الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 159/مأساة من سوفوكليس

مجلة الرسالة/العدد 159/مأساة من سوفوكليس

مجلة الرسالة - العدد 159
مأساة من سوفوكليس
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 20 - 07 - 1936

2 - أنتيجونى

للأستاذ دريني خشبة

- 4 -

(يدخل أحد الحراس مفزعا)

- (مولاي! مولاي! أ. . . أ. . . أنفاسي تتقطع يا مولاي! أفكاري مشتتة! لقد أوشكت ألا احمل النبأ العظيم! يا للهول، يا للهول!)

- (تكلم أيها الحارس، ما ورائك! تكلم!. . . ماذا تخشى؟)

- (الجثة يا مولاي! لقد هيل عليها الثرى. . . و. . . دفنت! وأديت لها كل شعائر الآلهة! أما من صنع هذا. . ف. . . لا ندري. . . لقد لاذ بالفرار! فر دون أن يراه أحد!

- (ها. . .!! الجسور الذي صنع كل هذا!. . .

- (لا ادري! انه لم يترك ورائه أثراً يعرف به! ونحن أيضاً لم نعرف ما تم حتى أيقظتنا آراد الصباح المنبعثة من أعين الشرق! لقد فزع الحراس، واقترعوا على من يبلغ مولاي! فيا لشقوتي ويا لتعاستي! لقد وقعت القرعة علي. . . وهل أشأم من حامل أخبار الشؤم!؟)

- الحورس: (مولاي! إنها قوة سماوية مقدسة لابد! هي التي صنعت كل هذا!

- الملك: (أية قوة سماوية يا أحيمق؟! إصمت! أية آلهة تزعم إنها توقر النذل الخائن الجبان! إنك تضرم غضبي وتؤجج لظى السخط في أعماقي! ويلكم أيها الحراس الأنجاس! بل أنا اعرف من أين وصلتكم الرِّشى فغضضتم الطرف عن إجرام المجرمين! النقود! دائماً النقود. . .! تعاويذ السحر، والرقى التي تذهب بالألباب! ليس مثلها في إفساد ضمائر الأمم، وتدنيس كرامات الشعوب! ولكن لا. . .! فأما تأتونني بالمجرمين مصفدين في الأغلال، وإلا فالشنق ايسر عقوبة تستأهلونها! أيها اللؤماء! يا عبدة الذهب)

- (إذن!. . . أ. . . أيسمح لي مولاي بكلمة؟ أم انقلب على وجهي؟)

- (بل كلمات. . . تكلم!. . . أضرم نيران السخط عسى أن تحرقك؟)

- (أنا على الأقل. . . لست صاحب ذلك الوزر!) - (ها. . . ها ها. . .؟ كل ما فيك لسان ليس يفتر عن هراء! المجرمين. . . وإلا. . . فرؤوسكم أجمعين!. . . أغرب!)

(يخرجون تباعا ما عدا الخورس)

- 5 -

وما يكاد المنشدون يفرغون من هزج حلو النغم، ضافي الحكمة، حتى يشهد رئيسهم أحد الحراس مقبلا وبين يديه الفتاة الجريئة التاعسة أنتيجونى يسوقها سوقاً

(يدخلان)

- (الفتاة التي صنعت كل شيء! لقد ضبطناها تدفنه! أين الملك؟)

- (هاهو ذا قادما للقائك أيها الحارس، فحدثه بكل شيء)

(يدخل الملك)

- (مولاي! هاهي ذي! لقد ضبطناها تحثو التراب على جثمان القتيل! ما احسبها تنكر، لان الإنكار لن يفيدها من الحق شيئاً! حمداً للآلهة! لقد أنقذتنا بالتوفيق من موت كاد يتخطفنا! سلها يا مولاي فاكبر ظني إنها ستعترف!)

- (هذه الفتاة! أين وجدتها إذن؟)

- (وجدتها تدفن الأمير قلت لك!)

- (ما أحسبك إلا مأفوناً!)

- (لقد وجدتها تدفن القتيل الذي أنذرت ألا يدفن! ماذا تريد مني أن أكون أصرح من هذا؟)

- (وكيف إذن كشفتم هذا الأمر؟)

- (لقد كنا يا مولاي نجلس (فوق ريح) القتيل حتى لا يصدم أنوفنا نُتْنه، ولا يضرنا جيفه، وفجأة، حين أشرقت ذكاء وغمرت بسناها البطاح، هبت زوبعة قوية حجبت الشمس بكثرة ما أثارت من تراب ورمال! فخفنا على أبصارنا أن تصرها الريح العاصف فأغلقناها، وما كادت تهدأ العاصفة ويصفو الجو حتى رأينا هذه الفتاة تبكي القتيل وتسقيه أحر عبراتها، ثم حثت فوقه التراب وصبت عليه ثلاثا من جرار الخمر المقدسة، سلها يا مولاي فإنها اعترفت بكل شيء، وستعترف لك بكل شيء!)

- (أنت أيتها الفتاة التي تبحث بعينيها تراب الأرض!! أتقرين بما تقول عليك الحارس أم تنكرينه؟)

- (أنا!. . . ها ها!! أنا لست أنكر مما ذكر حرفاً واحداً!! لقد نذرت ذلك وأنفذت ما نذرت!)

- (إذن. . . انطلق أنت أيها الحارس. . . فلقد نجوت. . . أما أنت أيتها الفتاة. . . أما علمت بما صدرت عنه إرادتنا؟ ألم تكوني تعرفين أن ما صنعت محذور منه منهي عنه؟)

- (كنت اعلم ذلك جميعه!)

- (وكيف تجاسرت إذن على خرق القانون إلى هذا الحد؟)

- (انه قانون لم يتنزل عليَّ من السماء، ولم تأمر به ربة العدالة! إن هي إلا قوانينكم انتم، ولكن للآلهة قوانينها كذلك، وقد فرضتها منذ الأزل على بني الإنسان، وأنى لبني الموتى أن تضرب بعرض الأفق شرائع السماء! أينا اخطأ أيهذا الرجل؟ أنا التي عصيت قوانينكم الظالمة، أم انتم الذين ثرتم على قوانين آلهتكم؟ ألا مرحبا بالموت يريحني مما كنت أغص به من آلام! أيترك أخي من غير قبر يستره ويردني تهديدكم بالإعدام عن دفنه؟ ألا إن هذا هو الإعدام! ألا إن كنت في نظرك مجنونة، فإني لكذلك في نظر مجنون!. . .

رئيس المنشدين: (يا للجرأة! إن الفتاة لا تبالي صاحب تاج طيبة! إن الردى الذي يرقص أمام عينين لا يفل من عزيمتها)

الملك: (إي وحق السماء! ولكن سرعان ما تذوب هذه الروح المتمردة حين تلقى في سعير العذاب! خيلاء! ها! شيء لا يحتمل من مجرم! إنها داست القانون ولم يكن بحسبها ذلك، بل هي تضاعف أوزارها بالقحة! إنها تستهزئ بنا كأنها صاحبة الأمر والنهي فينا! من أنا إذن! لعلها تحسب إنها بنجوة من العقاب لأنها ابنة أختي! ها. . . ولكن. . . لا. . . فو حق السماء لو أنها اقرب الناس إلي لما أفلتت من الجزاء الصارم. . . ولكن. . . أين شريكتها في هذا الوزر؟ أختها! إنهما كانتا تنناجيان في هذا القصر. . . إلى بها هي الأخرى. . . إنها اخبث منها!. . .)

أنتيجونى: (على رسلك أيها الملك! أتبتغي شفاء لحردك اكثر من قتلي! ألا مرحباً بالموت!)

الملك: (بحسبك! هذا شأني سينهي الموت كل شيء!)

- (وفيم الإبطاء إذن! إنك لا تخيفني بتهديداتك، فلقد نلت مشتهاي بدفني أخي، وأي فخار ابعد من هذا؛ إن هؤلاء جميعا شهودي، فسلهم يجيبوك! حل عقال ألسنتهم. . . كلمهم!

- (لبس في طيبة فرد يرى القضية بعينيك!)

- (بل هم يرونها كما أرى، ولكن جبروت السلطان يلجم أفواههم!)

- (وهلا تستحين من تحديك مدينة بأسرها؟)

- (مِمَّ استحي؟ ألأني أخته، ذلك الذي وفيت له؟

- (أولم يكن إتيوكليز أخاك كذلك؟

- (أخي وشقيقي من أبى وأمي!

- (لم يكن من الوفاء له إذن أن تفعلي ما فعلت!

- (انه وقد مات - لا يؤمن بما تقول! على أن الذي دفنته هو أخوه أيضاً ولم يكن عبداً مرة ما!

- (لكنه حارب وطنه وأراد إذلال بلاده!

- (لا يعرف الموت هذه الفروق الدنيا!

- (ليس الخير والشر سواء كما تعلمين!

- (قد يستويان في الدار الآخرة، من يدري؟

- (العدو مكروه أبداً حتى في الموت!

- (ومن أين لقلبي بكراهية أخي! أني احبه!

- (ها. . . ستحبينه كثيرا بعد قتلك! أبداً لن تسيطر علي فتاة مثلك!

(تدخل إسمنيه)

(لها بقية)

دريني حشية