مجلة الرسالة/العدد 157/آية الصبح
→ هرم خوفو | مجلة الرسالة - العدد 157 آية الصبح [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 06 - 07 - 1936 |
بقلم الشاعر عثمان حلمي
غرَّد العصفورُ للصبح فهيا ... يا حبيبي فتَّح الصبح فهيا
آية الصبح تجلَّتْ، قمْ بنا ... قبل أن تطوي بضوء الشمس طيّا
إن نور الله في بهجته ... دلَّنا أن له سراً خفيا
وكأن الكون فيه ملك ... يتغنى نغماً حلواً شجيا
سكَبَ الحسن على جبهته ... ماءه فانتعش العالمُ رِيا
كلُّ شيء ضاحكٌ مبتهجٌ ... بعَثَ الصبحُ موات الكون حيا
فهنا الريحانُ في أوراقه ... ناشراً من روحه روحاً زكيا
وهنا النرجسُ في جلبابه ... لابساً من حسنه ثوباً بهيا
وهنا الوردُ على أغصانه ... خَجِلاً من حسنه الزاهي حَييا
وهنا الطيرُ تُغنِّي لغةً ... فهم الزهر لها معنى خفيا
كلما غرَّدَ منها طائرٌ ... خِلْتُه كان إلى الطير نبيا
وهنا الأشجارُ في خضرتها ... لبست ثوباً من الحسن زهيا
خَلَعَ الصيفُ عليها بُرْدَه ... وحباها ثمراً حلواً جَنيا
رضى الله على الدنيا فما ... تبصرُ العينُ من الدنيا دَنيا
كفُّ جبريل عليها نثرتْ ... من رُبىَ جنته حسناً نديا
من حياة الخلد أو من حسنه ... ما يعيد الميْت في الأنفس حيا
أو مشى يوسفُ فيها طرباً ... وحبا الجوَّ بها عطراً زكيا
وحبا الأنظارَ من طلعته ... ما يُعيد الحب في النفس فتيا
فإذا ما عبث الحبُّ بها ... جعلته مثلاً منه عليا
يا حبيبي سِرْ بنا في روضةٍ ... نروِ منها الطرف إن كان صدِيا
والذي صوَّر في الكونَ لنا ... بيديْ إحسانه حسناً سأويا
والذي نمَّقَ من قدرته ... كلَّ ما ينطقُ بالحق جليا
والذي قلبي ونفسي صُنْعه ... كنت منه أولياً أبد والذي سواك من نور الضحى ... بعد أن لم تك في ماضيك شيَّا
والذي أرسلني منكَ إلى ... كلِّ من يشعرُ للحب نبيا
والذي اكسب نفسي نغماً ... باعثاً للحسن في الناس دويا
والذي أبدعَ في صوتك ما ... يملأُ السمع به خمراً شهيا
غنِّنيِ شعري وقل في طربٍ ... غرَّدَ العصفورُ للصبح فهيا!
جلَّ من أنشاكَ في صورته ... مثلاً في حسنكَ الزاهي عليا
وحباني الحب حتى ما أرى ... غيرَ حبي كان حبا عبقريا
جلَّ من أرسل منِّي شاعراً ... يتغنى فيك بالشعر شجيا
أنت في شعري جميلٌ خالدٌ ... بعد ما يطوي حياتي الدهر طيا
آه لو تفهمه لم تنسني ... أبدَ الدهر ولو كنت نَسِيا
هاك رتِّله، ففي ترتيله ... ما الباكيَ النفس رضيا
فهو مثلُ الصبح، في آيته ... ما يعيد الأمل الحلو قويا
هاهو الصبحُ، فلولا حسنه ... كانت الدنيا جحيما أبديا
سطَّر الرحمنُ في صفحته ... نورَه نوراً سماوياً سنيا
وأجاد الله في صنعته ... لم يدع في خلقه للنقص شيا
ليتَ شعري ما عسى جنته ... تلك حيث النفس لا تلقي رديا
طهِّرتْ من نقصنا وأُبتهجتْ ... من سناهُ كاملاً فيها جليا
ليتني رضوانُها أو ليتني ... ملَكٌ فيها يظلُّ الدهر حيا
وأرى شخصاً فيها ملكاً ... نتناجى الحب في الخلد سويا
تتناجى حُبَّنا عن كثبٍ ... ويكون الحبُّ حباُ أبديا
ونرى الرحمنَ فيها أو نرى ... من يرى الرحمنَ في الخلد هنيا
فهناك المثلُ الأَعلى لمن ... عَرف الأَدنى من الدنيا قويا
قم إذن نسعَ إلى الروض سويا ... يا حبيبي، فتَّح الصبح فهيا!
لا يطيب العيش لي منفرداً ... أو أرى وحدي جلال الحسن شيا
لو ملكت الخلد وحدي لم أكن ... لا عن النفس ولا عنه رضيا نزعت نفسي إلى مؤنسها ... أو حبيب اجتلى منه المحيا
(الإسكندرية)
عثمان حلمي