الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 156/كل بيت فيه سعد ماثل

مجلة الرسالة/العدد 156/كل بيت فيه سعد ماثل

مجلة الرسالة - العدد 156
كل بيت فيه سعد ماثل
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 29 - 06 - 1936


للأستاذ علي الجارم

اكشفوا الترب عن الكنز الدفين ... وارفعوا الستر عن الصبح المبين

وابعثوه عسجداً مؤتلقاً ... زاد في لألائه طوال السنين

واجتلوه درة ساطعة ... صدفُ الدهر بِشَرْواها ضنين

وانتضوا من غمده سيف وغى ... كان إن صال يقد الدارعين

وقناة جل من ثقفها ... للحفاظ المر والعزم المكين

لوت الدهر على باطلة ... وهي كالحق صفاة لا تلين

هزمت جيش الأباطيل فما ... غادرت غير جريح أو طعين

كتب الله على عاملها ... إِنما الخلد جزاء العاملين

جدث ضم سناء وسني ... ومُصاص الطهر في دنيا ودين

طاعة الأملاك فيه امتزجت ... في السموات بعز المالكين

فتشوا في الترب عن عزمته ... وعن الأقدام والرأي الرصين

واخفضوا أبصاركم في هيبة ... إن رأت أبصاركم نور اليقين

واخشعوا بالصمت في محرابه ... أفصح الألسن صمت الخاشعين

وانتحوا من قبره ناحية ... واحذروا أن تزحموا الروح الأمين

وحناناً بضريح طالما ... صقلته قبلات الطائفين

وجثت مصر به خاشعة ... تذرف الدمع على خير البنين

صيحة قدسية إن سكتت ... فلها في مصر رجع ورنين

وعرين حل فيه ضيغم ... رحمة الله على ليث العرين

ومضاء عرفت مصر به ... إن للحق يميناً لا تمين

لا أرى قبراً ولكني أرى ... صفحة من صفحات الخالدين

أو أراه قصب المجد الذي ... دونه ينفق جهد السابقين

أو أراه علماً في فدفد ... لمعت أضواؤه للحائرين

أو أراه روضة إن نفحت ... خجل الورد وأغضى الياسمين أو أراه دوحة وارفة ... نشرت أفياءها للاجئين

أو أراه قلب مصر نابضاً ... بمنى تمحو من القلب الأنين

نقلوا التابوت تحتفُّ به ... رحمات من شمال ويمين

ذاك بعث حييت مصر به ... من جديد تلك عقبى الصابرين

هل علمتم أن من واريتم ... في حنايا كل مصر دفين

ما لسعد حفرة واحدة ... هو ملء القلب ملء لأرَضين

كل بيت فيه سعد ماثل ... في إطار من حنان وحنين

بسمة الآمال في بسمته ... وانبلاج الحق في ضوء الجبين

هو للأبناء عم وأب ... وهو للآباء خل وخدين

كان سعد علماً منفرداً ... هل يرى للشمس في الأفق تنين

إن أم المجد مقلاة فكم ... سوفت بين جنين وجنين

تبخل الدنيا بآساد الشرى ... أيها الدنيا إلى كم تبخلين

أنت قد أَنجبت سعداً بطلاً ... وقليل مثله من تلدين

قاد للمجد مناجيد الحمى ... كلهم أروع منبتُّ القرين

تقرأ الأقدام في صفحته ... مثلما تقرأ خط الكاتبين

كلما مرت به عاصفة ... زعزع مرت على طود ركين

تقرع الأقدار منه عزمة ... أنفت صخرتها أن تستكين

حُشُدٌ حول الرئيس (المصطفى) ... نبعة الإخلاص والخلق المتين

وجدت مصر به وأحدها ... رب فرد بألوف ومئين

ومن الناس نضار خالص ... ومن الناس غثاء وغرين

ومن الناس أسود خدر ... ومن الناس ذباب ذو طنين

وضعت مصر به آمالها ... فاستقرت منه في حصن حصين

مسح الدمعة من أجفانها ... ومحا من لوعة القلب الحزين

أيها الربان أَبحر آمناً ... وثق الركب بربان السفين

كل ما حولك رهو هادئ ... والبقيات على الله المعين لاحت الفرصة في إِبانها ... إنها لا ترتجي في كل حين

فتقدم بطلاً جم المنى ... أنت بالنصر حريٌّ وقمين

صدق الله تعالى وعده ... إنما الفوز ثواب المخلصين

علي الجارم