مجلة الرسالة/العدد 144/أُمَيةُ تُبْعَث
→ لحن على الماء | مجلة الرسالة - العدد 144 أُمَيةُ تُبْعَث [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 06 - 04 - 1936 |
جزاكم ذو الجلال بني دمشق ... وعز الشرق أوله دمشق
(شوقي)
للأستاذ أمجد الطرابلسي
شِعْري أَرَدْتُ لَهُ عُلًى وَخُلودا ... فَنظَمْتُهُ لِبَنِي الشام عُقودا
وَجَعَلْتُهُ لَحْناً يَفيضُ بِحُبَّهِم ... وَيَرِنُّ في سمْعِ الزَّمانِ نَشيدا
آليتُ لا أَنْفَكُّ أَهْتِفُ باسمِهِمْ ... طَرَباً وَأُعْلِنُ فَضْلَهُمْ تَغْريدا
وَأَهزُّ مِنْهُمْ في السّلامِ بَلابلاً ... تَشْدو الحياةَ، وفي القَتامِ أُسودا
وَأَصوغُ منْ يَوْمِ الجِهادِ مَلاحِماً ... تُرْوى، وَأُنْطِقُها الرُّبى والبِيدا
حتى أرى وطني تَحَرَّرَ وانْبرَى ... يطوي الشُّعوب إلى السماءِ صعودا
أدِمِشقُ يا مهوى رؤايَ، وما أرى ... إلا بمغناكِ المقامَ رَغيدا
هلا أبيحُكِ خافقي ولحونَه ... وَأَخصُّكِ التبجيلَ والتمجيدا
من فيض سحرك قد قبستُ قصائدي ... فَوقفتهُا لك نُدْفةً وقصيدا
سأحوكها تحكي شذاكِ لطافة ... وأصوغها تحكي رُباك ورودا
وأَنا المحِبُّ، وما سواكِ حبيبةٌ ... أشدو بحُسنِكِ يا شامُ عميدا
يا غضبة أُمويةً من جِلِّق ... حطمتْ سلاسلَ صُلْبةً وَقيودا
ضجَّت لها كل الشعوب؛ أما ترى ... كيف استفاضت في الدُّنى ترْديدا
ألمت دِمشقُ من الخنوع فزمجرت ... أنَفاً وطبقتِ الفضاَء رعودا
وَقفت تناضل كالَّلباةِ جراَءة ... لا شِرَّة حفلَتْ ولا تهديدا
لم تسمع الدنيا بمِثْلِ ثباتِها ... درْساً يهيج المرْهق المصفودا
خمسون يوماً في الجهادِ مجيدة ... كانت فخاراً للشام مجيدا
حشدت جحافلَها لُبىً وضَياغماً ... صُبراً تَعافُ مذَلةً وسجودا
رَضىَ الإلهُ عن الشبابِ فإِنّهُ ... أضحى لنهضتِنا لواً وَعمودا
ضحى الأمانيَّ العِذابَ كَخُلقه ... ومضى يخلفُ للمكارم عيدا
رضىَ الإله عن اللباةِ فإِنها ... شادت بناءً للفخار عتيدا مهرَت حماها والعُلى أكبادها ... ومشت يهيج نضالُها الرِّعديدا
رَوْضُ تجهَّز لِلْجهاد فلم يدع ... دَوحاً وَلا زَهراً ولا أُملوداً
لو كنتَ تشاهِدَه غداة كفاحِه ... لرأيتَ جيشاً للنِّضالِ حَشيدا
أو كنت ثمة شاهداً أطفاله ... لرأيتَ جُنداً عُدة وعديدا
صبرَوا على مُرِّ الطَّوى وتحملوا ... فقراً على غير الأباة شديدا
حَفُّوا بِأَلوية الجهاد وأقسموا ... ألا يكونوا للقويِّ عبيدا
كلٌّ يسيرُ إلى الأمامِ مشمِّراً ... وقد استعد لأن يعود شهيدا
وَعِتادُه قِطعُ الصفا لكن في ... إيمانه ما يصدعُ الجلمودا
وفؤادُه بين الأضالع شعلة ... حرى تشعُّ عزيمة ووقودا
سقطوا أمام بيوتهم، وسط الحمى ... صرعى فما حفلوا لظى وحديدا
شهداءُ مثلُ الزهر في أكمامه ... كانوا على ظلم القويِّ شهودا
يا ابْنَ الحضارة، هلْ علمِت حضارة ... تروى دماً وَمدامعاً وَكبودا
ركزتْ على الدَّمِ والجماجِم عرشها ... ثم ارْتدت زُورَ الطّلاء برودا
لبست بياضاً ناصعاً لكنها ... أخفت قلوباً كالضغائن سودا
يا منقذ الحرِّية الزهراءِ في ... زمن غدوْت لِلَيْلِهِ فرقودا
أعلنتَ للإِنسان حقاً اقدساً ... وَأََدتْهُ طاغيةُ العروش عهودا
دَرْسٌ غذوْتَ به الشُّعوبَ جميعها ... فكسرتَ أغلالاً وَهِجت هجودا
أتلومُ شعباً هَب يبعثُ مجدهُ ... وَيُعيد فخراً كالخلود تليدا
يمشي على لهبِ اللظى لحقوقهِ ... وَيخوضُ لاستقْلاله (البارودا)
قالوا: حَقودٌ! قُلتُ طاشَ خَيالُكم ... فَفتى العُروبةِ لا يكونُ حقودا
وهو يطلبُ استقلاله بدمائه ... لا يجتدي كرماً ويسألُ جودا
رُدوا له الحقَّ السليبَ مسلماً ... تَجدوهُ إلْماً صادقاً وَوَدودا
الشرقُ سمْحٌ منذ كانَ وإنما ... مُلئت حضارتُكم قذى وَحقودا
يا جيرةً ضمدوا جراحة جلِّق ... إذ جُرْحها يتلمَّسُ التضميدا
لله نصرتُكم أخاكم إنّها ... قد أصبحتْ مثلاً يسير شرودا كانتْ على القربى الملِحَّةِ آية ... جُلى، وَرَمزاً ساطِعاً مشهودا
قُلْ لِلْغويِّ يرى العروبةَ أنهراً ... لا تسْتقى ويرى الوفاقَ بعيدا
إن العروبة في المواطِن كلها ... ضمِنَتْ لها آلامها التوحيدا
جسدٌ يئنُّ إذا اشتكى عضو به ... من ذا رأى شِلواً يعيش وحيدا
يا يومَ عادَ المصطفونَ إلى الحمى ... ضَمِن الزمانُ لمجدِكَ التخليدا
في جيد هذا الشرق كنت قُلادة ... وأراك في عمر الجهاد فريدا
ما مرَّ يوم أو مررت بخاطري ... إلا سطعت لناظريَّ جديدا
يا يوم عادوا والجلالُ يحفُّهم ... لا السِّجن قد هابوا ولا التشريدا
طلعوا علينا كالكواكب رفعة ... وهفوا على هامِ الرِّجالِ بُنودا
سل مُقلتي لما بدت رُكبانُهم ... هل بُدّدت عبراتُها تبديدا
واسأل فؤادي هل أهلَّ مصفِّقاً ... أو هل شدا في رَكبهمْ غِرِّيدا
زَحَفَتْ دمشق تحوطهم بقلوبها ... وْلداً وأشياخاً تَدبُّ وغيدا
تتزاحَمُ العَبَراتُ في آماقهِم ... فرحاً فتنثْرُ لُؤلُؤاً منضودا
كدُّوا الحناجِرَ فرْحةً بإيابهم ... وتدافعوا مثل الأتيِّ وُفودا
أرأيتَ كيف طغى العُبابُ على الثرى ... أو كيف تحتضِنُ الرؤومُ وليدا
يا من رأى المأسورَ عاد مكرَّماً ... والآسِرَ المأْفون فرَّ طَريدا
يطوي البحارَ السود يطلب ملجأً ... وَحِمىً وَيضربُ في البلاد شريدا
أنى تحَّولَ فالسماءُ صواعق ... والأرضُ فاغرةٌ هُوى ولحودا
وأمامه أنى تقلبَ نِسوْةٌ ... يخْمشن أجياداً زَهَتْ وخدودا
ذُقْ ما يذُوقُ الظالمون! ومن يُهِنْ ... أنَفَ الشعوبِ يهُنْ وَيَقض كميدا
وفد الشام ويا رسول جهادها ... أني حللت تر القلوب مهودا
الله والشعب المبارك عزمه ... قد أولياك النصر والتأييدا
فاسحب من الحب الثمين سوابغاً ... واصحب من العطف العميم جنودا
واهبط رباعاً من (فَرَنْسةَ) خُضِّبت ... بِدَمِ الأباةِ سباسباَ ونجودا
دكّت حصونَ الظالمين سيوفُهم ... والظلم تذروه السيوف بديدا جِئْهُمْ فَبثْهم السلام وقل لهم: ... (يا من نشرتم لِلْحقوق بنودا
يا موقدين لهيب أروع ثورةٍ ... تركت عروش المالكين حصيدا
والمرسلين على الظلوم صواعقاً ... والباذلين مع الضعيف جُهودا
لا تكتبوا بشبا السِّنان عهودكم ... فالحبُّ أصدق موثقاً وعهودا
ضِنوا بهذا الشعب يوماً أن يهي ... إعجابه بنِضالكم ويبيدا)
يا وَفدُ سر بحمى الإله وحِفظه ... واستنجز المأمول والموعدا
وارجع إلينا بالحياةِ مظَفّراً ... واسطع بشائرَ في الحمى وسعودا
أمجد الطرابلسي