الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 152/النقد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 152/النقد الأدبي

بتاريخ: 01 - 06 - 1936


بقلم السيد عبد القادر صالح

بحث صاحب (الرسالة) الغراء في عددها الأسبق تهافت الأدباء الناشئين على النقد الأدبي ولما يأخذوا له عدته

ولم يَعْدُ الحق فيما سرده من العلل لتلك الظاهرة القوية بين كثير من ناشئتنا، لأن منزلة الناقد الحق منزلة رفيعة تحتاج إلى سعة إطلاع، وسلامة ذوق، وصراحة من غير ما قسوة أو غرض

ذكرني مقال الأستاذ في (النقد المزيف) بقصيدة مشهورة لشاعر إنكليزي نقادة اسمه (بوب) عاش في القرن الثامن عشر. ويتبوأ هذا الشاعر في الأدب الإنكليزي مكانة (أبي الطيب المتنبي) في الأدب العربي من بعض الوجوه. كلاهما كان أمير الشعر في عصره، وكلاهما كان يعتز برفعة نفسه وعدم إمتهانها، وكلاهما كان متين الأسلوب، وأشعار كل منهما أصبحت أمثالاً سائرة

وتلك القصيدة التي أشرت إليها آنفاً، والتي سأحاول أن أنقل لقراء (الرسالة) الذين لم يدرسوا بوب بعض آراء هذا الشاعر الواردة فيها، هي: (مقال في النقد) نشرت والشاعر في الثالثة والعشرين من عمره؛ ويظن أنه نظمها قبل نشرها بسنتين، يستهلها بقوله:

(يتعذر على المرء أن يقول: أي الرجلين تنقصه المهارة أكثر: السيئ النقد أم السيئ الكتابة؟ على أن ما يستنفد صبرك أقل خطراً مما يضلك

أحكامنا كساعاتنا، قل أن يتفق منها اثنان. غير أن كلاًّ منا يعتقد أن رأيه هو الأصوب

يندر وجود العبقرية الحق في الشعراء، كما يندر وجود الذوق السليم في الناقد. كل من الناقد والشاعر يجب أن يكون مطبوعاً.

هذا خلق ليكون ناقداً وذاك ليكون شاعراً

قلة معارف البعض تفسد مؤهلاتهم البسيطة. فإذا ما أخفقوا في الكتابة انقلبوا نقدة ليدرءوا عن أنفسهم أثر الخيبة.

العلم الناقص شديد الخطر، فإما أن تتبحر في العلم وإما ألا ترد مناهله. لأن الاغتراف البسيط يسكر، ولا يعيد الرشد إلا الإمعان في الط قبل أن تتعرض للنقد يجب أن تتأكد من نفسك أولاً، وأن تعرف مدى ما لديك من المعرفة والعبقرية والذوق السليم.

الكبرياء من أقوى الأسباب التي تحول بين المرء ورؤية الحقائق. ومن شأن الطبيعة أن تزيد في كبرياء المرء بمقدار ما ينقصه من المقدرة

في البدء يخيل إلى الشاب المتحمس أنه بمعلوماته البسيطة بلغ ذروة الفن، ولكنه كلما أمعن في طلب العلم بدا له نقص أوضح. كالمصعد في جبال الألب يتراءى له في بدء تصعيده أنه يدنو من الذروة العليا، فإذا ما أستمر في تصعيده بدت لعينيه ذرى تعلوها ذرى

الناقد الكامل يقرأ الكتاب بنفس الروح التي كتب بها المؤلف. ينظر للكتاب ككل، فلا يجعل همه اكتشاف الغلطات التافهة. وهل يُحكم على جمال شخص بجمال العين أو الشفة على انفراد؟

بعض النقدة همهم اللغة. يعجبهم من الكتب ما يعجب النساء من الرجال: حسن الثياب

سلاسة الأسلوب ليست وليدة المصادفة، وإنما هي ثمرة الفن. جرس الكلمة يجب أن يكون صدى لمعناها

بعض النقدة ينتقد أسماء المؤلفين لا مؤلفاتهم، فيمتدح أو يذم الشخص لا كتابه. والبعض الآخر يمتدح القديم لأنه قديم، أو الجديد لأنه جديد. فلا تكن أول من يجرب الجديد ولا آخر من يتخلى عن القديم

وهنالك من يمتدح في أول النهار ما يذمه في آخره؛ وإذا سألته عن السبب أجابك: (أنا الآن أعقل مني في الصباح.) ولا ريب أنه سيكون في الغد أعقل منه الآن

والبعض إنما يقدر من كان من رأيه أو حزبه، فيتخذ من نفسه مقياساً للنقد عاماً

لا يكفي أن يجتمع في الناقد الذوق والمعرفة وإصابة الرأي، بل يجب أن ينضم إلى هذه الصفات الحق والصراحة.

عليك بالصمت التام عندما تكون غير واثق تمام الثقة من صحة رأي. وعليك أن تتواضع إذا كنت متمكناً من رأي، وأن تعترف بأغلاطك

لا يكفي أن يكون نقدك حقاً تقصد به الإرشاد، إذ كثر ما سببت الحقائق الجافة أضراراً أبلغ من الأخطاء، لأن الناس يحبون أن يُعلَّموا وهم لا يشعرون أنهم يعلمون، وأن تُذكر لهم الأشياء التي يجهلونها كأنها منسية لا مجهولة

لا تقس في نقدك ولا تكثر منه. ولكن يجب ألا يسوقك التسامح لإهمال العدل. ولكن أين الرجل الذي يستطيع أن يقدم النصح خالصاً حباً في الإرشاد لا رغبة في إظهار المعلومات؟)

(نابلس - فلسطين)

عبد القادر صالح