافيا. ولعل القارئ راغب معنا أن يعرف طرفا مما قاموا به في هذا السبيل.
اكتشافات وأسماء أعلام
كان العالم بواش في سنة 1752 ممن اعتقدوا بالطوفان فقال بأنه إذ غيض الماء كشف عن الجمال فالأودية. ولو واصل الماء هبوطه لظهرت أعماق البحار وديانا تتوسطها جبال أخرى، فالجبال المغمورة بمياه الاقيانوسات تكمل سلسلة جبال اليابسة. وهي تقسم البحار أحواضاً متصلة فوق قممها المغطاة بالماء. هذا النوع من التفكير قائم معظمه على أساس من المنطق ولكنه غير علمي إذ يتعدى ما يمكن استنتاجه من المشاهدات المباشرة. الا أن ما يعجبنا من بواش هو أن الاكتشافاتالاقيانوغرافية أثبتت أن قاع البحار أغوار سحيقة وجبال مرتفعة وأنه قد يمكن اعتبار تلك الجبال حلقات من السلسلة الأرضية. وأن في شواطئ بعض الجزر وانحدارها السريع إلى أعماق بعيدة ما يدعو إلى اعتبار هذه الجزر قناة جبال شمخت برأسها على سطح المحيط. وأن المحيطات مقسمة إلى أحواض تفصلها أسوار جبلية، وأن هذه الأحواض إن ظهرت متصلة فلأن مياهها تغطى أعالي فواصلها الجبلية. قال صيادو المرجان (البحر لا قاع له) فهزأ مراسيمي بقولهم ووعد لوعنى أحد الأمراء بتجهيز سفائن خصيصا لدراسة الأعماق. ومراسيمى رجل فرنسي مفكر يرتكز تفكيره على قواعد الموازنة والتقابل ولما كان مجرد وجود الجبل يعني وجود الوادي فقد استنتج أن الشواطئ الجبلية تعني انحدار الشاطئ عاجلا إلى الأعماق. ولم يقف مراسيمي عند هذا المنطق. بل عنى بدراسة الأعماق القريبة وقسمها بحسب أنواع رواسبها وكان أول من وضع خرائط الأعماق مبينا عليها نوع القاع من صخري ورملي وطيني. ولقد قيست درجة حرارة الماء تحت سطح البحر أثناء رحلات الكابتن كوك التي كشف فيها عن البحار الجنوبية. ولم يكن في المستطاع قياس حرارة الماء إلى عمق بعيد بدقة قبل اختراع ترمومترات النهاية الصغرى والنهاية العظمى وغيرها مما تسجل درجة الحرارة عند عمق معلوم ثم تبقى على تسجيلها فلا تتأثر بطبقات الماء التي تخترقها وهي عائدة إلى سطح السفينة. الا أن دي سوسور تمكن في سنة 1780من قياس حرارة مياه البحر الأبيض على عمق600و1000 متر بواسطة ترمومتر أحاطه بموصل رديء للحرارة.
تصل بنا هذه الملاحظات التي ترددت بين التخمين والملاحظة المباشرة إلى أوائل القرن التاسع عشر حين انتشر نوع من الهواية هو عمل المجموعات الحيوانية والنباتية. وكان ذلك فاتحة عهد (الطبيعيين في الخلاء) أو أولئك الذين يجوسون بالأحراج والجبال والأودية يلاحظون الأحياء في وسطها الطبيعي وينتخبون منها مجموعات تمثل سكان المنطقة من حيوانات في ذلك العهد استعان دوناتي ومارسيلين على دراسة أحياء القاع الضحل قرب الشواطئ والمجرفة كيس شبكي يحيط بفوهته إطار من حديد ذي أسنه. تسحب على القاع فيجرف الإطار الحديدي حبات الرمل أو الطين ويتلقى الكيس مايجرف من تربة ومن أحياء تعيش على تلك التربة. وانتشرت المجرفة بين علماء أوربا فبدأ مملن أدوار باستعمالها في فرنسا سنة 1830 وفوربس في إنجلترا سنة 1832 وسارس في النرويج سنة 1835.
كان من أثر امتحان الرواسب البحرية بالميكروسكوب في إيطاليا في أواخر القرن الثامن عشر أن لوحظت ظاهرة كان لها أحسن الأثر في استثارة حب الاستطلاع البحري عند علماء القرن التاسع عشر، ذلك أنهم لاحظوا تشابها في الحفريات التي وجدها الجيولوجيون في باطن الأرض على أبعاد كبيرة من البحر. وبين مخلوقات بحرية تعيش قرب الشاطئ. . والحفريات كما يعلم القارئ بقايا أحياء انقرضت في غابر عصور الأرض. وهنا دخل في روع الباحثين أنهم لابد مهتدين في قاع البحار إلى نماذج حية من تلك المخلوقات التي لم يعثروا الا على آثار انقراضها في قطاعات الجبال والأودية، وامتد خيال العلماء (وما حرم العلماء ملكة الخيال) إلى يوم يكشفون فيه عن صورة حية لما كانت عليه الأرض منذ بضع ملايين من السنين. وكاد فوربس الاسكتلندي يقضي على هذا الحلم الشائق إذ أفتى بعد رحلة إلى بحر إيجة: بأنه لا أثر للحياة في البحار بعد عمق600متر.
ومع أن فوربس أدى إلى الاقيانوغرافيا اجمل الخدمات فهو أول من لاحظ بأن الأحياء البحرية تعيش جماعات لكل عمق معلوم جماعة خاصة منها تختلف عن جماعة عمق آخر ومع انه وصف كثيراً من حيوانات الأعماق الضحلة حول الجزر البريطانية فقد كان خاطئا في زعمه أن لا حياة بعد عمق 600متر. وحصل سيرات على مخلوقات تعيش في البحر الأبيض على عمق 3000متر. وجاء عهد وصل البلاد بالأسلاك التلغرافية عبر قاع البحر فكانت سبباً في سبر أعماق بعيدة. وكان أبعد غور وصل إليه ثقل مقياس العمق في سنة 1840أثناء بعثة سير كلارك روس إلى القطب الجنوبي وهو 6000متر. وحدث في سنة 1860 أن قطعسلك من أسلاك التلغراف البحري على عمق 2500متر فوجدت عالقة به مخلوقات حية. كان طبيعيا أن تثير أمثال هذه الاكتشافات في جميع الشعوب الحية الرغبة في الاستزادة من تعرف أعماق البحار. وإذ علم ويفيل تمسون الاسكتلندي بأن سارس النرويجي عثر على عمق 600متر في فيورد لوفوتن على حيوان حي من فصيلة كانت تعد من الفصائل المنقرضة، توجه إليه لمشاهدة ذلك الحيوان. وكان ويفيل تمسون من أولئك العلماء الذين بنوا كبار الآمال على اكتشاف مثل حية من الفصائل المنقرضة في الأعماق البعيدة. فارتاد الاطلانطيق على ظهر السفينة (لايتننج) مرة والسفينة (بوركوبين) مرة أخرى. وسبر حتى عمق 4500مترا فوجد فيه مخلوقات حية منها ما يتصل بفصائل انقرضت منذ العهد الثلاثي والطباشيري. طارت شهرت ويفين تمسون في آفاق أوربا وأمريكا نتيجة اكتشافاته ولكنه بلغ قمة مجده حين ألقيت إليه مقاليد أكبر بعثة في تاريخ الاقيانوغرافيا. وهي بعثة (تشالنجر)
تشالنجر: (أعظم البعثات الاقيانوغرافية)
قامت تلك البعثة على ظهر (تشالنجر) وهي سفينة شراعية حمولتها 2306 طن. ذات محركات بخارية مساعدة. خرجت من الجزر البريطانية في سنة 1872 وعادت في سنة 1876 بعد أن قطعت 69000 ميل في الأطلنطيق والباسفيك، وصلت فيهما حتى الحاجز الثلجي للقطب الجنوبي. أسند قيادها إلى ويفيل تمسون وكان من أهم أعضائها جون موري وبكنان، وقيدت مشاهدتها في 362محطة حصلت منها على مجموعة ضخمة من الأحياء البحرية ونماذج المياه ونماذج القاع وسبرت حتى نيف و 8000 متر. ومهما أشيد بأبحاث من تقدموا (تشالنجر) فقد كانت هذه البعثة فتحا مبينا في دراسة المحيطات. ولا غرور أن تؤرخ الاقيانوغرافيا تبعا لها فيقال عهد تشالنجر وما قبله وما بعده.
استغرقت دراسة النماذج التي جمعتها البعثة 20عاما كانت فيها أدنبرة محط رحال العلماء من كل صوب. يتقاسمون شرف دراسة تلك المجموعات التي وزعت عليهم دون نظر إلى جنسيتهم. لذا ظهرت مجلدات هذه البعثة الخمسين متوجة بأسماء أكبر علماء الحيوان والنبات والجيولوجيا والكيمياء والطبيعة. وبرغم السنين وتقدم الأبحاث الاقيانوغرافية وابتداع الآلات الدقيقة فلا تزال تلك المجلدات مرجعا من أهم مراجعنا. وما تزال دراسة السير جون موري والأب رينار لرواسب المحيطات أكبر عمدة لمن يختصون بهذا النوع من الدراسة. ليس في مكنتنا ونحن نستعرض سراعا بعثات الاستكشاف الاقيانوغرافي أن نقف طويلا ببعثة تشالنجر. وستعرض لنا فرص عديدة للعودة إلى نتائجها. ونكتفي هذه المرة بتلخيص جد مقتضب لتلك النتائج.
بعض نتائج رحلة (تشالنجر)
- وضع خرائط لأحواض المحيطات والقضاء على المبالغات التي شاعت عن أعماقها وكان أبعد عمق سبرته البعثة نيفاً و 8000 متر في شمال الباسفيك
- ثبات أن لا علاقة لحرارة مياه المحيطات بتغير الفصول بعد عمق 200 متر.
- اكتشاف درجة حرارة ثابتة للمياه العميقة في مساحات واسعة من المحيط، من ذلك أن اكتشفت البعثة ثبات حرارة مياه الاطلانطيق الشمالي بعد عمق 4000 متر عند درجة5و2 سانتجراد. كما أن حرارة مياه القاع في الباسفيك ثابتة عند درجة - 83و0 سانتجراد.
دراسة كثير من تيارات السطح والأعماق في المحيطات.
- محاولة فهم تكوين الشعاب المرجانية. وقد تعارضت نظرية موري (وهي المؤسسة على نتائج بعثة تشالنجر) ونظرية داروين في أصل تكوين هذه الشعاب. ولا تزال المعضلة قائمة إذ لم يصل أحدهما إلى نظرية مقنعة. ولعل بعثة (السير جون موري) في المحيط الهندي تلك البعثة التي تقوم على ظهر السفينة الأقيانوغرافية المصرية (مباحث) توفق إلى تفسير مقنع.
- إصلاح الخرائط الجغرافية فيما يختص بكثير من الجزر والشعاب.
- تقدم المعارف الحيوانية تقدما كبيراً وخصوصا ما عرف عن فصيلة الأحياء ذات الخلية الواحدة من (الراديولاريا) و (الجلوبيجرنيا). واكتشاف مئات من أنواع الإسفنج منها ذلك الحيوان البديع الذي أطلق عليه اسم (سلة أزاهيرفينوس)
- أثر الأعماق على الحياة. ففي الظلام الدامس الذي يغمر تلك الأعماق تعيش مخلوقات كف بصرها أو لا عيون لها أصلا. وأعاضتها الطبيعة أعضاء فسفورية تضيء سبيلها في الغياهب.
تلك بعض نتائج بعثة (تشالنجر) نمر بها سراعاً على كره منا فقد كانت حادثا له خطره في عالم العلم. وكانت الأقيانوغرافيا في مهدها فنشأت ودرجت وتقدمت بخطوات الرجال في الماضي القريب إلى حد أن الدهشة تعرونا إذ نعلم أن آخر مجلد من تقارير البعثةصدر في سنة 1907 وأن بكنان أحد أعضاء البعثة لا يزال حيا. وان السير جون موري قتل في حادثة سيارة سنة 1914وكان قد حبس مبلغ 20الف جنيه يصرف في سبيل بعثة جديدة. وتشاء الصدف أن يقترن اسم مصر باسم السير جون موري إذ تقوم هذه البعثة على ظهر السفينة المصرية (مباحث) في سبتمبر المقبل رافعة العلم المصري.
بعثات أخرى
كانت (تشالنجر) نتيجة منطقية لتلك الحركة الواسعة التي اتجهت منذ القرن الثامن عشر إلى دراسة الطبيعة. وقد وافق قيام هذه البعثة ونجاحها تلك اللحظة العظيمة في تاريخ الإمبراطورية البريطانية حين بلغت تلك الإمبراطورية في أواخر القرن الماضي أوج عزها وشأو رفعتها. وبعثة (تشالنجر) إن امتازت فلا تمتاز بانفرادها، ولا بأسبقيتها ولكن بأنها طمحتطموحا كبيرا وحققت مطمحها. بيد أن أمريكا وجهت بعثة إلى الباسفيك معاصرة لتشالنجر. معاصرة لها أيضا رحلة السفينة الألمانية (غزال) حول الأرض. والبعثة النرويجية إلى شمال الاطلنطيق. معاصر لها العلامة الاقيانوغرافية اسكندر أجاسيز. وهو سويسري مولدا ونشأة هاجر إلى أمريكا ورفع علمها العلمي على السفينة (بليك) والسفينة (الباتروس).
ولم تقف فرنسا ولا إيطاليا وراء الصفوف بل قامت الاولى بقسطها العلمي على ظهر (ترافيور) و (تالسمان) في شرق الاطلنطيق من سنة 1880 إلى سنة 1883. وأدت الثانية واجبها نحو البحر الأبيض المتوسط بواسطة السفينة (واشنجتن) وطوفت سفينتها (فيتور بيزاني) حول الأرض.
حتى تلك الأمارة السعيدة. الضاحكة وسط ابتسام الرفييرا قدر لها أن يجلس على عرشها أمير عالم من سلالة الجريما لدى الأبطال. هو البير الأول أمير موناكو. ارتاد المحيطات بين سنة 1885 حتى وفاته في سنة 1922 على يخوته الفخمة (أيروندل) الاولى والثانية و (برنسيس أليس) الاولى والثانية. وهو صاحب الأيادى البيضاء على الأقيانوغرافيا إذ ابتنى لها معهدا في قلب الحي اللاتيني بباريس. ومتحفا على صخرة موناكو العالية هو كعبة القاصدين، سواء من العلماء لدراسة مجموعاته النادرة أو من أهل اللهو فيمونت كارلو لمشاهدة الاكواريوم.
وسواء كانت روسيا بالسفينة (فتياز) التي طافت حول الأرض. أو النمسا بالسفينة (بولا) التي درست الحوض الشرقي للبحر الأبيض واخترقت قناة السويس وجابت البحر الاحمرأو نانسن على ظهر (فرام) في المحيط المنجمد الشمالي. أو الدانمارك بسفينتها (أنجولف) فلم ترض لنفسها دولة من الدول الحية (تلك الدول التي يعتقد كثير منا أننا ساويناها أو نكاد لبضع طرقات فتحناها أو مباني أقمناها أو أعلام وضعناها على غير مسميات) أن تتقاعس في القيام بواجبها نحو نفسها ونحو الإنسانية جمعاء. كلا لم تتريث بلجيكا عن توجيه بعثتها إلى القطب الجنوبي بين سنة 1897 وسنة 1899. ولم تتوسد ألمانيا أوراق غار هابل بل عادت إلى كتابة اسمها في تاريخ علوم البحار إذ وجهت (الفالديفيا) إلى الأطلانطيق والمحيط الهندي والمحيط المنجمد الجنوبي ما سمحت ثلوجه. كلا ولا هولندة التي أضافت جوهرة إلى تاج العلم ببعثتها على ظهر (السيبوجا) حول جزر الهند الشرقية (سنة 1899 - سنة 1900). وكما اختتم القرن الماضي بتلك الدول وهي في ميدان العلم أفراس رهان فقد افتتح القرن العشرين ببعثات أخرى تحمل أسماء مجيدة. ويكفينا ختاما لهذا المقال أن نذكر أسماء الدول التي اشتركت في دراسة المحيطات منذ أوائل هذا القرن. فهي هي موناكو وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإنجلترة والنرويج والد نمارك وهي هي دواما وتكرارا.