مجلة الرسالة/العدد 150/الشيخ محمد النجار
→ أدبنا الجديد | مجلة الرسالة - العدد 150 الشيخ محمد النجار [[مؤلف:|]] |
للتاريخ السياسي: ← |
بتاريخ: 18 - 05 - 1936 |
صاحب الأرغول
للأستاذ عبد الوهاب النجار
لمناسبة ما ذكره الأستاذ حسين شفيق المصري عن صاحب
الأرغول في محاضرته القيمة في تطور الصحافة الأسبوعية
الشيخ محمد النجار شخصية غير مجهولة في عالم الأدب في غروب القرن الماضي وفجر القرن الحاضر
كان المرحوم طالباً بالأزهر الشريف نابهاً بين إخوانه، يجمع الطلبة الذين هم أقل منه ويدرس لهم من العلوم الأزهرية ما هم في حاجة إليه
فلما جاء الشيخ محمد العباسي المهدي شيخاً للأزهر لم يجد به نظاماً يتبع في إعطاء إجازة التدريس ولا دفتراً يضم أسماء العلماء بالأزهر، بل كان من آنس في نفسه قوة وأهلية للتدريس أعد نفسه لتدريس أحد الكتب ودعا الطلبة والعلماء لحضور ابتداء درسه، فإذا أداه حق الأداء وأجاب على كل الأسئلة التي وجهت إليه والاعتراضات التي اصطدم بها من الطلبة والعلماء عد عالماً، وذلك بتهنئة العلماء إياه وثنائهم عليه، وعليه بعد ذلك أن يدعو جلة العلماء والفضلاء إلى مأدبة يعملها لهم شكراً على نجاحه وفلاحه
أما إذا لم يسدد إلى سداد، ولم يوفق في درسه إلى صواب، فإن العلماء ينصرفون عنه دون تهنئته، وحينئذ يتبين الجمهور أنه أخفق ولم يوفق
عزم الشيخ العباسي المهدي على أن يسجل أسماء العلماء الذين يدرسون في الأزهر لذلك العهد وألا يدخل في زمرتهم أحد بعد ذلك إلا إذا اجتاز امتحاناً يعقد لذلك، وعين العلوم على الطالب أن يمر فيها بنجاح في ذلك الامتحان
كان في ذلك العهد يوجد عالم بالأزهر قد بلغ من الكبر عتياً أسمه الشيخ محمد النجار (غير صاحب الأرغول) وقد ذهب ذلك الشيخ إلى بلده ومات بها ولا يعلم بذلك أحد
فلما شرع الشيخ المهدي في تسجيل أسماء العلماء المدرسين بالأزهر أملى بعض العلماء أسم الشيخ محمد النجار، وكان الكبير الذي يحمل ذلك الاسم قد مات قبل ذلك لوقت بق ولا يوجد ممن يدرس للطلبة بهذا الاسم سوى الشيخ محمد النجار (صاحب الأرغول فيما بعد)، فتلقف هذه الوظيفة النجار الفتى إذ لا يوجد بازاء الوظيفة ما يميز نجاراً من نجار
بهذا أخبرني العلامة الأديب المرحوم الشيخ محمد أبو راشد إمام المعية في عهد الخديو السابق عباس حلمي باشا الثاني
عين بعد ذلك الشيخ محمد النجار مدرساً بالمدارس الأميرية مع بقائه مدرساً بالأزهر إلى أن كان مدرساً بمدرسة الفنون والصنائع الأميرية ببولاق
وقد كانت نظارة المعارف في ذلك العهد ليس بها درجات للمدرسين ولا نظام للعلاوات وإنما كان ينال من العلاوات من يصادفه الجد ويسعده الحظ. وقد عبر الشيخ النجار على ذلك مدة من الزمن، وكلما آنس أن العلاوة ستسعده بعدت وأخطأته أو تخطته. فلما كان عهد تولية علي مبارك باشا نظارة المعارف عمل له زجلاً يشكو به حاله وقدمه إليه. وهأنذا أنص ما وعته ذاكرتي منه
الدهر دا ديْماً غدار ... لكنوعَ العاقل أكتر
والسعد يأتي بالأقدار ... والرزق مقسومْ ومقدر
الدهر ديْماً مع الأحرار ... يقول حاوريني يا طيطه
تلقى الردِى بخته طيب ... والحر لُو بخت قليطه
ودا غنى بيتو فشبراً ... ودا انزرع في التبليطه
ودا حمار وراكبلو حمار ... مبسوط بأنه سي بعجز
الناس خدامتها سهلة ... وان خدامتي في اتعاب
في كل يوم الصبيحه ... أمشي إلى بولاق قراب
واللي أبات فيه أصبح فيه ... رايح وجي من الكُتاب
خوجه وعايز حق حمار ... ولي ماهيَّه لا تذكر
امتى أفوت مشوار بولاق ... واعرف أنا الآخر بختي
وأفوت بتوع حياك الله ... وبتوع حبرتك يا ستي
كتب علينا (قل سيروا) ... فيها مصيَّف ومْشَتي
الشمس فيها زي النار ... وفي الهوا دايماً تعفر يا أهل المعارف والأنصاف ... أنا جرالي معاكم إيه
تأخروني بالمرة ... وتقدموا الغير عني ليه
البيه يقول روح للباشا ... والباشا يأمر روح للبيه
وأنا كدا واقف محتار ... زعلان ومغموم ومكدر
قالوا الديوان عامل ترتيب ... وبالزيادة لك جادوا
يا حلم وان صحت الأحلام ... وطلعت أنا في اللي زادوا
ورحت أرجو سيدي فلان ... والعبد يترجا اسيادوا
وضع أمام اسمي أصفار ... حتى بقي حالي يصفر
لا أنا مساعد في الساحل ... ولا قريب الشيخ قفه
ولا صعيدي بياع دوم ... خالي حمد سرق الزلفه
ولا مراكبي لي مركب ... عويلها مربوط بالدفه
إلا شريف جدي المختار ... عالم مدرس بالأزهر
فلما قدم هذا الرجل الزجل إلى المرحوم علي مبارك باشا أعجب به وأمر بنقله إلى مدرسة القريبة وزيادة جنيه ونصف على مرتبه، وما كان يحلم أن يصل إلى ذلك في ثلاث علاوات
وكان رحمه الله راسخ القدم في فنون الأدب، فكان ينظم المواويل الحمر ويساجل أبطالها
كان يوجد رجل بمديرية المنيا اسمه الشيخ عبد الله لهلبها ينظم المواويل، وقد ذهب المرحوم الشيخ محمد النجار إلى المنيا وبحث عن الشيخ فلم يجده
فترك له موالاً عند عبد القادر أفندي إدريس وهو:
والله ما حرق الأحشا ولَهْلِبْها ... ولا أذاب مهجتي إلا ولَهْلبها
ونزلت في أرض لا ناسي ولهلبها ... وجيت أدور على مواوي يواويلي
قالوا ما فيش إلا أبو كراع في بلدة ولهلبها
أما ما رد به عبد الله لهلبها على هذا الموال فعند عبد القادر أفندي إدريس
وكان النجار رحمه الله يبتدئ الموال ويتحدى الأدباء يريد منهم تكملته فلا يجد. وربما زاد قسما آخر بعد ذلك في الموال. فيعي الأدباء عن ذلك من هذا قوله:
مغزل حماتك سقط ضاعت تقاقيله
فلما لم يظفر بتكملته زاد عليه:
ما تنظر الديك والفرخه تقاقي له
ومن ذلك أيضاً قوله:
مغزل حماتك سقط ضاعت سنانيره - ثم زاد -: فضل المعدل يعدل في سنانيره
وكان رحمه الله سريعاً إلى النكتة، حاضر البديهة. فمن ذلك أنه مر بصديق له، فقال له الصديق: يا شيخ محمد، ازاي الأرغول؟ - فأجابه بقوله: (بِنَفَسك ماشي)
ويا حبذا لو أتحف أصدقاؤه وخلانه قراء (الرسالة) بشيء عنه
عبد الوهاب النجار