الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 146/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 146/الكتب

بتاريخ: 20 - 04 - 1936


نفسية الرسول العربي محمد بن عبد الله

السوبرمان الأول العالمي

تأليف السيد لبيب الرياشي

بقلم الأستاذ عبد الفتاح السرنجاوي

هذا هو العنوان الذي جعله الأستاذ (لبيب الرياشي) لسلسلة من الرسائل في فلسفة الإسلام، أخرج منها الرسالة الأولى التي نقدمها الآن لقراء (الرسالة)، والأستاذ الرياشي كاتب مسيحي له مكانته بين أدباء سورية الشقيقة، ثم هو فوق ذلك فخور بعربيته متحرر من قيود التعصب؛ ولعل هذه الميزات هي التي تجعل من الرياشي وصحبه مدرسة جديدة هي (مدرسة المتجردين المتطهرين) التي تعلي للحق منبرا تدأب على حمايته ورعايته. وإنك لتلمس سمو هذه المدرسة ونبلها في مقالة الرياشي في كشافة الكتاب الأول، إذ يقول:

(لنتجرد. . . . ولنتطهر. . . . لنتجرد ولنتطهر أيها الإنسي من جذام التعصب وأثرة الجنسية)

والرجل بهذا ينسى كل شيء سوى أنه من طلاب اليقين، وليس من شك في أن هذه الدراسة البريئة للسيرة النبوية الشريفة هي التي حفزت الرياشي على تحليل نفسية الرسول الكريم، وجعلته يعترف فوق ذلك بفضائل هذه الدراسة إذ يقول:

(ما ندمت على شيء في حياتي ندماً عصبياً ساحقاً مثل ندمي على جهلي نفسية الرسول العربي والإمام الأعظم العالمي محمد ابن عبد الله). ذلك ما يقوله رجل يمثل الأقلية الدينية المندمجة في ذلك الشرق العربي، الذي ترفرف فوق ربوعه راية التسامح في الدين وتسوده روح الإخاء في القومية العربية العزيزة، والرياشي يصف محمداً بأنه (السوبرمان الأول العالمي) مستعيرا كلمة (السوبرمان) من الفيلسوف (نيتشه) وهذا الأخير أطلقها على الإنسان الأكمل الذي يجمع إلى مشاركة البشر في خصائص الجسم سمو العقل والروح إلى حد يجعله حلقة الاتصال بين الله والناس، ويعمد الكاتب الفاضل إلى الموازنة بين عظمة محمد وغيره من قادة الإنسانية، فهو يقرر في مستهل بحثه أن العظماء سرعان ما يفقدون هيبتهم إذا هم خالطوا الناس طويلاً، أما محمد فلم تكن مخالطته للناس وتبسطه في معاملتهم إلا عاملاً على رفع مكانته وإعلاء شأنه بينهم. وينتقل المؤلف إلى ما كان من توسط أبي طالب بين قريش ومحمد في أن يسودوه عليهم ويزوجوه أحسن بناتهم على أن يترك تسفيه دياناتهم والدعوة إلى الله، ويحلل جرأة محمد في رده التاريخي الخالد، ويقارن بينها وبين جرأة ميرابو خطيب الثورة الفرنسية ولوثر زعيم الإصلاح الديني وأبي بكر وعمر، والرياشي في ذلك التحليل موفق أحسن التوفيق، فهو يوضح أن جرأة بعض الزعماء والمصلحين تستند إلى قوة الجماهير وصولة الجماعات، بينما ترتكز جرأة البعض الآخر على جلال الإمارة وهيبة السلطان، أما محمد ابن عبد الله فلم يتح له من ذلك شيء، فجرأته لا تقاس بها جرأة، وإقدامه لا يعدله في التاريخ إقدام

وبرغم ذلك التوفيق الجلي لاحظت أن الأستاذ وهو يعالج بعض النواحي يجتهد في ضرب من التحليل أرى أنه ليس من التاريخ ولا من فلسفة التاريخ في شيء، فهو يتساءل عن السر في خرس الجماهير مرات وسنوات إزاء الرسالة المحمدية، وعن السر في عدم إراقتهم دماء في هذا السبيل، ويقرر أن ذلك وقع برغم صياح أبي لهب وضجيجه، وأن ذلك كان لمعجزة، وأن هذه المعجزة هي أن شخصية النبي أحلت في نفوس القوم إيماناً جعلهم (يحترمون ويهابون ويؤمنون). ليس ذلك يا سيدي هو الواقع، وإنما الواقع الذي لا يقبل الجدل هو أن العرب حين جهر النبي بدعوته آذوه واستغربوا في إيذائه حتى أخرجوه من عشه مهاجراً إلى المدينة، وأنهم كانوا في ذلك معاندين مكابرين لا يحترمون ولا يهابون ولا يؤمنون، وأن شخصية النبي لم تغن من ذلك الإيذاء شيئاً. وليسمح لي الأستاذ الجليل أن أؤكده له أننا لو ذهبنا مذهبه من أن الرسول جهر بدعوته فاستجابت له الجماهير لأن تأثيره على محدثيه ومعاشريه تأثير المنوم المغنطيسي في المنوَّم كما يقول: لو صح يا سيدي أن ننسب ذلك لمحمد لهيأنا للمعترضين فرصة للطعن في دعوته فيقولون إن هذه القوة لا شك تبهر العرب بالباطل كما تبهرهم بالحق، والواقع يا سيدي أن العرب سخرت من محمد ومن دعوة محمد وليس يخفى خبر المستهزئين بالرسالة من قريش أمثال أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي وأبي لهب بن عبد المطلب وعقبة بن أبي معيط والوليد بن المغيرة عم أبي جهل والعاصي بن وائل القرشي والد عمرو بن العاص والنضر بن الحارث العبدري وغيرهم ممن روى البخاري أخبارهم وحفلت بها بكون التواريخ

وفي موضع آخر من الرسالة يتناول المؤلف الكلام عن عدل الرسول الكريم فيسوق بعض الحوادث التاريخية التي تشهد بحبه للحق وانتصافه للناس حتى من نفسه. ثم يجاوز هذا إلى تحليل صفة العفو والغفران في نفس محمد، وهنا يمحو تلك المعجزة التي كان قد أثبتها للنبي، ويقر بما ناله من الأذى على يد قريش إذ يقول:

(أباحوا دمه ودمهم، وعلقوا في ذلك الحصار وتلك الإباحة صحيفة في جوف الكعبة طمأنة للمقتدرين على الأذية، وزادوا بأن أجازوا المعتدي بثروة) (ص 91)

ويجد الأستاذ في تحليل ما كان من شأن الرسول الكريم مع قريش بعد فتح مكة من تسامح وغفران عظيمين، ويوازن بقوة بين هذا التسامح وذلك الغفران وبين ما أتاه برتوس قائد الغال بعد دخول روما وما صنعه بونابرت بعد دخول بولونيا، فيبدع في تحليل نفسية الرسول ويثبت سموه على غيره من قادة البشر وعظماء الإنسانية، ولعل أجمل ما ساقه في ذلك الموضع تصويره الرسول غالباً ظافراً يقف من المغلوبين فيضرب للتاريخ أعظم أمثلة التسامح والديموقراطية إذ يردد قول الله سبحانه وتعالى:

(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)

ثم يجاوز ذلك إلى مخاطبة الخائفين من المغلوبين بقوله:

(اذهبوا فأنتم الطلقاء)

هذه لمحة سريعة لذلك الكتيب الذي يقول مؤلفه الفاضل إنه الأول من الثلاثين التي يعتزم إخراجها في فلسفة الإسلام، ونحن نهنئ الكاتب بجهده الجميل الذي يعد نوعاً جديداً في أدب السيرة المحمدية الشريفة، ونرجو للمؤلف التوفيق في إخراج بقية الأجزاء

السرنجاوي

نظام الطلاق في الإسلام

تأليف الأستاذ الشيخ محمد شاكر للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

رأت وزارة الحقانية في هذه الأيام أن تسير في إصلاح أحكام الأصول الشخصية، فنشرت على رجال القضاء الشرعي وغيرهم كتابا في 13 نوفمبر سنة 1935م تدعو من شاء منهم أن يقترح ما يراه من أحكام المذاهب الأخرى سبباً للتخفيف عن الناس، ورفع الحرج عنهم

فكان الأستاذ الجليل، والعالم المجتهد، الشيخ أحمد محمد شاكر القاضي الشرعي، وأبو الأشبال أيضاً، حفظه الله لهم وحفظهم له، أول من بادر إلى إجابة هذه الدعوة، ولا غرو فالولد سر أبيه، ونشاطه من نشاطه، وإذا كان في الأزهر والمعاهد الدينية الآن شيء من النشاط، فهي مدينة فيه الوالد الأستاذ أبي الأشبال الأستاذ الكبير الشيخ محمد شاكر شيخ معهد الإسكندرية ووكيل الجامع الأزهر، والعضو الآن في هيئة كبار العلماء، فهو منشئ النظام الحاضر بالمعاهد، وهو باعث هذا النشاط الموجود الآن فيها

وإذا قلت عن الأستاذ أبي الأشبال (العالم المجتهد) فذلك هو ما يستحقه بطريقته في تأليف هذا الكتاب، إذ سار فيه على طريق السلف الصالح من الرجوع في استنباط الأحكام إلى كتاب الله تعالى وسنة رسول ﷺ، ولا يعول في ذلك على أقوال أئمة المذاهب كما يعول عليها غيره، ولا يتعداها إلى النظر الصائب الخالي عن التعصب في كتاب أو سنة

وهو مرة يأخذ بأحد أقوال الأئمة الأربعة إذا وجده متفقاً مع كتاب الله وسنة رسوله، ومرة يأخذ بقول الشيعة أو غيرهم إذا كان متفقاً عنده مع ذلك، كما ذهب إلى الأخذ بقول الشيعة في وجوب الإشهاد على الطلاق لقوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) فالظاهر من سياق الآية أن قوله (وأشهدوا) راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً، وهو قول ابن عباس، فقد روى عنه الطبري في التفسير: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين كما قال الله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) عند الطلاق وعند المراجعة، وهو قول عطاء أيضاً: فقد روى عبد الرزاق وعبد بن حُمَيد قال: النكاح بالشهود والطلاق بالشهود، والمراجعة بالشهود، نقله السيوطي في الدر المنثور وقد اختار الأستاذ أبو الأشبال بطلان الرجعة إذا قصد بها الرجل المضارة، لقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) وقوله (لا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا) وإذا كان للمرأة أن تطلب الطلاق للمضارة، فأولى أن يكون لها الحق في طلب الحكم بإبطال الرجعة للمضارة أيضاً

ولكنه كما ترى ترك ذلك لنظر المحاكم، ولا يخفى أن هذا يجر إلى منازعات لا طائل تحتها، والأولى من هذا أن تكون الرجعة برضا المرأة، لأنها إذا لم تكن برضاها فالمضارة حاصلة قطعاً، وإذا كانت تستأمر في النكاح، فلتستأمر في الرجعة أيضاً

ومما ذهب إليه الأستاذ أبو الأشبال أن الطلاق الثلاث الذي اختلف في أنه يقع ثلاثاً أو طلقة واحدة إنما هو أن يطلق الرجل امرأته مرة، ثم يطلقها مرة ثانية في عدتها، ثم يطلقها مرة ثالثة فيها، سواء أكان ذلك في مجلس واحد أم في مجالس متعددة، أما الطلاق بلفظ الثلاث فليس هو محل ذلك الخلاف، وإنما يقع واحدة قطعاً، لأن قول القائل (أنت طالق) يوجد به حين القول حقيقة معنوية واقعية هي الطلاق، ووصفه بعد ذلك هذا الفعل بالعدد (مرتين أو ثلاثاً) وصف باطل غير صحيح، لأن الذي تحقق بقوله (أنت طالق) مرة واحدة لا مرتين ولاثلاث، ولا يتحقق ذلك إلا بنطق ثان أو ثالث كسابقهما

وهذا مذهب له خطورته لولا أن العمل الآن على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة، فلندع ذلك الماضي إلى رحمة الله، ولنفكر في حاضرنا وحده

هذا وكتاب الأستاذ أبي الأشبال جدير بإقبال المسلمين عامة، وطلاب العلوم الدينية خاصة، لينتفعوا بما فيه من فقه صحيح، واجتهاد نافع، واطلاع واسع

عبد المتعال الصعيدي