مجلة الرسالة/العدد 150/الفرقة القومية المصرية والمسرح المحلي
→ العالم المسرحي والسينمائي | مجلة الرسالة - العدد 150 الفرقة القومية المصرية والمسرح المحلي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 18 - 05 - 1936 |
لناقد (الرسالة) الفني
باعد المسرح ما بينه وبين الأدب والأدباء، لأن أصحاب الفرق التمثيلية - فيما مضى - جعلوا مثلهم العليا والروايات الثائرة العنيفة التي لا تمت إلى الفن الرفيع بسبب، وكانوا بصفتهم ممثلين ومخرجين يوجهون الفن حسب أهوائهم، حتى إنه كان لبعضهم مؤلفون من نوع خاص، وهذه السياسة التي ساروا عليها جعلت النظارة من المثقفين الذين يطلبون الفن ينفضون عن دور التمثيل، مفصلين السينما، وكانت هذه الجناية من أكبر الأسباب التي قعدت بالمسرح وأتت عليه
ومدت الحكومة يدها إلى المسرح لتقيله من عثرته، وتكونت الفرقة القومية المصرية، وعملت موسماً متقطعاً على مسرح الأوبرا عرضت خلاله عدة روايات من روائع الأدب الغربي
على أن ما عرضته وإن كان جديراً بالتقدير، لن يؤدي إلى الغاية المقصودة، فان المسرح إذا عنى بالترجمة والنقل فقط، لن يكون إلا صدى للمسارح الغربية، والحياة المصرية على تقمها لن تشبه ولن تبلغ الحياة الغربية ومجتمعاتها وعاداتها
حقاً إن الروايات المسرحية فيكل الأمم غربية أو شرقية ترمي إلى بذر الخير في النفوس واقتلاع الشر من الرؤوس وتغذية القلوب بالعواطف النبيلة بتصوير المثل العليا وتمجيدها وتقويم المعوج من الأخلاق والعادات، كما تعني بدقائق الحياة الداخلية ومشاكلها الاجتماعية والتجديد للمستقبل وتوجيه التطور إلى الناحية التي تجدي على الشعب والإنسانية، إلا أن التباين في العادات يضعف أثر التمثيل في نفوس النظارة، ولهذا فان ما تبذله الحكومة من جهد ومال لن يكون له الأثر المنشود ما دامت الفرقة تعرض الروايات الغربية
نحن لا ننكر أن اللغة والأدب قد اكتسبا الكثير من نقل هذه الروايات إلى العربية، ولكن المسرح المحلي والاهتمام بتكوينه ليعالج مشاكلنا الاجتماعية، أهم لدينا من كل ما عداه، فالمسرح وهو فن من فنون الاجتماع، يجب أن يؤدي رسالته مستعيناً بالأدب، لا أن يكون أداة اللغة فحسب
والمسرح وهو وسيلة من وسائل الإصلاح يجب ألا ترتفع لغته كثيراً حتى يمكن الشعب أن يتفهمها، فالمسرح ليس للمثقفين وإنما هو للشعب أولاً، ولذلك فان أكثر الروايات التي أخرجتها الفرقة القومية كانت عويصة على الجمهور مما أدى إلى عدم الإقبال المنتظر على حفلات الفرقة
ورب قائل يقول إن الفرقة لم تجد الروايات المحلية التي تتوفر فيها الشروط الفنية حتى تعرضها، ومعنى هذا أننا سنبقي الأعوام الطويلة ننقل عن الغرب روايات لا تتفق مع عاداتنا وأخلاقنا حتى يبعث الله لنا مؤلفاً عبقرياً موهوباً يقدم للفرقة الروايات المحلية، ويومئذ، ويومئذ فقط، تقام دعائم المسرح المحلي!!!
لا أظن أحدا يرى هذا الرأي أو يقره
إن واجب اللجنة التي تشرف على الفرقة القومية أن تشجع الأدباء والكتاب المسرحيين، فتدرس رواياتهم وتنبههم إلى المآخذ لكي يعملوا على تلافيها، وإلى مواضع الضعف لكي يعملوا على تقويتها، ثم تخرج هذه الروايات بعد ذلك على المسرح. ويجب أن يكون لدى هذه اللجنة من الشجاعة ما يجعلها تغامر بإخراج الروايات العصرية ما دامت لها بعض المزايا الخاصة
وإن التشجيع المادي والأدبي والمران لمن بين الأسباب التي تدفع الكتاب المسرحيين إلى أن يشقوا طريقهم نحو الكمال، وبهذا تكون الفرقة قد أدت رسالتها نحو خلق المسرح المحلي والأدب المصري الحديث
فهل تعني اللجنة والفرقة بهذا الاقتراح؟
سنحاول في كلمة أخرى التحدث عن الروايات التاريخية والروايات العصرية من حيث التأليف، ونرجو أن يتسع صدر (الرسالة) الغراء لهذا البحث الصغير، فقد يكون فيه بعض الفائدة لمن يحاول الكتابة للمسرح