مجلة الرسالة/العدد 15/الكتب
→ بلياس ومليزاند | مجلة الرسالة - العدد 15 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 15 - 08 - 1933 |
النجوم في مسالكها
هذا هو النقد الذي بعث به إلى الرسالة الأستاذ عبد الحميد سماحة منذ عددين. وكنا على وشك أن ننشره لولا أن رأيناه بروحه ومعناه منشوراً في الأهرام بإمضاء ناقد، فلما كتب الأستاذ في الأهرام انه هو وزميله غير هذا الناقد الحاقد، وأنه ينتظر ظهور نقده في الرسالة ليعلن في الكتاب جملة رأيه، نشرناه اليوم متبوعاً بتعليق للأستاذ الغمراوي حتى لا تحول بين علم الأستاذ وبين جهل المترجمين الذين أقروا الكتاب! وحتى تهيئ الفرصة لمن أحسنوا الظن بالأستاذ أن يوازنوا بين نقده وبين نقد (ناقد)
قال الأستاذ سماحة بعد المقدمة:
يبدو لي ان شخصية المؤلف كان لها تأثير شديد على المترجم فالتزم الترجمة الحرفية التزاما في مواضع كثيرة شوهت من جمالها في الأصل الإنجليزي وأخرجتها في بعض الأحيان عن معناها الحقيقي حتى أصبح من الصعب فهمها دون الرجوع إلى الأصل الإنجليزي.
مثال ذلك: ما جاء من الصفحة الثامنة (وعلى ذلك فلا أقل من 000 , 300 , 1 أرض يمكن أن يزج بها في الشمس، وفي الأصل الإنجليزي 1 , 300 , 000
وما جاء في صفحة 74 (رأى السير اسحق نيوتن ان هذا الانحناء المستمر نحو الأرض في مسار القمر إنما يعين أن الأرض تجذب القمر جذبا مستمرا)
. .
وفي الأصل الإنجليزي ص 69 وفي صفحة 77: (منذ عهد نيوتن برهنت الحقائق الفلكية فوق كل شك غير جزاف صدق ما نقرره) وفي الأصل الإنجليزي:
,
وفي آخر صفحة 94: (وليس هناك نواة تستطيع أن تقبض على كهاربها بقوة في طوقها أن تصمد لمثل هذه الحرارة) وفي رأيي أنها لو وضعت في الصيغة الآتية لكانت أدل على المعنى المقصود: (وليس هناك نواة تستطيع أن تستبقي كهاربها في أطواقها عند مثل هذه الدرجة العالية من الحرارة) وما جاء في صفحة 107: (ولما تكلمنا عن وجه السماء في الفصل الأول لم تكن النجوم في اعتبارنا إلا وراءاً بعيداً عن نقط ضوئية) فهنا أيضا يكاد يكون المعنى غير مفهوم.
وفي صفحة 42 في آخر الفقرة الأولى جملة مكررة ليست موجودة في الأصل الإنجليزي (فالجو في النجم يتدخل بالتدريج في مادة النجم نفسها لأن النجم وجوه مصنوعان من مادة واحدة، فالانتقال يتم تدريجيا من مادة الجو إلى المادة الأساسية للنجم نفسه لأن تكوينها واحد)
وفي صفحة 55 وضع المترجم شرحا عن عطارد ذكر فيه أن رؤيته بمصر صعبة نسبياً، والحقيقة أن رؤية عطارد ممكنة في مصر.
أما ترجمة بقدر بمرتبة، فلا زلت على رأيي الذي كاشفته به قبيل إصدار الكتاب وهو أن النحت هنا غير جائز بالمرة إذ أن كلمة قدر هي اصطلاح فني يدل على درجة لمعان النجم ويقابلها في الإنجليزية وكلاهما أقدم على الزمن من جينز ومؤلفات جينز وليس لمؤلف أو لمترجم أن يثور على الاصطلاح بغير ما سبب قوي وبمثل هذه السهولة، أما ما أشار اليه المترجم في مقدمة صفحة ح من أنه راجع كتاب محمود باشا الفلكي لمعرفة أسماء النجوم والكوكبات العربية، فالذي أعرفه أن محمود باشا ليس له مؤلفات باللغة العربية أو على الأقل في هذه الناحية من البحث، وأن الكتاب الذي يشير إليه الدكتور الكرداني هو كتاب (الدرر التوفيقية في علم الفلك والجيوديزية) والمؤلف هو إسماعيل بك مصطفى الفلكي وليس محمود باشا، أما ما يصح أن نسميه تمصير الكتاب فقد نجح بذلك المترجم إلى حد كبير، وهو مجهود يستحق الثناء، فأكرر تهنئتي له واشكره على ما نسبه لي في مقدمة الكتاب.
تعليق الأستاذ أحمد محمد الغمراوي
أظن أهم ما في نقد الأستاذ سماحة قوله أن الترجمة في مواضع كثيرة حرفية شوهت من جمال الأصل وأخرجته في بعض الأحيان عن معناه الحقيقي حتى أصبح من الصعب فهمها دون الرجوع إلى الأصل. وهذا النقد لو صح لكان عيباً كبيراً في الترجمة لا يمكن الاعتذار عنه بحال. لكن الأمثلة التي ساقها الأستاذ سماحة توضيحا لرأيه هذا تكفي في ذاتها لنقضه. فقد ذكر أمثلة ثلاثة قرن في كل منها الترجمة بمقابلها من الأصل وأشار في كل إلى الموضع الذي لم يرضه من الترجمة والى ما يقابله. والذي لم يرضه في كل مثال هو في الغالب كلمة في جملة، وهذا يقرب مسافة الخلف بيننا وبينه إذ لو كانت الترجمة حرفية بالمعنى الذي يزعم لكانت الجملة كلها محل اعتراض لا كلمة واحدة منها أو كلمتان فإذا رجعنا إلى الكلمة أو التعبير الذي أعترض عليه لم نجد لهذا الاعتراض محلا. فالجمل العربية في جميع الأحوال إلا لشخص لا يعرف معنى مثل (يزج بها) و (شك غير جزاف). ولم يدر بخلد المترجم ولا المراجع أن في أي هذين التعبيرين ما يستغلق على أحد اللهم إلا على تلميذ يكون من صالحه عندئذ أن يكشف أو يسأل عما استغلق عليه. ثم الجمل العربية في جميع الأحوال ليست ترجمة للأصل حرفا بحرف بل فيها من التصرف قدر بسيط ينجيها من الحرفية المكروهة من غير أن يحرمها من الدقة.
على أن يحسن بنا أن ننبه هنا إلى أن الحرفية في الترجمة ليست دائما مكروهة وإنما تكره عندما يختلف الذوق في اللغتين. فإذا اتفق الذوقان كما يحدث في مواطن غير قليلة لم تكن الحرفية شيئا مكروها بل كانت مستحبة أو واجبة لأنها عندئذ تكون أسهل وأدق وأرضى للضمير الذي يطالب بالأمانة المطلقة في الترجمة كما يطالب بالأمانة المطلقة في النقل. فليس بعيب على مترجم أن يلتزم الأصل حتى في التراكيب ما دام مثل هذا الالتزام لا يؤدي في الترجمة إلى ما يأباه ذوق اللغة المنقول إليها أو يخالف معنى الأصل المنقول عنه. وليس في الأمثلة التي جاء بها الأستاذ سماحة ما يمكن ان يدل على أن الترجمة التي نحن بصددها فيها ما يخالف الذوق العربي أو يفيد معنى لا يفيده الأصل الإنجليزي. حتى الجملة التي قال أنها مكررة في صفحة 42 تكررا ليس في الأصل الإنجليزي معناها نفس معنى الجملة التي قبلها وإن اختلفت عنها كثيرا في اللفظ، فلو كان هذا التكرار مقصودا من المترجم لكان فيه ما يشهد بأنه يذهب إلى ما وراء الحرف بكثير إذا رأى ان توضيح المعنى يستدعي ذلك. لكن أكبر الظن أن الجملتين ترجمتان لجملة إنجليزية واحدة كان يراد اختيار واحدة منهما فحال دون ذلك سهو أو شبهة ثم لم يفطن إلى تكرار المعنى عند المراجعة لاختلاف التركيب من ناحية ولأن مثل هذا التكرار قد يلجأ اليه المؤلف لتوضيح أو لتوكيد.
وكون الأستاذ سماحة قد فطن إلى أن التكرار هنا غير موجود بالأصل يقظة منه محمودة من غير شك كنا نود لو أنها ساعفته حين أراد التعرض للجملة التي أخذها عن آخر صفحة 94 فقد التبست عليه كلمة (طوق) بمعنى الوسع والطاقة بكلمة (طوق) بمعنى كل ما استدار بشيء، فاقترح الجملة التي يراها القارئ في مكانها من نقده. ولو كان هذا هو المعنى المقصود لكانت الجمل هي المثل الوحيد الذي جاء به الأستاذ على سوء الترجمة، لأن الجملة تصبح مضطربة غير مفهومة لو كانت كلمة (طوق) فيها معناها مدار كما فهم الأستاذ سماحة وكما تدل عليه جملته التي اقترح. ولو أن الأستاذ تجشم مراجعة الأصل في هذا أيضا لتدارك قلمه قبل ان يفرط منه ما فرط أو لعل الأستاذ سماحة راجع الأصل واستباح مع ذلك أن يتصرف في ترجمته. هذا التصرف الغريب لأنه من الآخذين بمذهب التصرف الواسع في الترجمة. وهو مذهب له أنصاره لسهولته.
ولأنه يحل شخصية المترجم محل شخصية المؤلف، ولعل هذا هو السر في أن الأستاذ سماحة عاب على المترجم أن سمح لشخصية مؤلف كتاب (النجوم في مسالكها) بالتغلب على شخصيته. ولو كانت المسألة مسألة مغالبة بين شخصيتين لكان هذا عيبا لكننا نفهم واجب المترجم على عكس ما يفهم الأستاذ، نفهمه على انه جهاد في سبيل إظهار شخصية المؤلف كما تتجلى في كتابه، وإخفاء شخصية المترجم تماما إن أمكن. واكبر صعوبة في الترجمة كما نراها هي في ذلك الإظهار وهذا الاخفاء، اذ ليس من السهل أن يتخلى مترجم عن شخصيته ويجتهد في تقمص شخصية مؤلف مكانها ليخرج للناس ترجمة تكون في اللغة المنقول إليها مثل الأصل في اللغة المنقول عنها. هذا مثل أعلى في الترجمة يقترب الإنسان منه كما يشاء من غير أن يبلغه. ويظهر أن الدكتور الكرداني قد نجح في الاقتراب منه إلى حد أن التبس الأمر على الأستاذ سماحة فظن المسألة مسألة شخصية غلبت شخصية، وما هي إلا مسألة مبدأ في الترجمة قائم على الأمانة والتضحية قد أفلح الأستاذ المترجم في اتباعه وتوخيه.
بقيت الملاحظتان الفلكيتان اللتان ذكرهما الأستاذ سماحة. فأما مسألة قدر ومرتبة فإنا نظن الحق معه فيها، وإن كان هذا ليس معناه أن يحرم مثل الأستاذ الكرداني من إبداء رأيه بصورة عملية في مسألة مصطلح من مصطلحات لم يستقر الناس فيها بعد على قرار. وإما مسألة رؤية عطارد فان القول الذي كان قاله الدكتور الكرداني من أنها صعبة نسبيا لا ينبغي أنها ممكنة كما يقول الأستاذ سماحة. ولعله يحسن هنا إنصافاً للاثنين أن نقول أن الدكتور الكرداني أراد أن يستوثق من الأمر فسأل الأستاذ سماحة فكان رأيه أن رؤية عطارد غير ممكنة في مصر، فراجعه في ذلك حتى اتفقا على خير تعبير هو (صعبة نسبياً) وقد غيره الدكتور الكرداني بعد إلى (سهلة نسبياً). فإذا كان الأستاذ سماحة يخبرنا الآن أن رؤية عطارد ممكنة يريد سهلة فمرحبا بخبره، لكن كان الأولى أن يقول سهلة أن كان هذا مراده فان لم يكن هذا مراده فقد أقر الرأي الأول ولم يكن في ملاحظته فائدة للناس.
وأما مسألة الفلكي باشا فهو إسماعيل مصطفى باشا لا محمود باشا، فملاحظة الأستاذ سماحة هي في صميمها حق، إلا في ما تفيده من أن المترجم قال انه راجع محمود باشا الفلكي فان ما قاله المترجم في مقدمته لا يفيد إلا انه خالف من غير أن يستلزم انه راجع. وعلى أي حال فان معلومات المترجم التي نسبها للفلكي باشا في صلب الكتاب هي كما أذن لنا المترجم أن نقول مأخوذة كلها عن الأستاذ سماحة وان سماه الأستاذ سماحة إسماعيل بك وسمته نسخة دار الكتب للدرر التوفيقية إسماعيل مصطفى باشا. وهذي كانت إحدى أيادي الأستاذ التي نوه بها الدكتور الكرداني في مقدمته وأراد أن ينوه بها بصورة عملية فطلب إليه أن ينقد الكتاب.
وبعد فقد كنا نود لو قصر الأستاذ سماحة نقده على الناحية الفلكية التي هو من رجالها فاشبع فيها القول، أما الناحية اللغوية فلها رجالها، وكثير منهم من أعضاء لجنة التأليف والترجمة والنثر التي تولت إخراج الكتاب.