مجلة الرسالة/العدد 141/رعاية الفلاح واجب قومي
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 141 رعاية الفلاح واجب قومي [[مؤلف:|]] |
ولود وعقيم ← |
بتاريخ: 16 - 03 - 1936 |
أشارت الرسالة في عددها الماضي إلى المحاضرة القيمة التي ألقاها نزيل مصر، المستر جون نيتل الكاتب السويسري الكبير، عن تعليم الفلاحين ووجوب الاهتمام بثقافتهم القروية والصحية، فذكرتنا هذه المحاضرة بمسألة لا تزال تثير في نفوسنا شجناً، هي مسألة الفلاح المصري بوجه عام
أجل إن مسألة الفلاح المصري مسألة تجدر بعناية كل مصري يقدر الدور الخطير الذي يضطلع به الفلاح في حياة هذه البلاد؛ فالفلاح عماد الإنتاج القومي، وجهوده عصب الثروة المصرية العامة، وهو منبع الذكاء المصري العامل؛ يؤدي للخزينة العامة من دخله ما لا يؤديه أي مصري آخر من ذوي المناصب أو المهن أو المال
ومع ذلك فالفلاح المصري أقل أبناء الأمة حظاً من عناية أولي الأمر، بل يكاد يكون منهم نسياً منسياً؛ فقلما يفسح له مجال في المشاريع والمرافق العامة، وقلما تقدر حقوقه ومصالحه قدرها الحقيقي؛ وبينما نرى جميع الطبقات والطوائف من الموظفين وذوي المهن والطلبة والعمال، بل وذوي المال، كلا تدأب على مطالبة الحكومة وأولي الأمر بتحقيق ما تنشد من الحقوق والمزايا، إذا بالفلاح يلزم الصمت والسكينة، ويرقب مصيره قانعاً بالأمل، راضياً بحكم القدر، معتمداً على الله ثم على نفسه ودأبه المتواصل
بل نلاحظ مع الأسف والألم أن أصوات قادتنا ومصلحينا ترتفع في كل وقت مطالبة بتحقيق مختلف المشاريع الإصلاحية العامة، ولكن قلما يرتفع منها صوت من أجل الفلاح والعناية بانتشاله من ذلك المنحدر السحيق الذي قضى عليه أن يعيش فيه؛ وإذاً فمما يثير الشكر والعرفان أن يرتفع بيننا صوت إنساني كصوت ضيفنا المستر نيتل، مطالباً للفلاح بما نقصر نحن في المطالبة به من عناية هو خليق بها
يعيش الفلاح، عصب الشعب المصري وكثرته الساحقة، في نفس الحالة التي يعيش عليها منذ آلاف السنين، في غمر من الجهل المطبق والأمراض الفتاكة، تعوزه أبسط وسائل الصحة والنظافة؛ ولا يكاد يخرج من كده ودأبه المتواصل بأكثر من القوت الضروري، بل لا نعرف في بلد من البلاد المتمدنة طبقة اجتماعية ينحط منسوب العيش فيها إلى هذا الدرك الأسفل الذي تنحط إليه معيشة الفلاح المصري
ويؤدي الفلاح إلى خزينة الدولة نحو خمسة ملايين جنيه ضريبة عقارية، ويؤدي أكثر منه ضرائب أخرى مباشرة وغير مباشرة، فهو بذلك من أكبر المساهمين في تكوين الدخل العام؛ ومع ذلك فهو لا يصيب من النفقات العامة قسطاً يذكر، سواء في التعليم أو الصحة أو المنشآت والمرافق العامة. صحيح أن الدولة تنفق الملايين على أعمال الري والصرف التي ينتفع بها الفلاح، ولكنها إنما تنفق في الواقع على إدارة الثروة المصرية العامة وإحيائها؛ ومن العدالة بل من مصلحة البلاد الحيوية أن يحظى الفلاح بنصيب حسن من الإصلاحات الاجتماعية التي ترمي إلى رفع مستواه الصحي والعقلي، ففي تقدم صحة الفلاح وتقدم ثقافته ثروة حقيقية للبلاد، وزيادة في قواها المنتجة الاقتصادية والاجتماعية
وليس الفلاح بحاجة إلى التدليل على قدره وأهميته في حياة البلاد؛ فهو يعمل متوارياً في صمت، ولكن شرايين الحياة المصرية كلها تمت بصلة وثيقة إلى عمله وإنتاجه؛ وهاهو ذا المعرض الزراعي الصناعي القائم الآن أسطع دليل حي على ما لهذا الفلاح المتواضع من جليل القدر في الإنتاج العام، وما يستطيع أن يقوم به من المعجزات الزراعية والصناعية إذا تعهده ولاة الأمر بالعناية الرفيقة والإرشاد المستنير
إن الفلاح مستودع الذكاء المصري، وأبناء الفلاحين هم صفوة القادة والزعماء وأكابر رجال الدولة والحكومة، فكيف يعدم الفلاح بين أبنائه أنصاراً يطالبون بحقوقه في الرعاية العامة، وبقسطه من العناية الصحية والثقافية؟ لقد كانت صحة الفلاح وعقله وروحه وما زالت عصب مصر الزراعية والاقتصادية، وقد كانت ستغدو عصب الدفاع عن مصر؛ فإذا شاءت مصر أم تحافظ على قواها المنتجة، وأن تشحذها وتضاعفها، فعليها ألا تدخر وسعاً في العناية بجسم الفلاح وعقله وروحه
وإذا كنا نستطيع أن نسجل لبعض الوزارات المصرية شيئاً من الفضل في الاهتمام بأمر الفلاح، ولا سيما في تقرير التعليم الأولي، وإنشاء بعض المستشفيات والمؤسسات الصحية، وردم البرك، وغيرها، فأنه لا يسعنا إلا أن نلاحظ أن هذه المشروعات تسير بخطى بطيئة جداً، وأن ما تم منها لا يعدو بداية ضئيلة. ومن حق الفلاح، وهو الذي يكون أغلبية الأمة الساحقة، ويساهم بأكبر قسط في إنتاجها الحيوي، ويتحمل معظم الأعباء والتكاليف العامة، أن يفوز من ولاة الأمر، ومن مشاريع الإصلاح العامة بأوفى نصيب
(* * *)