مجلة الرسالة/العدد 146/هجرة الرسل
→ تحية العام الجديد: | مجلة الرسالة - العدد 146 هجرة الرسل [[مؤلف:|]] |
الأزهر والحياة الفكرية في العصر الفاطمي ← |
بتاريخ: 20 - 04 - 1936 |
للأستاذ عبد الوهاب النجار
لقد قتل الناس مسألة الهجرة النبوية بحثاً وغاصوا في أعماقها، ولم يتركوا زاوية من زواياها إلا أخرجوا خباياها؛ فأنا لا أريد أن أكتب على غرار ما كتب من قبل فأعيد ما بدائه غيري وأنا مولع بمعادة المعادات
والذي أريد أن أكتب هو هجرة الأنبياء الذين غبروا قبل رسول الله محمد ﷺ وأنه ليس بدعا من الرسل عليهم الصلاة والسلام
أول الرسل الكرام هجرة هو نوح عليه السلام فكانت هجرته حياة له وهلاكا لأعدائه
دعا نوح قومه إلى عبادة الله تعالى وترك عبادة غيره من الأصنام والأوثان وصار يغاديهم بالنصح ويراوحهم بالعظات ألف سنة إلا خمسين، وهم لا يزدادون منه إلا بعداً ونفوراً إلى أن ضاق صدره بما يلاقي منهم، ولم يجد باباً لهدايتهم إلا طرقه، ولا منفذاً لنصحهم إلا قصده، ولم يجد قومه باباً للنكاية به إلا ولجوه، ولا منفذاً لأغاظته إلا سلكوه. فتراهم يقولون له: (ما نرك إلا بشراً مثلنا؛ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي؛ وما نرى لكم علينا من فضل؛ بل نظنكم كاذبين) فهم يرون أن الرسالة لا تكون للبشر بل للملائكة، والهداية لا يمكن أن ينالها الفقراء وذوو الأعواز، ولكنها وقف على ذوي الوجاهة والقوة، وأن الذي يريد الله أن يصطفيه إنما يكون من أهل الثراء والغنى، ولقد رد عليهم نوح بقوله: إنه لا يسألهم على الهداية التي يزفها إليهم أجراً. فهو لا يجر بذلك لنفسه نفعاً ولا يحوز مالاً، وإنما يريد أجره من الله، ولم يقل لهم إن عنده خزائن الله وليس عنده شيء من علم الغيب، ولم يقل لهم إنه ملك، ولا يقول للذين تزدري أعينهم من أتباعه لن يؤتيهم الله خيراً وهو الهدى والاستقامة على الجادة، وأن علم ما في أنفسهم عند الله لا عنده إلى أن ضاق بالقوم وضاقوا به. فقالوا له ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، ودعا نوح عليهم فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) فأنبأه الله أن العذاب سيحل بهم، وأمره ألا يخاطبه فيهم وأنهم مغرقون. وأوحى إليه أن يصنع الفلك لينجو بها من العذاب النازل بهم وليهاجروا بها عنهم
صنع نوح الفلك وكان قومه يسخرون منه وهو يسخر منهم لغفلتهم عن أنفسهم وتفريطهم في حياتهم وعيرهم بعدم اتباعه إلى أن جاء أمر الله وفار التنور، وتفجرت ينابيع الأرض، وحلت عزاليها السماء، وجاء الطوفان وأبادهم بعد أن نزل نوح والذين آمنوا معه في السفينة، وسلك فيها زوجين اثنين من كل ذي حياة، وانتهت هجرته من الأرض بعد سنة وعشرة أيام بعد أن استقرت السفينة على الجودي. فكانت هجرته ميمونة عليه وعلى من معه في السفينة وهلاكا لأعدائه
لوط عليه السلام
آمن بعمه إبراهيم واستجاب إلى عبادة الله تعالى وهاجر مع عمه إبراهيم كما قال تعالى: (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي) وقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال عن عثمان حين هاجر إلى الحبشة ومعه زوجه رقية بنت رسول الله ﷺ: إن أول مهاجر إلى الله بأهله بعد لوط عثمان بن عفان
يعقوب عليه السلام
كان بيته وبين أخيه عيسو شيء من الخلاف، فهاجر إلى بلاد ما بين النهرين عند خاله لابان، ومكث عند خاله يرعى عليه غنمه، وتزوج من ابنتيه ليئة وراحيل، ومن جاريتيهما زلفى ويلها، ورزق منهن أولاده جميعا، وكانت هجرته خيراً وبركة عليه، فقد صار رب أسرة عظيمة كثيرة العدد، وأموال وماشية كثيرة وعاد إلى فلسطين بعد ذلك، وولد له في هجرته جميع أولاده إلا بنامين
يوسف عليه السلام
هاجر مرغما حين ألقاه أخوته في غيابة الجب، ثم التقطه بعض السيارة وأسروه بضاعة وباعوه في مصر بثمن بخس، واشتراه عزيز مصر أو رئيس الشرطة بعاصمة الديار المصرية، وهي مدينة صان في الشرقية، ثم امتحن بامرأة العزيز التي راودته عن نفسه فاستعصم، ثم بهتته في وجهه واتهمته بأنه راودها عن نفسه (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قدّ من دبر قال) العزيز لها: (أنه من كيدكن؛ إن كيدكن عظيم)، والتفت إلى يوسف وقال له: (يوسف اعرض عن هذا)، والتفت إلى زوجه وقال: (استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين - إلى أن بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)، وفي السجن ظهرت آيات فضله، وفسر لساقي الملك وخبازه مناميهما، وأوصى الذي ظن أنه ناج منهما أن يذكره عند ربه الملك فأنساه الشيطان ذكر ربه، فلبث في السجن بضع سنين إلى أن رأى الملك سبع بقرات سمان حسان يأكلهن سبع بقرات عجاف مهزولة، وسبع سنبلات خضر غلبتهن سبع سنابل يابسات، وحار العلماء والسحرة والعرافون في تفسير ذلك المنام فذكر الذي نجا من الفتيين شأن يوسف وتفسيره للمنام؛ فاستأذن الملك وأتى إلى يوسف واستفتاه فيما رآه الملك. ففسر له الرؤيا على وجهها، وجاء الساقي وقص القصص على الملك، وكان ما كان، إلى أن اصطفاه الملك لنفسه، وجعله على خزائن الأرض، ودبر أمر مصر إلى أن جاء سبع سنوات مخصبة خزن فيها ما زاد على الحاجة؛ ثم جاء السنين المجدبة ففتح مخازن الادخار، وأطعم الناس، وجاء أخوته فداعبهم ودبر عليهم تدبيراً حتى جاءوه بأخيه بنيامين، ثم عرفهم بنفسه وقال: (ائتوني بأهلكم أجمعين) فكانت هجرته القسرية وتغربه خيراً عليه وعلى أهله وعلى الناس أجمعين؛ ولولا تدبير الله وتدبيره لأمر الأغذية لهلك الناس
موسى عليه السلام - وهجرته
لا نريد أن نتكلم عن أولية موسى عليه السلام. وإنما نقول إنه نشأ في بيت فرعون عزيز الجانب؛ ولما بلغ مبلغ الرجال لم يخف عليه أنه دخيل في ذلك البيت وأنه من العنصر العبراني؛ وعرف العبرانيون ذلك فاستعزوا به وانتفعوا بجاهه
وسار في المدينة يوماً على حين غفلة من أهلها فوجد رجلين يقتتلان أحدهما عبراني من شيعة موسى والثاني قبطي من عدوه، فاستغاثة العبراني على القبطي، فأغاثه موسى وعمد إلى القبطي فوكزه فقضى عليه، وهو لم يرد قتله، وإنما أراد كف عاديته عن العبراني، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها
لم يشاهد أحد هذه الحادثة سوى العبراني. وعاد موسى بالأئمة على نفسه وقطع على نفسه عهداً ألا يكون ظهيراً للمجرمين
ظهر أمر القبطي ولم يعلم قاتله. فلما كان اليوم الثاني خرج موسى في مثل ذلك الوقت فوجد ذلك العبراني بنفسه في معركة مع قبطي آخر يريد أن يسخره وهو يأبى، فاستغاثه كما استغاثه بالأمس فقال له موسى أنك لغوي مبين. وأراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ويكف عاديته عنه. فظن العبراني أنه إياه أراد. فقال له: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين، وصالح القبطي واتخذ موسى خصما
حينئذ ظهر قاتل القبطي وهو موسى وانتهى الخبر إلى فرعون فاجتمع ملأ فرعون وقومه على قتل موسى. فجاء إليه رجل من آل فرعون من أقصى المدينة يسعى وقال له إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، ونصح له بالخروج لينجو بنفسه فخرج من المدينة خائفاً يترقب قائلاً رب نجني من القوم الظالمين
ولى وجهه شطر مَدْين على خليج العقبة. ولعلها كانت أقرب بلاد يجد فيها مأمنه لخروجها عن قبضة الحكومة المصرية - ولما كان خروجه على عجل لم يترو في الأمر ولم يأخذ معه زاداً ولا ما يساعده على قطع المسافة من مطية ولا رفقة له في هذا السفر الشاق ولا دليل لأنه إنما يريد أن ينجو بخيط رقبته. فلما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. فحقق الله تعالى أمنيته وبلغ ماء مدين بعد الجهد الشديد والجوع المضي فوجد على الماء أمة من الناس يسقون ووجد امرأتين تذودان غنمهما عن الحوض، فلم يعجبه أن يتقدم أولو القوة ويتأخر المرأتان فسألهما عن شأنهما. فقالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء لأننا ليس بنا قوة على التقدم والمزاحمة، وأبونا شيخ كبير لا يقدر على رعي ماشيته ولا سقياها. فنحى الرعاء بما بقى له من فضل قوة وسقى لهما ثم تولى إلى الظل يشكو إلى الله حاجته إلى القوت وما به من مخمصة قائلاً: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
أراد الله أن يكافئ موسى جزاء توكله عليه وفعله الخير ابتغاء وجه ربه فلم يلبث أن جاءته إحدى المرأتين تمشي على استحياء حتى وقفت عليه وقالت له في خفر: (إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا)
لبى موسى الدعوة؛ وجاء إلى أبيها الشيخ وقص عليه قصصه. فقال له الشيخ لا تخف نجوت من القوم الظالمين
أرادت إحدى بنات الشيخ أن يقوم موسى عنهما برعي الماشية لأنه أقدر على ذلك لما رأته من قوته في النزع بالدلو وأمانته إذ أخرها وقال لها اسعي ورائي وانعتي لي الطريق؛ فقالت لأبيها (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)
نشط الشيخ لما أشارت به ابنته، وطلب إلى موسى أن يستأجره ثماني حجج على أن يزوجه من إحدى ابنتيه؛ فإذا رضى أن يتم الثماني عشرا كان ذلك على أن يكون بالخيار في قضاء أحد الأجلين
تقول التوراة إنه بقى عنده إلى أن كانت سنه ثمانين سنة؛ والقرآن الكريم ليس فيه تحديد قاطع في المدة التي أقامها
والمهم في الأمر أنه لما قضى الأجل وصار حرا صادفه أن أبعد في الرعي وضل الطريق في ليلة مظلمة باردة؛ وحاول أن يقدح نارا فصلد زنده ولم يور نارا؛ وبعد لأي (آنس من جانب الطور نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو أجد على النار هدى). فلما جاء إلى النار نودي (يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى؛ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى أنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) وبعد حوار أرسله الله نذيرا إلى فرعون وملئه لإخراج بني إسرائيل؛ فكان ما كان مما قصه القرآن من شأنه مع فرعون وشأنه مع بني إسرائيل؛ فكانت هجرته خيرا وبركة عليه وعلى بني إسرائيل؛ كما أجاب فرعون بقوله (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين)
هجرة داود عليه السلام
هو داود بني يسي من سبط يهوذا. كان له اخوة يحاربون الفلسطينيين مع طالوت الذي هو شاول أول ملك من ملوك بني إسرائيل. وكان في الفلسطينيين جندي جبار اسمه جالوت قد هابته الأبطال وتحامت الشجعان لقاءه خوف الهلاك
وكان لداود اخوة في الحرب؛ فأرسله أبوه بطعام لاخوته ولينظر حالهم ويعود إلى أبيه بما يطمئنه عليهم. فبينا هو سائر إلى اخوته نظر في البرية إلى أحجار ملس راقته فوضعها في كنفه (الكنف كيس الراعي) ولما ذهب إلى اخوته والحرب على قدم وساق نظر إلى الفلسطيني وهو يعير بني إسرائيل إحجامهم عنه، فاستشاط الفتى داود غضبا وسأل ما الذي يناله من قتل هذا الأغلف الفلسطيني. فأجيب بأن الملك يغنيه ويغدق عليه ويزوجه ابنته ويجعل بيته أكبر بيت في إسرائيل. فذهب إلى الملك واستأذنه في لقاء جالوت فضن به الملك أن يقتل في غير فائدة وهو صغير السن لا يقوى عليه. فقال له داود: إن عبدك (يعني نفسه) قتل أسدا تعرض لغنم أبي وقتل دبا أيضا. فأذن له وأعطاه لأمة حربه فلم يحسن داود المشي فيها فخلعها وذهب إلى جالوت بمقلاعه وأحجاره. وقد هزأ منه جالوت ونصحه أن يعود من حيث أتى فلم يفعل، ووقف قبالته ووضع حجرا من تلك الأحجار في المقلاع رماه به فارتز الحجر في جبهة جالوت وخر لليدين وللفم، فأخذ داود سيف جالوت وفصل رأسه به وجاء به إلى الملك وانهزم الفلسطينيون شر هزيمة
ولكن طالوت ضن على داود بابنته التي وعد أن يزوجها من قاتل جالوت وزوجه من ابنة له أخرى وقدمه على رؤساء جنده
تغير بعد ذلك طالوت لداود وعمل على إهلاكه بيد الأعداء خوفا من أن يوليه بنو إسرائيل الملك، فكان يكلفه بالقدوم إلى الحرب وكان داود يظفر دائما. فعمد إلى إهلاكه بنفسه، ونجا داود منه مرات وهو يتبعه في كل مكان، وتمكن داود من قتل الملك مرات ولكنه لم يفعل ويخبره بتمكنه من قتله وأنه أبقى عليه، فيندم الملك ثم يعادوه خوفه على الملك فيطارده إلى أن خرج داود من ملك إسرائيل وأقام مع الفلسطينيين برضاء ملكهم إلى أن قتل طالوت وابنه. فجاء إلى قرية أربع وهي مدينة الخليل وبويع فيها بالملك. وكان لطالوت ولد بويع بالملك أيضاً إلى أن قتل ابن طالوت الملك وانفرد داود بالملك واشترى قلعة صهيون التي عند باب الخليل وسماها مدينة داود، ثم اشترى جبل الموريا الذي عليه الحرم القدسي ومدينة أورشليم القديمة المعلومة اليوم بأسوارها وحدودها
وفي أواخر أيام داود نزا على الملك ولده ابشالوم وبايعه العدد العظيم من بني إسرائيل. ورحل داود إلى شرق الأردن وجلس ابشالوم على كرسي الملك وحارب أباه فقتل أبشالوم وعاد داود إلى مقر ملكه. فهاتان هجرتان لداود وكانت العاقبة له على خصومه فيهما
هجرة المسيح عليه السلام
أما المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فله هجرة ليست كهجرة سائر الأنبياء الذين هاجروا من بلادهم
ذلك أنه لما ولد كان هناك مملك من قبل الرومان أخبر أن ملك اليهود ولد في بيت لحم، فجد في قتل الأولاد الذين ولدوا في بيت لحم في تلك الأيام. فأمرت مريم بأن تهاجر بابنها ومعها خطيبها يوسف النجار فذهبت إلى مصر وأقامت فيها مدة قيل إنها كانت سبع سنين أو أقل، إلى أن أمرت بالرجوع إلى فلسطين، لأن الذي كان يطلب نفس ولدها قد هلك، فعادت
وهذه الهجرة نص عليها في إنجيل متي وإنجيل برنابا ولا وجود لها في سائر الأناجيل الثلاثة الأخرى المعروفة؛ فهجرة المسيح كانت تابعة لهجرة أمه خوفاً عليه ولم تكن بإرادته
محمد عليه السلام
من ذلك كله نرى أن محمداً لم يكن بدعا من الرسل الذين هاجروا من قبل، فقد جاهد جهاد الأبطال في إذاعة دعوته بين الناس، وقد أوذي في الله تعالى هو وأتباعه. حتى إذا لم يبق في قوس تصبرهم منزع سهل الله تعالى إسلام أهل المدينة فأقبلوا على الدين بمحض اختيارهم، حتى إذا كثروا جاءوا إليه وبايعوه على النصرة، فأذن لأصحابه في الهجرة وبقى هو وأبو بكر وعلي والمستضعفون. فلما مكر به كفار مكة ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه وصحت منهم العزيمة على ما بيتوا، أمره الله تعالى بالهجرة (وكان أبو بكر يعد لها العدة) فامتثل الرسول أمر ربه وآذن أبا بكر بذلك ففرح وحاول أن يدعوا صهيب بن سنان للسير معهما فلم يقدر له ذلك، وخرجا إلى غار ثور فأقاما به ثلاثا. وقد جهد كفار قريش في العثور عليهما فصرفهم الله عن ذلك، وقد كانا منهم قاب قوسين أو أدنى؛ ثم ذهبا إلى المدينة بعد أن هدأ الطلب يدل بهما عبد الله بن اريقط وهو على شركه إلى أن وردا قباء ثم المدينة هاربين بدينهما. فبدل الله خوف رسول الله والمؤمنين أمنا، ومكن لهم في الأرض، وأرى كفار قريش منهم ما كانوا يحذرون، وأتم الله نعمته على أهل الإسلام، مكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم إلى أن مضى رسول الله لسبيله، وقام خلفائه من بعده يحملون عبء تبليغ الرسالة والتمكين للدين؛ وانتشر الإسلام شرقا وغربا؛ وكانت الهجرة على رسول الله وأمته خيرا وبركة كما كانت هجرة الأنبياء خيرا وبركة عليهم من قبل؛ ولله عاقبة الأمور؛ لا مبدل لكلماته، ولا معقب لحكمه؛ وهو العزيز الحكيم
عبد الوهاب النجار